قليلون هم الوزراء الأمريكيون الذين فعلوا ما فعله دونالد رامسفيلد: فهو أصغر من تولي منصب وزير الدفاع سناً (تولاه للمرة الأولي إبان إدارة جيرالد فورد)، وهو في الوقت ذاته أكبر من تولي هذا المنصب سناً (عندما تولاه بعد مرور 30 عاماً علي المرة الأولي في إدارة بوش الحالية). علاوة علي ذلك فإنه -علي الأقل في هذه المرة- من أكثر الوزراء الأمريكيين تعرضاً للاحتقار في التاريخ الأمريكي. وفي الحقيقة أن عدد الأشخاص الذين يكرهون رامسفيلد قد ازداد سواء في مجلس الشيوخ أو في غيره إلي درجة أصبحت معها الحاجة تدعو إلي أن يخطو المرء بقدمه خطوة إلي الوراء حتي يستطيع أن يري بوضوح ما هي الطريقة التي يمكن بها للدستور الأمريكي أن يسمح لأعضاء مجلس الشيوخ بأن ينفِّسوا عن كراهيتهم لرامسفيلد. الطريقة الأولي والأكثر وضوحاً في ذات الوقت هي من خلال إجراءات عملية الاتهام بالتقصير. فباعتباره وزيراً، فإنه من الممكن اتهام رامسفيلد بالتقصير في القيام بواجبات منصبة تمهيداً للإطاحة به منه وفقاً للمادة الثانية من الدستور وبإحدي التهم الواردة في هذه المادة مثل "الخيانة، أو الرشوة، أو غيرها من الجرائم الكبري أو حتي الجنح"، خصوصاً إذا ما عرفنا أن منتقدي رامسفيلد لديهم قائمة طويلة من التهم الجاهزة ضده والكافية لتوجيه تهمة التقصير له، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر عدم الكفاءة، وإصدار الأوامر بتعذيب معتقلي أبوغريب وغيرهم من نزلاء مراكز الاعتقال العسكرية الأمريكية. ولكن المشكلة هنا أن السوابق التاريخية والفتاوي القانونية تدل علي أن السلوك المعيب لا يكفي وحده لتوجيه تهمة التقصير لوزير بل إن الأمر يستلزم إثبات أن مثل هذا السلوك قد تم عن سوء نية. وقبل أن يتم توجيه تهمة التقصير لرامسفيلد وإطاحته من منصبه سواء بسبب أبوغريب، أو بسبب القيام بإصدار تفويض باستخدام التعذيب من قبل المحققين الأمريكيين، أو تسجيل المكالمات الهاتفية في الوطن، فإن الأمر وفقاً لهذه المادة سيتطلب إثبات ليس فقط أن رامسفيلد قد قام بارتكاب هذه المخالفات، ولكن أيضاً إثبات أنه قد ارتكبها بنية سيئة، أي إثبات أنه كان يعرف ما الذي يتطلبه القانون فيما يتعلق بهذه الأمور، ثم إثبات أنه علي الرغم من علمه بذلك فإنه قام بتجاهل القانون عمداً وعن سوء قصد وهذا طبعاً ليس بالشيء السهل المنال . في جميع الأحوال يمكن القول إن الظروف السياسية تجعل توجيه تهمة التقصير لرامسفيلد -ناهيك عن إطاحته من منصبة- أمرا مستحيلاً في الوقت الراهن. فمع سيطرة "الجمهوريين" علي مجلس النواب فإنه من المستبعد إلي أقصي حد -حتي مع تصاعد الغضب ضد رامسفيلد- أن تقبل لجان المجلس المختصة طلباً بإجراء تحقيق مع رامسفيلد، وهو ما يعني أن مجلس الشيوخ لن يتمكن من إجراء محاكمة للرجل لتوجيه تهمة التقصير إليه. والطريقة الثانية التي يمكن لكونجرس أن يعبر بها عن عدم موافقته علي ما يفعله رامسفيلد هو توبيخه، وهو شيء يشبه سحب الثقة الذي يسعي "الديمقراطيون" في مجلس الشيوخ إلي عمله. التوبيخ ليست له قوة قانونية وإنما سيكون مجرد تعبير من النواب بأنهم قد فقدوا الثقة في رامسفيلد كوزير دفاع. ومن المعروف أن مجلسي النواب والشيوخ يقومان طيلة الوقت بتمرير قرارات يعبران فيها عن آرائهما حول أمور وأشخاص شتي. شخصياً لا أعتقد أن بوش ورامسفيلد يمكن أن يعارضا من الناحية الدستورية صدور قرار بالثناء عليهما من مجلسي النواب والشيوخ مما يعني أن صدور قرار بتوبيخهما معاً أو توبيخ رامسفيلد وحده لن يكون مرفوضاً من الناحية الدستورية. والخيار الثالث هو إقناع الرئيس بوش بعزل رامسفيلد وهو أمر له سوابق تاريخية حيث كان يطلب أحياناً من رئيس أن يقوم بعزل وزير لا يحظي بالقبول أو الشعبية، فيقوم الرئيس بذلك كما فعل ريجان عندما أطاح وزير داخليته جيمس وات، أو لا يوافق علي ذلك مثلما حدث عندما رفض الرئيس لينكولن التخلص من ويليام ستيوارد وزير الخارجية في عهده. وفي رأيي الشخصي أن الفرصة المثلي للتخلص من رامسفيلد ستكون بعد انتخابات التجديد النصفي التي يأمل "الديمقراطيون" في تحويلها إلي استفتاء علي العراق ورامسفيلد.. وإذا ما حدث ذلك فإن الوزير قد يقرر أن يدافع عن نفسه حتي آخر رمق كما يليق بجندي شجاع، أو قد يفشل في ذلك وتتم إطاحته، وهو ما سيسجل نهاية رامسفيلد كوزير دفاع تعد خدمته في هذا المنصب هي الأطول في تاريخ المنصب في التاريخ الأمريكي بأسره.