منذ إطلاق الولاياتالمتحدة مبادراتها لدعم برامج دعم عملية التحول الديمقراطي في الدول العربية بعد أحداث 11 سبتمبر تطل الكثير من علامات الاستفهام برأسها بشأن ما تم إنجازه علي هذا الصعيد خلال تلك الفترة المنقضية، وما يمكن أن يتحقق مستقبلا. وفي محاولة جادة منهما لتقديم إجابات دقيقة ووافية لتلك التساؤلات، إلي جانب اقتراح بعض الآليات التي من شأنها أن تساعد علي تفعيل تلك الأجندة الديمقراطية في الدول العربية، قامت كل من تمارا كوفمان Tamara Cofman Wittes وسارا يركس Sarah Yerkes ، الباحثتين بمركز سابان لدراسات الشرق الأوسط،التابع بدوره لمعهد بروكينجز Brookings Institution بالعاصمة الأمريكيةواشنطن بإعداد دراسة وافية عن الموضوع صدرت في شهر سبتمبر الماضي تحت عنوان: "ثمن الحرية: تقييم أجندة إدارة الرئيس بوش من أجل الحرية". وحاولت الباحثتان تقويم أجندة الرئيس بوش من أجل الحرية والديمقراطية في العالم العربي، من خلال الوقوف علي ما حققته تلك الأجندة خلال السنوات القليلة الماضية من غايات، مع محاولة رصد أهم المعوقات التي تعرقل تحقيق تلك الأجندة لأهدافها. برامج وآليات دعم الديمقراطية تتعرض الدراسة إلي بعض المبادرات والبرامج التي اتخذتها إدارة الرئيس بوش كآليات لتنفيذ تلك الأجندة الديمقراطية مثل: - مبادرة منطقة التجارة الحرة لدول الشرق الأوسط. - مبادرة الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا. - برامج مساعدة الديمقراطية للشرق الأوسط التي تشمل تلك التي تدار بواسطة - مبادرة شراكة الشرق الأوسط. - مكتب وزارة الخارجية الأمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل. - الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. أما منطقة الشرق الأوسط للتجارة الحرة، فإنها تركز علي الإصلاح السياسي والاقتصادي في الدول العربية من خلال آليات اقتصادية، حيث تقوم فكرتها الأساسية علي أن الليبرالية الاقتصادية والنمو الاقتصادي الناتج عنها من شأنه أن يؤدي إلي تبلور طبقة وسطي مستقلة تسعي إلي دعم التحول الديمقراطي وحكم القانون. وتتطلع إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلي خلق منطقة تجارة حرة بين دول الشرق الأوسط والولاياتالمتحدة بحلول عام 2013 تكون مبنية علي معاهدات تجارة حرة ثنائية بين الولاياتالمتحدة وكل دولة علي حدة. وحتي الآن تم عقد معاهدات تجارة حرة بين الولاياتالمتحدة كل من الأردن والبحرين والمغرب وعمان، إلي جانب مفاوضات جادة مع دولة الإمارات العربية المتحدة. ويساور العديد في واشنطن قلقا من استطاعة النظم العربية الفصل بين تبنيها سياسات تجارية واقتصادية مفتوحة، وتبنيها برامج إصلاح سياسي حقيقية. وينظر الكثيرون إلي أن الدول العربية تحبذ النموذج الصيني حيث تسهل الدولة الحرية الاقتصادية وتحقق معدلات نمو عالية بدون تحقيق انفتاح سياسي علي نفس القدر، مثلما هو الحال في حالة كوريا الجنوبية. مبادرة الشرق الأوسط الكبير وفيما يخص مبادرة الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، فقد اقترحتها إدارة الرئيس بوش في العام 2004 أثناء رئاسة الولاياتالمتحدة لمجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبريG8 ، بحيث يتم خلال هذه المبادرة عقد لقاءات Forum for the Future دورية سنوية بين الحكومات ومجتمعات الأعمال والمجتمع المدني في الدول الأعضاء في هذه المبادرة وهم دول الشرق الأوسط ومجموعة الثمانية، حيث تؤمن الدول الغربية أن عدم الاستقرار في دول الشرق الأوسط العربية يضر بأمن ومصالح الدول الغربية، لذلك تسعي تلك الأخيرة لدعم الاستقرار الاقتصادي والتحول الديمقراطي ودعم إصلاح النظام التعليمي في الدول العربية. وقد تم عقد المؤتمر الأول في المغرب عام 2004، والمؤتمر الثاني في البحرين عام 2005 ومن المنتظر عقد المؤتمر الثالث في الأردن في