إن الوتيرة التي تتحرك بها 9 دول عربية، علي الأقل، في اتجاه إنشاء محطات طاقة نووية، بعد اتخاذ قياداتها قرارات بذلك، تبدو سريعة، لكن مايحدث ليس سوي البداية، فالطريق إلي امتلاك برامج نووية مدنية لايزال طويلا، وسوف تجتاحه المشكلات من كل جانب، ولن تصل كل تلك الدول، غالبا، إلي نهايته، وقد بدأت دولتان منها في الترنح مبكرا. لقد بدأت المسألة كلها كموجة عامة، لم يكن أحد يرغب في التخلف عنها، فقد تغيرت _ كما ذكر الملك عبد الله عاهل الأردن _ قواعد اللعبة مرة واحدة، في وقت كانت التأثيرات السياسية لبرنامج إيران النووي، وصدمة ارتفاع أسعار النفط ، وأحلام تنشيط المشروعات النووية المجمدة، تضغط علي الجميع، بدرجة أدت إلي قيام معظم دول المنطقة بإطلاق إشارة نووية من نوع ما. لكن ماهي الأطراف التي يمكن أن تصبح فعلا أعضاء في نادي مفاعلات الطاقة العربي؟ فالملاحظة المثيرة هي أنه باستثناء تلك الدول العربية التي تعاني من مشكلات حادة كالعراق ( التي كانت قد اقتربت يوما ما من صناعة القنبلة ) ولبنان والصومال وموريتانيا وجزر القمر البعيدة، اتخذت كل الدول الأخري قرارات نووية، يشمل ذلك _ فيما يبدو - سوريا التي لايزال ثمة جدل حول طبيعة المنشأة التي قصفتها إسرائيل في شمالها. لكن كثيرا من تلك القرارات المشار إليها لاتزال إعلانات نوايا عامة، فبإسثناء مصر، منذ بداية نوفمبر 2007 فقط ، والأردن وليبيا، لايبدو أن الدول الأخري قد اتخذت قرارات نهائية تتعلق بالبدء في التنفيذ الفعلي لعملية إنشاء المحطات النووية، وما يجري هو عمليات لدراسة الجدوي الاقتصادية والنفقات المالية والإمكانيات الفنية، وتجاوزت تلك العملية أحيانا ذلك إلي تحديد قدرة المفاعلات المطلوبة، والحديث عن الشركاء الخارجيين. إن الفيصل في الأمر يتعلق بظهور بنود في الميزانية المالية لعام 2008 لأي دولة، تتجاوز النفقات العادية لمؤسساتها النووية إلي نفقات إضافية تتصل بإجراء أبحاث محددة ذات علاقة بموقع إقامة المحطات، أو بعناصر دورة الوقود النووي من مواد أو مفاعلات، وباستثناء الدول المشار إليها لايزال الجميع في مرحلة الدراسة، بل إن ليبيا لم تتقدم كثيرا فيما يتجاوز التنقيب عن المواد النووية. المثير أن اليمن فقط هي التي قامت رسميا بتوقيع اتفاقية شديدة التحديد مع شركة "باور كوربوريشن" الأمريكية لبناء 5 مفاعلات نووية، من الجيل الثالث، بطاقة 1000 ميجاوات لكل منها، وبتكلفة 15 مليار دولار، علي أن يبدأ إنشاء المحطة الأولي عام 2009، قبل أن تظهر مشكلة واحدة، وهي أن العملية كلها وهمية، فلم تكن هناك شركة بهذا الاسم ، لتبدأ حالة من عدم الثقة في كل مايتعلق بهذا البرنامج. وفي الواقع، فإن العجلة لاتعني الجدية، فيما يتعلق بالبرامج النووية، فمن المعروف أن المسافة الزمنية الفاصلة بين اتخاذ قرار بإنشاء محطة للطاقة النووية وبين تشغيل تلك المحطة بالفعل تصل إلي مابين 8- 10 سنوات، إذا سارت الأمور بشكل منتظم، منها 3 سنوات في إجراء الأبحاث وتجهيز الموقع، وحوالي 5 سنوات في بناء وتجارب تشغيل المحطة النووية، وإذا سارت العملية علي التوازي، بحيث يتم التجهيز والتوريد معا، ربما تتمكن الدولة من توفير سنة تقريبا. هنا تتمتع مصر بميزة كبيرة، وهي أن لديها موقعا مجهزا سلفا لإقامة مابين 4 _ 5 مفاعلات طاقة نووية، اسمه "الضبعة" في الساحل الشمالي، لكن ثمة معركة مكتومة حول هذا الموقع، فهناك من يعترضون فيما يبدو علي بناء المفاعلات وسط أكبر الاستثمارات السياحية في مصر، وهناك من يفكرون في استثمار أرض المشروع في اتجاهات أخري، ولن تقتصر مشكلة " المواقع" علي مصر، فعلي الرغم من أن كل الدول تشير ببساطة إلي مواقع ملائمة لإقامة تلك المحطات، سيواجه بعضها مشكلات حقيقية بهذا الشأن. علي أي حال، تبدو بعض الدول العربية غير متعجلة، وأولها الدول النفطية، التي تخطط للاعتماد علي هذه المحطات