أختلف مع كل من يتحدث عن وجود أزمة "بطالة" في مصر، فعلي ما يبدو أن الأرقام التي تصدرها الجهات المختلفة عن وجود أعداد متزايدة من الشباب الذين لا يجدون عملاً هم بالتأكيد خريجو الجامعات الذين تخرجوا منذ سنوات وينتظرون فرصة العمل في "ماما" الحكومة رغم تعدد الجهات والهيئات الحكومية التي تعاني من سلبيات متراكمة، لكن قطاعي الصحة والتعليم يحظيان بالقدر الأوفر من هذه السلبيات التي تنعكس آثارها علي شرائح عريضة من المواطنين.. وإذا كنت سأخص في هذه السطور قطاع الصحة فذلك لما تشهده وزارة الصحة من تحرك يبدو إيجابياً في اتجاه إيجاد حلول غير تقليدية للنهوض بهذا القطاع الذي شهد تردياً كبيراً خلال السنوات الماضية ولا يزال يعاني حتي الآن. تابعت باهتمام تحرك الدكتور حاتم الجبلي _ وزير الصحة _ والحملات التي يقودها شخصياً، والتي أسفرت عن إغلاق (256) منشأة طبية خاصة مخالفة للقانون خلال الستة أشهر الماضية، ومن بينها فوضي كتابة تخصصات غير معترف بها علي لافتات الأطباء مثل أخصائي العلاج بالأوزون _ هذا التخصص غير المدرج بالسجلات الطبية، وغيره من المسميات والتخصصات التي يسعي بعض الأطباء من خلالها لكسب الشهرة واصطياد المرضي دون ذرة ضمير.. كما شملت حملة وزارة الصحة كما يقول الدكتور عبد الرحمن شاهين _ المتحدث الرسمي للوزارة إغلاق المنشآت الطبية الخاصة التي لا تحتوي علي تجهيزات طبية وغرف للعمليات والإفاقة والعناية المركزة، وتلك التي لا تطبق اشتراطات مكافحة العدوي بالمستشفيات والعيادات، إضافة للعديد من المخالفات التي تؤثر علي عدم جاهزية المنشأة الطبية وتنعكس علي مستوي خدمة المرضي.. وإذا كان من المعروف أنه يوجد في مصر 62 ألف منشأة طبية خاصة ما بين عيادة ومستشفي ومركز طبي متخصص.. فنقول إنه معروف أيضاً أن كثيراً من هذه المنشآت الطبية تعمل في ظل قصور كبير وسلبيات عديدة تحتاج إلي مراقبة مستمرة وإجراءات حاسمة مثل قرارات الإغلاق التي تتراوح بين شهر وشهرين، وإن كنت أعتقد أن هذه الفترة قليلة جداً حتي يتم توفيق الكثير من الأوضاع السلبية في عديد من هذه المنشآت التي أهملت طويلاً وغابت عنها الرقابة الجادة والشفافة لسنوات، حتي حدث ما حدث بها من ترهل وسوء أداء واستغلال كبير للمرضي ؛ لدرجة أن بعضها أصبح بوتيكاً يتفنن في عرض بضاعته للحصول علي مكاسب حرام، وكلنا نسمع كل يوم عن عمليات سرقة الأعضاء وغيرها من تفاصيل الاستغلال والإهمال بل والفساد أيضاً. وإذا كنا نشيد ونشدد في نفس الوقت علي أهمية استمرار حملات الرقابة علي المنشآت الطبية الخاصة فلابد من الإشارة إلي أن كثيراً من المستشفيات والمراكز الطبية الحكومية تشهد ما تشهده المنشآت الخاصة _ فالإهمال والتسيب والاستغلال والتواكل وغيرها من السلبيات تستقر في كثير من المنشآت الطبية الحكومية والتي يحسب لوزير الصحة الدكتور الجبلي اعترافه بها ومحاولة التعامل معها، لكننا نطالب بمزيد من الحزم ومزيد من المتابعة لتلك المؤسسات خاصة ما يحدث في هيئة التأمين الصحي التي أصبح الدفاع عن الخدمات التي تقدمها غير مجد أو مقنع للرأي العام _ ولعل ما يصرح به المسئولون في وزارة الصحة بقرب تطوير مستشفيات التأمين الصحي وفصل التمويل عن تقديم الخدمة والإدارة بعد صدور القانون المنظم لعمل الشركات القابضة للخدمات الصحية لتصبح مستشفيات التأمين الصحي وحدات ذات طابع اقتصادي لها ميزانية مخصصة وحساب للتمويل، لعل ذلك يؤدي إلي تطوير الخدمة الصحية وشراء مزيد من المستلزمات الطبية والأجهزة الحديثة. إن الدراسات الحالية للوائح والقوانين التي تعمل علي تنظيم وإصدار قانون التأمين الصحي الشامل، والتي يقال إنها ستنتهي عام (2010)، هذا القانون الذي سيضع الشعب المصري كله تحت مظلة التأمين الصحي الشامل بدلاً من النسبة الحالية التي تصل إلي (52%) من المواطنين.. إننا نأمل أن تنتهي تلك الدراسات قبل عام 2010 حتي ينضم من هم خارج مظلة التأمين وهم (48%) من المواطنين ويستفيدوا من هذه المظلة التأمينية التي ترفع المعاناة عنهم خاصة عندما تتطور هذه الخدمة وينتظم أداؤها في ظل توفير مزيد من الإمكانيات إليها ورفع الكفاءة الإدارية، وتحقيق الانضباط والشفافية _ وعلينا ألا نقلق مما قد يفرض علي من سيدخلون تحت مظلة التأمين الصحي من اشتراكات تعينها علي رحلة التطوير فالدراسات الأولية تؤكد أن نسبة كبيرة من الشرائح الاجتماعية سوف تعفي من تلك الاشتراكات، وهي نسبة يترواح عددها ما بين 14 _ 18 مليون نسمة وهؤلاء ستحددهم وزارة التضامن الاجتماعي وفق ضوابط تضمن أن يحصل غير القادرين علي الخدمة الصحية بصورة صحيحة وإنسانية.. إننا نأمل أن يتحقق ما يتم الإعلان عنه من خطط وما يصدر عن المسئولين من تصريحات. والله من وراء القصد.