نهاية هذا العام. وتتميز مبادرة الدول الثماني الكبري بإشارتها المباشرة "لا يجب أن تستغل العادات والثقافات المحلية لعرقلة الإصلاح". فيما اعتبر إشارة واضحة للمملكة العربية السعودية التي تبرر دائما عدم تبنيها خطوات إصلاحية جادة إلي طبيعة وخصوصية مجتمعها الثقافي المحافظ الرافض لمثل تلك الأنماط الخارجية. وجدت مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI) في عام 2002 وهي تخضع لإشراف إدارة الشرق الأدني بوزارة الخارجية الأمريكية، وتهدف ميبي MEPI إلي دعم خطوات الإصلاح من خلال عدة طرق منها توفير المساعدة الفنية للجهات الحكومية في منطقة الشرق الأوسط، وتوزيع منح مالية للمنظمات غير الحكومية للعمل علي المستوي المحلي. كذلك تحاول ميبي توفير بعض الدعم للسياسيين المحللين لتطوير مهاراتهم الفنية. ونشر اللغة الانجليزية من البرامج الجيدة الأخري التي تحاول المبادرة بدور فعال تجاهها، ويتم ترجمة الكثير من الكتب والدراسات للغة العربية من الانجليزية. عقبات وتحديات أجندة الديمقراطية الأمريكية تشير الدراسة إلي أن سياسة إدارة الرئيس بوش الرامية إلي تبني أجندة محددة من أجل نشر الديمقراطية والحرية في الدول العربية حاليا قد فجرت جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والأمنية الأمريكية. حيث يري بعض المراقبين أنها حققت إنجازات، لا بأس بها، حيث أنها أسفرت عن اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية علي طريق الإصلاح السياسي الديمقراطي في بعض الدول العربية بما يضمن تقليص فرص تنامي مشاعر العداء لواشنطن وسياساتها ومن ثم يعظم ويحمي مصالحها في تلك المنطقة الحيوية. وهو الأمر الذي أرجعه هؤلاء المراقبون إلي الإجراءات الجادة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في هذا الصدد، فضلا عن عدم تردد الإدارة في الإنفاق الوفير علي المشروعات والبرامج المختلفة التي تسعي لدعم جهود نشر الديمقراطية في البلاد العربية. علي صعيد آخر، يري تيار آخر من المراقبين الأمريكيين أن الديمقراطية التي تسعي إدارة الرئيس بوش إلي إقرارها في المنطقة العربية، وتخصص من أجل نشرها جهودا ومبالغ هائلة، قد لا تكون بالضرورة في مصلحة الولاياتالمتحدة في الأجل المنظور، ذلك أنها قد لا تفضي بالضرورة إلي وجود حكومات أو أنظمة معاونة لواشنطن بحيث تساعد علي مواصلة الإصلاح السياسي في تلك الدول بالتزامن مع الإبقاء علي التنسيق المستمر والإستراتيجي مع واشنطن من أجل دعم وصيانة مصالح الجانبين، ولعل قراءتنا لفعاليات ونتائج آخر أو أحدث انتخابات شهدتها بعض الدول العربية خير برهان علي سلامة هذا الطرح، فخلال تلك الانتخابات التي أجريت خلال العامين 2005 و 2006، في كل من مصر والعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية، كان للتيارات الإسلامية والحركات الراديكالية المناوئة لواشنطن وسياساتها في المنطقة حضور ملحوظ ومؤثر في مجريات تلك الانتخابات، وكانت نتيجة إجراء تلك الانتخابات في أجواء تتمتع بقدر، لا بأس به من النزاهة والديمقراطية، أن حملت إلي مواقع السلطة والحكم والتشريع في هذه الدول أشخاصا ذوي توجهات مناوئة للولايات المتحدةالأمريكية أو أفكار راديكالية إسلامية، وهو الأمر الذي يضع الالتزام الأمريكي بشأن نشر الديمقراطية في تلك المنطقة من العالم علي المحك، حيث يثور الجدل من جديد داخل الدوائر السياسية والأمنية الأمريكية حول المفاضلة بين الديمقراطية في العالم العربي من جهة، والمصالح الإستراتيجية الأمريكية في تلك المنطقة من جانب آخر علي أجندة السياسة الخارجية الأمريكية مستقبلا. وتشير الدراسة إلي جهود الكونجرس الأمريكي التي كان من نتائجها منح المنظمات غير الحكومية في مصر نصيبا من أموال المساعدات الأمريكية لمصر. تحديات أمام البرنامج واستكمالا للجدل الأمريكي حول أجندة الرئيس بوش