كبدائل طاقة بعد عام 2015 علي سبيل المثال، فدول الخليج والجزائر وليبيا تشهد حركة واسعة تتعلق بالدراسات والاتفاقات والزيارات، لكن تقديراتها للمدي الزمني الخاصة بنهاية تلك العملية تمتد طويلا عبر الزمن. وحتي في تونس، فإن بعض مسئوليها يقررون أن المحطة المقترحة ستنتهي في حدود عام 2020 . ويمثل تفاوت قدرات الدول النووية الحالية عاملا آخر شديد الأهمية في تحديد ماسيجري بعد اتخاذ القرار، ففي حين أن دولا مثل مصر ثم الجزائر ثم ليبيا ثم المغرب لديها برامج بحثية تتضمن مفاعلات نووية قائمة، سيكون علي دول أخري أن تبدأ تقريبا من المربع رقم واحد، كالسودان التي يبدو أنها بدأت التراجع سريعا بعد إعلان الرئيس البشير في طهران عن نواياه النووية، التي غالبا ماكانت مدفوعة بعوامل سياسية. المشكلة الحقيقية تأتي من تفاوت الإمكانيات في حالة الدولة الواحدة، فإذا كانت عملية إقامة برنامج نووي تتطلب، مثلا، دعما سياسيا وكوادر فنية وقدرات مالية وتقبلا دوليا، فإن توافر المنظومة كلها لايتيسر في كثير من الأحوال، فالدول التي تتمتع بقدرات مالية ليست لديها كوادر فنية، والعكس صحيح أحيانا، وفي حالة توافر العاملين نسبيا، كما هو الحال بالنسبة للجزائر تتدخل عوامل كالقلاقل الداخلية أو حساسيات الجوار في الصورة، وفي حالة دولة مثل المغرب، يبدو البرنامج في حاجة إلي بنية وموارد أقوي مما هو متوافر. لذلك، فإن التدقيق في عناوين الاتفاقات النووية الدولية التي جرت حتي الآن في كل الحالات تقريبا، والتي نشطت خلالها فرنسا علي ساحة شمال إفريقيا، لبدء تعاون نووي مع ليبيا والمغرب وتونسوالجزائر، وكذلك الاتفاقات التي جرت مع الولاياتالمتحدة، يشير إلي أنها تتعلق بتفاهمات حول مساعدات فنية، فلم يحدد أحد نوعية مفاعلاته حتي الآن. إن قواعد اللعبة قد تغيرت بالفعل كما أكد العاهل الأردني، لكن ليس تماما، فالموافقات التي حصلت الدول العربية عليها دوليا لاتزال قيد الاختبار، وكل تحركات " الموردين النوويين" المستعدين للتعاون مع دول المنطقة لاتزال مبدئية، فربما تظهر توجهات جديدة مع الوقت، وربما يتم الضغط علي بعضها لتوقيع البروتوكول الإضافي لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربما يتقاعس الشركاء في وقت ما. فمن الصحيح أن كل الدول العربية تقريبا تحاول الاستفادة من الدرس الإيراني، بصورة ما، فلم يتحدث أحد عن تخصيب اليورانيوم محليا كمصدر للوقود، بفعل الحساسيات الفنية، وهو ليس اقتصاديا علي أي حال في تلك المراحل المبكرة، رغم أن بعض الدول بدأت في الإشارة إلي وجود كميات هائلة لديها منه، كالأردن وليبيا والجزائر والمغرب. كما أن الجميع يدكون أن إثارة متاعب سياسية قد توقع المفاعلات العربية في "مأزق بوشهر"، وهو مفاعل الطاقة المدني الوحيد حاليا في المنطقة، والذي استغرقت عمليات بنائه حوالي 32 سنة حتي الآن، ولم يعمل بعد، رغم أن الشريك الخارجي هو روسيا الاتحادية المستقلة القادرة علي مناوأة الآخرين وقت الحاجة. إن معظم الدول العربية تحاول نسيان القصص السياسية، فهي ترغب بجدية في امتلاك برامج طاقة للتعامل مع صدمة المستقبل النفطية، بعيدا عن أوهام السلاح النووي، لكنها لن تتمكن من تجنب فكرة أن هناك قرارات كبيرة سيكون عليها أن تتخذها، فيما يتعلق بطرازات المفاعلات وتمويل البرامج والأمان النووي والنفايات النووية والشركاء الخارجيين، وغيرها، وهنا سيأتي دور العوامل الداخلية. إن المنطقة العربية سوف تشهد بالتأكيد ظهور مفاعلات طاقة نووية في المستقبل، كما حدث بالجوار في إيران، وقد يحدث في حالة تركيا، وربما إسرائيل، لكن هناك أسئلة كبيرة تحيط بكل ذلك، وسوف يتوقف مستقبل برنامج كل دولة علي مدي الجدية و" مستوي الكفاءة" التي ستدير بها شئونها النووية في الفترة القصيرة القادمة، فالبدايات ستحدد من سيستمر، ومن سيعود إلي قواعده آمنا مرة أخري.