حتي الأسبوع الماضي، بدا الرئيس الليبيري السابق "تشارلز تايلور"- الذي أطيح به من السلطة عام 2003، وتم نفيه إلي نيجيريا، وكان مهدداً بمواجهة تهم بارتكاب جرائم حرب من قبل محكمة دولية بعيداً عن قبضة العدالة التي لم تكن قادرة علي الوصول إليه. وكان العهد الذي قطعه "تايلور" علي نفسه عندما غادر ليبيريا مضطراً وهو يقول "سوف أعود مرة ثانية"، قد أضاف إلي هالة السلطة الغامضة التي تمتع بها هذا الرجل في منطقة غرب أفريقيا. ويعتقد العديد من المحللين أن إلقاء القبض علي "تايلور" الأسبوع الماضي، وتحويله إلي المحكمة الخاصة بسيراليون التي تدعمها الولاياتالمتحدة، يمثل علامة فاصلة في تاريخ المنطقة، لأنه يرسل رسالة مؤداها أنه ليس هناك أحد مهما بلغ نفوذه وقوته فوق القانون. وهؤلاء الذين يؤيدون محاكمة تايلور، يرون أن تلك المحاكمة ستكون رادعاً لباقي الطغاة وأباطرة الحرب الأفارقة. أما المعارضون لها، فيقولون إنها ربما تؤدي إلي توصل المستبدين والطغاة إلي استنتاج مغاير وهو أنه ليس هناك ما يدعوهم لترك الحكم طواعية وبطريقة سلمية، لأن من يفعل ذلك سيكون مصيره المحاكمة في نهاية المطاف. ويلاحظ أن محاكمات الرؤساء قد اقتصرت حتي الآن علي الرؤساء الذين كانوا يقودون دولاً مارقة، ولم تمتد لتشمل رؤساء دول كبري. وكثيراً ما يستشهد الزعماء الأفارقة بهذه النقطة تحديداً عندما يقومون بتصنيف المحاكمات الدولية علي أنها إجراء دولي يطبق دون مراعاة لقواعد العدل، وحسبما ترتئيه الدول الأقوي في العالم. وهناك قضيتان بارزتان حديثتان يمكن استخدامهما للتدليل علي ذلك: الأولي هي قضية تايلور نفسه، الذي يواجه احتمال المثول أمام محاكمة تم إنشاؤها للتحقيق في جرائم الحرب التي وقعت خلال الحرب الأهلية في الدولة الجارة لليبيريا وهي سيراليون. القضية الثانية، هي تلك المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية الجديدة في لاهاي، التي تقوم بمحاكمة "توماس لوبانجا" قائد إحدي المليشيات خلال الحرب الأهلية التي دارت رحاها في زائير السابقة التي يطلق عليها الآن جمهورية الكونغو الديمقراطية، باعتباره متهما أول في القضية. ويقول المحللون إن بعض الزعماء الأفارقة يحجمون عن إنشاء محاكم لمحاسبة المسئولين عن الجرائم في بلادهم بسبب سجلهم الشخصي المشبوه وخشيتهم من أن يجدوا أنفسهم في النهاية ماثلين أمام تلك المحاكم. هروب "تايلور" من محبسه في نيجيريا، وهو يحمل معه كمية كبيرة من النقود ومن دون أي محاولة منه للتنكر، أثارت أسئلة حول دور الحكومة النيجيرية في ذلك الهروب، تماماً مثلما أثار القبض عليه وهو يحاول عبور الحدود إلي الكاميرون بعد الإعلان عن هروبه بأربع وعشرين ساعة أسئلة مماثلة. ويعتقد "إيريك ويتي" المدير المشارك ل"مجلس سياسة الدمقرطة"، وهي مجموعة تتخذ من واشنطن ولوكسمبورج مقراً لها، أن الرئيس النيجيري "أوليسيجون أوباسانجو"، كان متورطاً في مسألة هروب تايلور، وكذلك في القبض عليه بعد هروبه بيوم. وكان "أوباسانجو" في زيارة لواشنطن للالتقاء مع الرئيس بوش، وكان يتعرض إلي ضغط قوي من الولاياتالمتحدة حتي لا يجعل "تايلور" يهرب. يقول "ويتي": "إن مستوي رفض القبض علي تايلور ونقله، يكشف في حد ذاته عن السبب الذي يجعل مثل هذا الأمر مهما للغاية" ويضيف ويتي: "فالسبب الذي يجعل أوباسانجو وغيره من الزعماء في غرب أفريقيا غير راغبين في رؤية تايلور وهو يقبض عليه، هو أن العديد من هؤلاء الزعماء لديهم جماجم في خزانات ملابسهم... فهؤلاء الزعماء عبارة عن شبكة ممن يبحثون عن مصالحهم الخاصة، في الوقت الذي يخفقون فيه في الاهتمام بصالح شعوبهم". ويخشي آخرون أن يؤدي القبض علي "تايلور" ليس إلي ردع أمراء الحرب عن ارتكاب الفظائع كما هو متوقع، ولكن منعهم من الاتفاق علي صفقات سلام". يقول "بيتر بينفولد" السفير البريطاني السابق لدي سيراليون: "إن نفي تايلور إلي نيجيريا قد أخرجه من المعادلة، وأتاح الفرصة لحلول السلام في ليبيريا. وتقديمه إلي المحكمة بعد القبض عليه بثلاث سنوات، يعطي إشارة مفادها أن الصفقات لا قيمة لها في نهاية المطاف". "يجب علينا والكلام لا يزال لبينفولد أن نقنع الطرفين المتحاربين معا بإلقاء سلاحهما والتوقف عن إطلاق النيران ثم إقناعهما بعد ذلك بالدخول في مفاوضات غالبا ما تكون شاقة للغاية". ويضيف "بينفولد" كذلك: "ولكن إذا ما شعر الطرفان بأن المجتمع الدولي يمكن أن يأتي في أي لحظة، ويدوس علي مثل تلك الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها، بل ويقوم بشحن بعض الأشخاص أو الزعماء إلي محاكم جرائم الحرب، فما هو الحافز الذي سيتبقي لدي هؤلاء الزعماء كي يقوموا بالتوقيع علي مثل تلك الاتفاقيات؟".