المشهد الأول الشيوخ القضاة: من المعروف أنه في الوقت الذي أنهت فيه وزارة العدل مؤخراً اختبارات 74 من عضوات هيئة النيابة الادارية وقضايا الدولة بين 124 عضوة، لتعيينهن علي منصة القضاء، نجد أن نادي قضاة مجلس الدولة مصر علي رأيه وموقفه الرافض لتعيين المرأة قاضياً، مؤكدين بأن "الشرع" ونلاحظ كلمة "الشرع" يمنع تولي المرأة القضاء باعتباره ولاية وليس وظيفة، وأن جلوسها في غرفة المدلولات بالمحكمة مع قضاة من الرجال يعد خلوة شرعية يتنافي مع الدين الاسلامي. هكذا تحول النادي إلي دار إفتاء حيث إنهم استندوا في رأيهم إلي الشرع وليس إلي الدستور "كتاب الوطن الجليل" الذي يساوي بين حقوق وواجبات الرجل والمرأة.. فهل تناسوا أو تجاوزا الباب الثالث من الدستور من المادة 40 حتي المادة 63 والذي يتحدث فيه عن الحريات والحقوق والواجبات وتساوي كل المواطنين. والملفت للنظر أن نوادي القضاة التي تحولت إلي ساحات للعراك السياسي والايديولوجي، والتي كانت تنادي بالاستقلال الكامل للقضاء منذ أول أزماتهم وخروج منظرين سياسيين يرتادون النقابات والمحطات الفضائية يلقون بآرائهم واتهاماتهم للنظام السياسي ويتعاطفون مع الحركات الاحتجاجية الوليدة وتنقض طائفة الاخوان للاستفادة كالعادة من هذا الحراك والتفاعل السياسي، نجد ان قطاعاً منهم عرضوا المؤسسة لسوق المزايدات والخروج عن القواعد المنظمة لحركة المؤسسات المدنية وتفاعلها وتم الخلط بين حرية التعبير والتفريط في استقلالية المؤسسة بمعناها المنضبط، وراحت المؤسسة تتأرجح بين محبي الشهرة والاثارة وتخلوا عن برجهم العاجي الذي يمنحهم الحصانة الاجتماعية والحصافة الفكرية بعيدا عن دهاليز السياسة وألاعيبها.. فهل سمعنا من قبل كما نسمع حالياً، بأنهم يهددون بالاعتصام ورفع الجلسات كما جاء علي لسان المستشار أحمد مكي، وهل سمعنا أيضا من قبل ما قاله المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض و"بالفم المليان والحرف الواحد" "نريد انتخابات نزيهة حتي لو جاءت بأولمرت" والمقصود (طبعاً أولمرت رئيس وزراء إسرائيل) وليس أولمرت اسم "الدلع" لأحد السياسيين المصريين.. يا للهول ويا للعار، فئات من القضاة يعرضون البنيان بأكمله للاهتزاز تارة عندما يرفضون تعيين المرأة قاضياً ضاربين بعرض الحائط حق المساواة المنصوص عليه بالدستور، وتارة عندما يزايدون علي التعديلات الدستورية خاصة المادتين 88، 179 مؤكدين انهم لن يساهموا في التزوير وأنهم كما جاء علي لسان المستشار أحمد مكي يرفضون الصياغات الأخيرة للمادة 88 من الدستور حيث إنها خرجت عن الالتزام بحكم المحكمة الدستورية العليا عام 2000م بخصوص الاشراف القضائي الحقيقي والكامل علي الانتخابات، ولم يعوا بأن المادة المعدلة تنص علي انشاء لجنة عليا تتولي الاشراف علي الانتخابات علي أن يكون من بين أعضائها اعضاء هيئات قضائية حاليون وسابقون. ورغم قناعتنا وتأكيدنا علي أن القضاة من الفئات التي تتمتع بالنزاهة والشرف إلا أنهم ليسوا وحدهم وكما قال المستشار مقبل شاكر ان القضاة ليسوا وحدهم الشرفاء.. فقد شهد شاهد من اهلها.. فهل يستمر هؤلاء في تعريض المؤسسة المدنية العريضة للانهيار تحت حجة الاستقلال وتكون النتيجة النهائية والحتمية انقضاض احدي الطوائف الظلامية علي كينونتها وادائها.. نعم انه سيكون المشهد الحزين الذي لن يفارقنا ابدا. المشهد الثاني: حزب الاخوان للمناقشة: في اثناء ندوة نظمها مركز القاهرة لحقوق الانسان قال صبحي صالح- القيادي الاخواني- ان طائفة الاخوان قررت طرح برنامج حزبها السياسي المزمع تأسيسه علي عدد من المفكرين والشخصيات العامة والمراكز البحثية لمعرفة ملاحظاتها عليه قبل التقدم به.. ويا للخوف من ان تنجر مراكز الابحاث والمفكرون والسياسيون والاحزاب لاقامة مثل هذا التفاعل والحوار مع طائفة