وافقت الولاياتالمتحدة علي عقد اتصالات علي مستوي عالٍ مع كل من إيران وسوريا والبدء في اتخاذ خطوات تقود إلي اعتراف دبلوماسي رسمي بكوريا الشمالية. فهل خففت إدارة بوش من لهجتها تجاه أعدائها التقليديين؟ بالرجوع إلي الثاني عشر من شهر يناير الماضي نجد وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تكرر نفس ثوابت السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش الرافضة لإسباغ الشرعية علي إيران وسوريا وكوريا الشمالية عبر الدخول معها في حوار دبلوماسي، طالما تصر هذه الدول علي مواقفها الراهنة وترفض تقديم تنازلات حول القضايا المتنازع عليها. وهكذا صرحت "رايس" أمام هيئة من أعضاء مجلس الشيوخ في دفاعها عن موقف الإدارة الأمريكية إزاء إيران وسوريا قائلة "إنها ليست دبلوماسية، إنما هو ابتزاز واضح" في إحالة إلي دعوات البعض إلي الدخول في حوار مع إيران وسوريا. وقد أصر مسئولون في الإدارة الأمريكية يوم الأربعاء الماضي علي أن الانفتاح الأخير الذي تجلي في موافقة البيت الأبيض علي مشاركة إيران وسوريا في النقاش حول العراق لا يعني أبداً تغيير السياسة الخارجية. فقد أكد "توني سنو"، المتحدث باسم البيت الأبيض "عدم وجود شرخ، أو تغيير في السياسة الخارجية، رغم اعتقاد العديد من الأشخاص أن مشاركة الولاياتالمتحدة في اجتماع إقليمي حول العراق هي بمثابة تغيير في السياسة الخارجية". هذا الرأي عارضه عدد من خبراء السياسة الخارجية منتقدين للإدارة الأمريكية في الكونجرس، فضلاً عن دبلوماسيين سابقين ممن رأوا في التحرك الأخير للإدارة الأمريكية وانفتاحها النسبي علي سوريا وإيران اعترافاً منها بالقيود التي تفرضها علي نفسها جراء امتناعها عن الحديث مع خصومها. ويجدر بالإشارة في هذا السياق ما أعلنته وزيرة الخارجية من أن الانفتاح علي طهران ودمشق يأتي ضمن "مبادرة دبلوماسية". وحسب "دانيال سيروير"، وهو نائب رئيس "معهد السلام"، ودبلوماسي سابق عمل مديراً تنفيذياً في مجموعة دراسة العراق: "لا تكمن المسألة فيما إذا كان محور الشر قد اختفي، أو أنه مازال علي قيد الحياة، بقدر ما تكمن في المفهوم نفسه، وما إذا كان مازال قابلاً للتطبيق اليوم. فبالنسبة لي لا يوجد مانع من الحديث إلي أي كان للدفع بالأمور إلي الأمام". يشار إلي أن الإدارة الأمريكية لطالما تنازعتها الصراعات بين مؤيدي "إشراك دول محور الشر"، كما يعبر عن ذلك دبلوماسيون داخل وزارة الخارجية، وفي بعض الأحيان "كوندوليزا رايس" نفسها، وبين الأصوات الداعية لعزل الأعداء ممثلة في نائب الرئيس ديك تشيني، والسفير الأمريكي السابق لدي الأممالمتحدة "جون بولتون". وبينما امتلك أصحاب فكرة عزل الأعداء وعدم التحدث معهم اليد الطولي علي امتداد الفترة المؤدية إلي حرب العراق والسنوات القليلة اللاحقة، إلا أن الانتخابات التشريعية لشهر نوفمبر الماضي، إلي جانب الفوضي التي تجتاح العراق حالياً أعطت زخماً نوعياً لأصحاب الحلول الدبلوماسية وأفسحت المجال لأصوات غير تلك التي اعتادت عليها إدارة الرئيس بوش. وبهذا الخصوص أكد أحد كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية وجود تغيير داخل أروقة البيت الأبيض بعدما تبين ما يمكن أن يثمر عنه الاتصال بالأعداء كما ظهر في حالة كوريا الشمالية. وقد بدا الأمر خلال حفل للعشاء ومحاضرة نُظما ليلة الثلاثاء الماضية في مكتبة الكونجرس، وكأنه اجتماع لمؤيدي إشراك سوريا وإيران. فقد جلس في الصف الأمامي وزير الخارجية الأسبق "هنري كيسنجر" وإلي جانبه نائب وزيرة الخارجية "جون نيجروبونتي"، فضلاً عن "روبرت جالوشي"، المفاوض السابق للولايات المتحدة مع كوريا الشمالية. ويبدو أن الاجتماع كان فرصة للقاء السياسيين والدبلوماسيين من دعاة الواقعية السياسية من أمثال وزير الخارجية الأسبق "جيمس بيكر" الذي قال أمام الحضور "إن علي أمريكا أن تستعد للتحدث مع أعدائها". ورغم الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها وزيرة الخارجية "كوندوليزا رايس" علي أيدي "المحافظين" من المتشددين سواء داخل الإدارة، أم خارجها، فإن علاقاتها الوثيقة مع الرئيس بوش جعلتها أكثر قدرة علي الدفع قدماً بسياسة الإشراك داخل البيت الأبيض. فبعد أن ضغطت كوندوليزا رايس لاستصدار قرار من مجلس الأمن يفرض عقوبات علي بيونج بانج إثر إجرائها تجربتها النووية في شهر أكتوبر الماضي عادت بعد ثلاثة أشهر لتطالب الرئيس بوش من ألمانيا التي كانت تزورها بعقد اتفاق مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي. وبإقدامها علي ذلك تجاوزت "رايس" عدة خطوات داخل الإدارة الأمريكية لمراجعة السياسة الخارجية، والتي كثيراً ما كانت تقف حجر عثرة في وجه الوصول إلي اتفاق متفاوض عليه. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت يوم الأربعاء الماضي أن الولاياتالمتحدة، وكوريا الشمالية، ستعقدان مباحثات يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين للبحث في تطبيع العلاقات الثنائية، وذلك ضمن الاتفاق الموقع بينهما، الذي ينص علي إغلاق بيونج يانج لمفاعلها النووي الرئيسي مقابل حصولها علي معونات من الغذاء والنفط. ولم تغير "رايس" من استراتيجيتها كثيراً فيما يتعلق بالموضوعين الإيراني والسوري، محرر الشئون الخارجية في "واشنطن بوست"