من أجل الحرية والديمقراطية في العالم العربي، يري فريق ثالث من المسئولين والمراقبين أن نية إدارة الرئيس بوش دعم التحول الديمقراطي في العالم العربي موجودة وجادة حقا وقد تم تخصيص موارد هائلة وآليات عديدة لتحقيق هذا الغرض غير أن التحركات الدبلوماسية والضغوط السياسية الكفيلة بتحقيق أفضل النتائج المرجوة في هذا الخصوص قد فترت عزيمتها وتراجعت بشكل ملحوظ خلال الآونة الأخيرة. ويرجع أصحاب هذا الرأي مثل هذا الفتور في التحركات والجهود الأمريكية من أجل تنفيذ أجندة الرئيس بوش من اجل الديمقراطية والحرية في العالم العربي إلي وجود مجموعة من التحديات التي تواجه عملية تحويل تلك الأجندة إلي واقع عملي، ومن هذه التحديات ما يتصل بالمبادرات والآليات الأمريكية المتبعة في هذا المجال، ومنها ما يتعلق بالدول العربية ذاتها لاسيما أنظمة الحكم السائدة فيها. أما الشق المتصل بالآليات والبرامج المتبعة من أجل تنفيذ أجندة إدارة بوش من اجل الديمقراطية في العالم العربي والمتمثلة في: مبادرة منطقة التجارة الحرة لدول الشرق الأوسط، ومبادرة الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، فيمكن القول أنها لا تزال آليات محدودة في سبيل تحقيق الهدف المنشود، الأمر الذي يستوجب بناء آليات جديدة أكثر فعالية تتعدي كونها مجرد برامج شكلية أو مبادرات وقتية تهدف إلي تأمين وتجميل بقاء الرئيس بوش في منصبه لفترة ثانية. اقتراحات لإنجاح الأجندة الديمقراطية الأمريكية تأسيسا علي نتائج هذا الجدل، تطرح الدراسة عدة مقترحات تعتبرها شروطا لإنجاح الأجندة التي تتبناها إدارة الرئيس بوش لتحقيق الحرية والديمقراطية في العالم العربي من أهمها: - أن تتناسب الإجراءات المتبعة والآليات المستخدمة في هذا الخصوص مع ظروف وطبيعة كل دولة في المنطقة وألا تتجاهل خصوصيتها الثقافية والسياسية. - أن تلقي تلك الجهود والمساعي كل الدعم والتأييد من قبل سفراء متخصصين لأمريكا في تلك الدول يقومون بالتنسيق مع وزارة الخارجية من أجل اتخاذ خطوات جادة في سبيل إنجاح تلك الأجندة الديمقراطية. - أن تتجه إدارة الرئيس بوش إلي استخدام الدبلوماسية الشعبية جنبا إلي جنب وبالتنسيق مع الخطط الإستراتيجية المتبعة. - العمل علي إيجاد مجتمع مدني عربي فاعل يمكن الاعتماد عليه في عملية التحول الديمقراطي في البلاد العربية، وهو الأمر الذي يفرض علي واشنطن البحث عن فرص أفضل للتنسيق والتعاون مع الأنظمة العربية الحاكمة حتي يتم تفويت الفرصة علي الحركات الإسلامية المتطرفة التي يتعاظم دورها وتنمو شعبيتها بشكل ملحوظ علي حساب الأنظمة الحاكمة وفي ظل غياب بدائل أخري وتهميش دور المجتمع المدني. - تكريس الاهتمام بقضية نشر الديمقراطية في العالم العربي داخل الإدارة الأمريكية بحيث يأتي اليوم الذي نجدها من بين اهتمامات مرشحي الرئاسة الأمريكية، لأن ذلك من شأنه أن يوفر المصداقية المطلوبة لأجندة الإدارة من أجل الحرية والديمقراطية في العالم العربي، ليس فقط لدي المواطن العربي ولكن أيضا لدي القادة والحكام، وهو ما يساعد في النهاية علي تحقيق تقدم ملموس في مجال التحول الديمقراطي بالعالم العربي في غضون سنوات قلائل. وإذا كان قد سبق الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس قد أعلنا في أكثر من مناسبة أن ثمار أجندتهم وتحركاتهم وجهودهم لنشر الديمقراطية في العالم العربي قد لا تظهر خلال سنوات حكم الإدارة الجمهورية الحالية في السلطة، وإنما قد تظهر لاحقا في مراحل زمنية لاحقة، فإن الورقة تنصح إدارة الرئيس بوش بالعمل الجيد من أجل توفير الظروف الملائمة التي تضمن نجاح تلك الأجندة والتحركات مستقبلا، فعليهم أن يتأكدوا من أنهم وضعوا الأسس السليمة والراسخة وغرسوا الجذور العميقة لمشروع مهم، توفرت له كل السبل والأسباب التي من شأنها أن تضمن له النجاح وتحقيق النتائج المرجوة مستقبلا.