يبدي "إبراهيم كوروما" استعداده للصفح عن الشخص الذي يقول إنه كان السبب في قطع يده منذ تسع سنوات أثناء حرب سيراليون الأهلية الوحشية، ولكنه يقول إن هذا لا ينطبق علي "تشارلز تايلور" الرئيس السابق لدولة ليبيريا المجاورة، الذي دعم متمردي "سيراليون". يقول "إبراهيم كوروما": "لا ينتابني هذا الشعور بالتسامح نحو تايلور، الذي أري أنه يجب أن يحاكم ويتحمل نتيجة ما اقترفته يداه". وبوقوف "تايلور" أمام قاضي محكمة سيراليون الخاصة المدعومة من قبل الأممالمتحدة، فإنه دخل التاريخ باعتباره أول حاكم أفريقي يواجه المحاكمة بسبب ما ارتكب من جرائم حرب. وهذه المحاكمة ستسدل الستار علي فصل من فصول الصراع الدامي بالنسبة لضحايا "تايلور" من ناحية، وستوجه في ذات الوقت رسالة إنذار إلي غيره من الطغاة ليس في أفريقيا فقط، ولكن في كل مكان من العالم، بأنهم لا يمكن أن يرتكبوا جرائم ضد شعوبهم ثم ينجوا بفعلتهم. ومن المعروف أن الصراعات التي أججها "تايلور" في ليبيريا وسيراليون، قد أدت إلي مصرع قرابة 400 ألف شخص خلال الفترة ما بين 1989 و2003، واتسمت بالوحشية البالغة، واستغلال الأطفال للعمل كمحاربين علي نطاق واسع. وقد أجبر "تايلور" علي التنازل عن السلطة مقابل السماح له بالعيش في المنفي في نيجيريا منذ عام 2003، وذلك قبل أن يتم القبض عليه هناك في شهر مارس من العام الماضي. فنظراً لخوفهم من استمرار بقائه في غرب أفريقيا، فإن زعماء الدول الواقعة في تلك المنطقة، بما فيهم رئيس سيراليون "أحمد تيجان كاباح" ورئيسة ليبيريا "إلين جونسون سيرليف" مارسوا ضغطاً من أجل إبعاد "تايلور" إلي لاهاي لمحاكمته هناك. وفي لاهاي يحاكم تايلور باستخدام تسهيلات المحكمة الجنائية الدولية، وإذا ما تبين أنه مدان في الجرائم المنسوبة إليه وصدر ضده حكم، فإنه سيقضي مدة محكوميته في سجن بريطاني. يذكر أن المحكمة الخاصة التي ستحاكم "تايلور" قد تم إنشاؤها بواسطة الأممالمتحدة وحكومة سيراليون عام 2002 وذلك لمحاكمة "الأشخاص الذين يتحملون القدر الأعظم من المسئولية" عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات القانون الدولي، التي تم ارتكابها خلال الحرب الأهلية. وتقوم هذه المحكمة بإجراء أربع محاكمات منفصلة تتعلق بأربعة فصائل من الفصائل المتحاربة وهي "الجبهة الثورية المتحدة" و"المجلس الثوري للقوات المسلحة" و"قوات الدفاع المدني" و"تايلور" ذاته. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة أحكامها في موعد لاحق من الشهر الحالي فيما يتعلق بقضية "المجلس الثوري للقوات المسلحة" وقضية "قوات الدفاع المدني". أما فيما يتعلق بقضية "الجبهة الثورة المتحدة"، فإن المحكمة بدأت تواً في سماع مرافعات الدفاع فيها. والحكم في قضية "المجلس الثوري للقوات المسلحة" علي وجه التحديد قد يمثل أول حكم عالمي بإدانة ومعاقبة المسئولين عن جرائم تجنيد واستغلال الأطفال في الحروب. وعلي رغم أهمية هذا الموضوع في حد ذاته، فإن محاكمة "تايلور" ذاتها تعتبر الأكثر دلالة وأهمية في سلسلة من التحقيقات الجنائية الدولية المتعلقة بالفظائع والممارسات المحرمة التي ارتكبها رؤساء دول في قارة أفريقيا. علي رغم أهمية هذه المحكمة، فإن الناس في سيراليون وعلي وجه الخصوص الضحايا لهم أولويات أخري، خصوصاً وأن سيراليون وبعد خمس سنوات علي انتهاء الحرب الدامية التي جرت فيها لا تزال واحدة من أفقر دول العالم. ففي أي يوم يذهب فيه المرء إلي وسط مدينة "فريتاون" العاصمة فإنه سيري جموعاً من الأشخاص الذين بترت أعضاؤهم وهم يتزاحمون مع المصابين بشلل الأطفال والفقراء المعوزين من أجل استجداء بعض النقود، لأن الحكومة كما يقولون لا تعطيهم شيئاً كما أن المحكمة -كما يرون- ليست من أجلهم في الحقيقة.