اعتمدت ميليشياتها منذ تأسيسها عام 1928 علي نشر ثقافة الاغتيالات والتكفير والتخوين وتمسكهم بقيم الدولة الدينية. فيجب اولا ان يحددوا مفهومهم وولاءهم وولاء حزبهم للامة المصرية اولا ومدي قناعتهم بالانتماء الي المجتمع المصري الذي يعيشون فيه.. وهل الاممية الاسلامية مازالت هاجسهم وغايتهم.. وكيف يتلاعبون بمراكز الابحاث والاحزاب والتحالفات مع القوي السياسية الاخري مستغلين هذا الحراك السياسي الذي منحهم فرصة تعديل تسميتهم من الطائفة المحظورة الي الطائفة المحظوظة، التي لا تتواني لحظة في الانقضاض بخبث علي جميع المؤسسات المدنية وهم يحملون فوق ظهورهم تاريخاً حافلاً من التشدد والظلامية وعشقهم للاستبداد تحت اسم الدين.. فهل سيتخلص حزبهم من تاريخهم المشين المناهض للمواطنة والمدنية، وهل سيحرقون كتب وفتاوي ابائهم الشرعيين منذ حسن البنا وحتي سيد قطب الذي قال وبالحرف الواحد في كتابه "معالم علي الطريق":"هناك دار واحدة هي دار الاسلام تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة تهيمن عليها شريعة الله وتقام فيها حدوده ويتولي المسلمون فيها بعضهم بعضا. وما عداها فهو دار حرب علاقة المسلم بها اما القتال واما المهادنة علي عهد امان، واضاف ان هناك حزبا واحدا لله لا يتعدد واخري كلها للشيطان والطاغوت.. وان النظام الوحيد هو النظام الاسلامي وما عداه من النظم فهو جاهلية. افليس في هذا الكلام لمفكرهم علي انهم يتلاعبون ويناورون مناورة سياسية خبيثة.. فيجب وقبل كل شيء ان يتقدموا بالاعتذار عن هذا التاريخ وهذه الافكار المشينة قبل ان يستضافوا للتعبير والمشاركة في ابداء رأيهم حول حزبهم ولاتخدعنا مقولات ان حل الطائفة وهم كبير وان اقصاء الاخوان كسر لقوة نافذة في المجتمع المصري وانهم قوة سياسية لها ما يمثلها من قطاعات في المجتمع ويجب الاعتراف بهم.. فهذا بحق هو الحق الذي يراد به باطل. المشهد الثالث: الاسري المصريون في ماكينة الاعلام: بعد اعتراف اسرائيل بجريمتها الشنعاء والقذرة والمنحطة في حق 250 اسيرا مصريا خلال حرب عام 1967 وهم عزل من السلاح والذخيرة من خلال فيلم "روح شاكيد" الذي اذاعته القناة الاولي الاسرائيلية لاحظنا تحركات ايجابية وواعية ومسئولة من الدبولوماسية المصرية بضرورة فتح اسرائيل التحقيق في تلك المذبحة والا ستتخذ مصر اجراءاتها القانونية طبقا للقانون الدولي وهذا ما قاله السيد وزير الخارجية المصري لوزيرة الخارجية الاسرائيلية. الا ان الملاحظ ان العديد من القوي السياسية والأحزاب وقعوا أسري فخ الاعلان وراحوا وهم يطالبون بالثأر وهذا حق مشروع إلا أنهم وفي ظل الثورة الانسانية التي انتابتهم كما انتابتنا راحوا يصبون جام غضبهم علي الدبلوماسية المصرية بألفاظ وتهكمات واتهامات بالتفريط في حق شهداء مصر الابطال، وتناسوا في ظل الميكنة الاعلامية، أنه لكي نسترد حقوقنا يجب أولا الالتفاف بشجاعة ومسئولية من أجل الخروج بمطلب شرعي وقانوني لايقلل من هيبة الدولة ومؤسساتها ولا يفرط في حقوق ابطالنا وذلك بتفعيل روح الحوار الايجابي الخلاق لا بالصراخ والعويل.. وأن نفتح ملفاتنا العظيمة في حرب أكتوبر 1973 ونثبت أننا لم نهن ولكننا خضنا حرباً ثأرية شريفة استطعنا بها الاخذ بالثأر من اجل ابطالنا.. وألا ننجرف في نواح جماعي وتضيع قضيتنا وهيبتنا كما يضيع ثأرنا وانتصارنا في مهب الريح. وحتي لا تثبت مقولة الفيلسوف العظيم إيمانول كانط، عندما قال "إن الحدث الكبير يكون في المرة الأولي تراجيدياً وإذا تكرر يصبح هزلياً".. وأخيراً فالتاريخ لن يكون أبداً علم الأحداث الميتة وإنما هو "العلم الذي يبث اليقظة في روح الأمة من خلال ماضيها وحاضرها ومستقبلها".. فلنبحث عن حقوقنا ولا نقلل من هيبتنا ونأخذ بثأرنا ولا نجلد ذواتنا ونفتخر بانتصاراتنا ولا نرتمي في هزائمنا..