كان مشهد إعدام صدام حسين أكثر من مجرد بلوغ طاغية لنهايته، فقد كشفت المراسم والطقوس الشيعية التي أحاطت بالحدث يوم السبت الماضي، عن مدي عمق الانقسامات وتفشي الكراهيات، علي امتداد العالم الإسلامي كله بين المسلمين السُّنة والشيعة، سواء أكانوا حكاماً أم حاكمين علي حد سواء. وإنه لمن الواضح جداً، أن المسئول عن توقيت التنفيذ بالذات، قد تعمَّد إيذاء مشاعر العرب والسُّنة المسلمين، داخل العراق وخارجه، بموافقته علي تنفيذ حكم الإعدام، في اليوم الأول من عيد الأضحي المبارك، الذي يحتفلون به. وبالقدر ذاته تكشف ردة الفعل السُّنية الشديدة، التي طالت العالم الإسلامي كله، علي ذلك الإعدام، عن حجم الاستفزاز الذي حصل، وخطورة الرسالة التي أرادت الحكومة العراقية إبلاغها لكافة المسلمين السُّنة: انظروا... فها قد جاء نظام حكم جديد، يعتنق مذهباً مغايراً لذلك التي تتبعونه أنتم. ولم تكن تلك الرسالة سوي إهانة مسمومة، قصد منها حسب البعض أن "تهدي" إلي المسلمين السُّنة في يوم فرحتهم وعيدهم الديني. نذكر هنا أن الشيعة أنفسهم مسلمون، إلا أنهم لم يحتفلوا بعيد الأضحي المبارك، إلا في يوم الأحد الذي تلا يوم السبت تاريخ إعدام صدام، واحتفال معظم إخوتهم المسلمين السُّنة بالمناسبة الدينية. ومن هنا تقرأ الرسالة التي بعث بها المسلمون الشيعة، علي أن القصد من توقيت إعدام صدام، هو تقديم روحه قرباناً للمسلمين الشيعة، في احتفالهم هم بالمناسبة في اليوم التالي للإعدام. كما يلاحظ في الوقت ذاته، أن القيادة الدينية الشيعية، قد أبدت موافقتها علي إعدام صدام حسين في التوقيت المحدد له. وبذلك تكون هذه القيادة قد أقرت رسمياً الانقسام الطائفي في العراق. وبالمثل فعلت القيادة الشيعية الكبري في الجارة إيران، مع العلم بأن طهران، أعلنت يوم إعدام صدام، انطلاقة لأعيادها واحتفالاتها بالمناسبة. ومن ردة الفعل، أن عكس رئيس تحرير جريدة "الشرق الأوسط" السعودية، مشاعر السخط السُّني علي تلك الحادثة، بتشبيهه لمن دبروها، بأنهم "مكافئ طبق الأصل" لتنظيم "القاعدة" الإرهابي. ولا تزال هناك الكثير من الرسائل التي يمكن قراءتها من تعليق صدام في حبل المشنقة يوم السبت الماضي. ولعل أهم هذه الرسائل جميعاً، أنه لا مناص من الهرب من الإقرار بالحقيقة التالية: فما السلوك الشيعي الذي تبدي لنا في مقصلة يوم السبت، سوي انعكاس لسلسلة من الفظائع الوحشية التي ارتكبها المتطرفون السُّنة والشيعة بالأمس القريب، علي حد سواء. وأعني بسلسلة فظائع المتطرفين السُّنة تحديداً، الجرائم التي ارتكبها سفاحو تنظيم "القاعدة"، فظائع أبو مصعب الزرقاوي، وجريمة أولئك المتطرفين الباكستانيين الذين كانوا يهتفون باسم الله، أثناء ذبحهم وحزهم لرأس الصحفي الأمريكي دانييل بيرل، من صحيفة "وول ستريت". وملخص هذه الرسالة إذن، هو أن بعض المسلمين السُّنة والشيعة علي حد سواء، قد ارتكبوا الفظائع والجرائم الوحشية باسم الإسلام وباسم الله، علي نحو ما فعلت تلك الجماعة الأصولية المتطرفة في قطاع غزة، التي أقدمت علي قتل أطفال بعض المسئولين في منظمة "فتح"، إلي جانب إزهاقها لأرواح المدنيين الإسرائيليين باسم الله والإسلام، والإسلام من ذلك براء!