بعد مرور ثلاث سنوات عن مطالبة الرئيس بوش بوضع ضوابط عالمية تحد من إنتاج المزيد من الدول للوقود النووي، أعلن البيت الأبيض أنه يسعي إلي استثناء الهند من هذه المطالب في مسعي أخير منه إلي إتمام صفقة نووية في المجال المدني بين البلدين. وحسب مسئولين في الإدارة الأمريكية يأتي هذا الإعلان الرسمي من قبل البيت الأبيض بعد عام كامل من المفاوضات الرامية إلي ضمان تمرير الاتفاقية الاستثنائية بين البلدين وتفادي رفضها من قبل نيودلهي. ويذكر أنه إلي غاية السنة الماضية، عندما وافق الكونجرس الأمريكي علي عقد الصفقة مع الهند، كان محظوراً علي الولاياتالمتحدة، بموجب قانون فيدرالي، بيع التكنولوجيا النووية المدنية إلي الهند لأنها رفضت التوقيع علي معاهدة حظر الانتشار النووي. ويسمح التشريع الجديد الذي مرره الكونجرس للولايات المتحدة ببيع كل من التكنولوجيا النووية التجارية والوقود إلي الهند، لكنه ينص علي قطع التعاون النووي إذا ما قامت الهند بتجربة نووية. ومن جهته تحفظ البرلمان الهندي علي الصفقة، معتبراً أن شروطها تمس بالسيادة الوطنية. وبمقتضي الصفقة، التي أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس"، ذهب الرئيس بوش إلي أبعد من بنودها المعلنة، حيث تقدم بمساعدات إلي الهند لبناء مستودع للوقود النووي وإيجاد موارد بديلة في حال قامت بلاده بقطع الوقود النووي عنها، سيكون قد التف بذلك علي أحد مقتضيات القانون الأمريكي. وكان الرئيس بوش قد أعلن في خطاب ألقاه عام 2004 حول السياسة النووية الجديدة لحظر الانتشار بأن "التخصيب والمعالجة ليسا ضروريين بالنسبة للبلدان التي تسعي إلي تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية". وفي هذا الإطار حازت دعوة بوش موافقة بعض الحلفاء الذين علقوا مؤقتاً عملية التخصيب في المواقع النووية، لكن حلفاء آخرين مثل كندا وأستراليا أبدوا رغبة في استئناف عملية التخصيب النووي. ويشكل الاتفاق الجديد مع الهند مشكلة حقيقية بالنسبة لإدارة الرئيس بوش التي يسعي مسئولوها في هذه اللحظة إلي حشد تأييد مجلس الأمن الدولي لتشديد العقوبات الاقتصادية ضد إيران بسبب إصرارها علي تخصيب اليورانيوم. فالهند التي أصبحت دولة نووية بالفعل هي غير موقعة علي معاهدة عدم الانتشار النووي، في حين أن إيران الموقعة علي المعاهدة لم تملك بعد الأسلحة النووية. لكن في تعليقه علي الاتفاق وتداعياته المحتملة علي الملف النووي الإيراني قال "نيكولاس بيرنز"، وكيل وزارة الخارجية للشئون السياسية الذي تفاوض مع الهند بشأن الاتفاق "لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة إيران بالهند، أو خصها بمعاملة مشابهة للهند لأن إيران دولة نووية خارجة عن القانون". وقد أشار "بيرنز" إلي أن إيران أخفت أنشطتها النووية لسنوات عديدة عن أنظار المفتشين الدوليين، وبأنها لم تجب بعد عن جميع الأسئلة المرتبطة بأنشطتها، أو الرد علي الأدلة التي قد تثبت سعيها لامتلاك السلاح النووي. وبرغم أن الهند نفسها، التي لم توقع علي معاهدة عدم الانتشار النووي، كانت تعتبر لعقود ماضية دولة نووية خارجة عن القانون، فإن الرئيس بوش قرر تطوير العلاقات معها والارتقاء بها إلي مستوي أفضل، حيث تخلي عن مجموعة من القيود السابقة وفضل التوقيع علي اتفاقية نووية مع الهند. وقد رحب الأمريكيون من أصول هندية بخطوة الرئيس بوش، كما أيدتها الشركات الأمريكية المختصة في تصنيع المعدات النووية التي تري في الهند سوقاً كبيرة لبيع المفاعلات وتسويق خبرتها الطويلة في هذا المجال. بيد أن الاتفاق الذي يقف وراءه الرئيس بوش وأركان إدارته لم يمر دون معارضة داخلية، حيث صرح "إدوارد ماركي"، العضو "الديمقراطي" في الكونجرس الأمريكي عن ولاية "ماساشوستس"، معبراً عن معارضته للاتفاق المبدئي مع الهند قائلاً "إننا إذا استثنينا الهند من سياستنا النووية، فإننا سنفقد مصداقيتنا في العالم". فبالرغم من أنه سيكون محظوراً علي الهند، بموجب اتفاقها مع الولاياتالمتحدة، استخدام الوقود النووي الذي تشتريه من أمريكا في صناعة الأسلحة النووية، إلا أن قدرتها علي معالجة الوقود تعني أنه بمقدور الهند توجيه إمداداتها الأخري لتوسيع ترسانتها النووية. ويواصل النائب الديمقراطي "ماركي" اعتراضه علي الاتفاق قائلاً "إنه يخلق نوعا من المعايير المزدوجة بين القوانين الموجهة للدول التي تعجبنا، وتلك الموجهة للدول التي لا تروق لنا". وفي هذا الإطار أيضا يقول "روبرت إينهورن"، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "إنه في المرحلة الأولي من المفاوضات مع الهند قدمت إدارة الرئيس بوش تنازلات كبيرة ساوت بينها وبين الدول الموقعة علي معاهدة عدم الانتشار النووي، لكننا في المرحلة الأخيرة تجاوزنا الحدود بأن منحنا الهند امتيازات لم نقدمها إلي الصين، أو روسيا". ومع ذلك أيد المدافعون علي تطوير العلاقات مع الهند وإرساء شراكة استراتيجية معها توقيع الاتفاق النووي، بحيث صادق عليه الكونجرس الأمريكي بسهولة ودون مشاكل. لكن بالنسبة لمن ينتقدون إدارة الرئيس بوش علي تقصيره في الوفاء بوعوده في الحد من بيع الوقود النووي يرون في الاتفاق الأخير مع الهند سابقة ستضعف جهود منع الانتشار النووي في العالم.