لا شك أن أخطر أنواع التمييز علي مستقبل مصر هو التمييز الديني، لأنه يشطر المجتمع، ويكرس ثقافة الفرز ثم العزل ثم القطع والبتر الكامل مما يقوض دعائم الوطن والمواطنة ويعصف بأسس التقدم الحقيقي التي رسخت عبر التاريخ. جاءت هذه الكلمات في مقدمة البيان التأسيسي لجماعة أو مجموعة "مصريون ضد التمييز الديني". والطريف في الأمر، أن هذه الجماعة قد بدأت نشاطها منذ فترة ببيان موقع من "مسلمون ضد التمييز" حيث وقع عليه نحو 200 مواطن مصري مسلم. وقد قامت الجماعة سالفة الذكر؛ بتطوير نفسها وإعادة (تسمية) نفسها باسم "مصريون ضد التمييز الديني". وهو تطوير يتناسب مع منظومة المواطنة التي نطمح للوصول إليها بعيداً عن نفق الطائفية البغيضة من جانب، ولمواجهة (حالة) التعصب الفكري والسياسي المنتشرة في مجتمعنا من جانب آخر. ولقد أعادت الجماعة المذكورة صياغة أهدافها بشكل واضح ودقيق علي النحو التالي: - الدعوة إلي إعلاء قيم الفكر والاعتقاد وتعميق ثقافة المواطنة. - التصدي الفعال لكل أشكال التمييز الديني أيا كان مصدره، سواء كان من مؤسسات الدولة أو من أي هيئات سياسية أو مدنية أو دينية أو أفراد. - العمل بكل الوسائل الممكنة علي إلغاء كل أشكال التمييز بين المواطنين المصريين في القوانين والأوراق الرسمية والتعليم والإعلام، وإلغاء الخانة التي تحدد "ديانة" المواطن في البطاقات الرسمية واستمارات طلب الوظائف، لأنها بداية التمييز ولا وظيفة لها إلا هذا. - الدفاع عن حقوق المواطنة الكاملة لجميع المصريين وتأكيد أنهم متساوون تماماً في كل الحقوق والواجبات بما في ذلك حرية الاعتقاد والعبادة، وإعلاء شأن المواطنة، والعودة لجذور الحركة الوطنية التي اعتمدت "المصرية" هوية مشتركة للمواطنين تحتضن الجميع وتثري بالتعددية الدينية والفكرية لبشر أحرار يسهمون معاً في بناء الوطن. - المطالبة بالتجريم القانوني لكل ممارسات التمييز بين المواطنين، وعلي الأخص التمييز علي أساس الدين، والملاحقة القضائية لكل من تثبت ممارسته التمييز ضد أي مواطن أو مواطنة بسبب الاعتقاد الديني. - العمل علي تحقيق المساواة الكاملة في جميع الإجراءات المتبعة عند إنشاء وترميم دور العبادة دون تفرقة علي أساس الديانة، والسعي لاستصدار القانون الموحد لدور العبادة. - السعي إلي القضاء علي التمييز من خلال تنمية الطابع المدني الديمقراطي للدولة المصرية، واستحداث آليات وقوانين لتكافؤ الفرص وما يستتبع ذلك من إجراءات لدعمها وإنشاء مؤسسات عامة تضطلع بمهمة تلقي الشكاوي الخاصة بالتمييز والبت فيها. لقد حدث تطور ملحوظ في فكر جماعة "مصريون ضد التمييز الديني" في التأكيد علي المواطنة لكافة المواطنين المصريين بدون أي استبعاد أو تهميش لفئة من أبناء هذا الوطن. إن الأهداف - بل والمبادئ السابقة - تعتمد في جوهرها علي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن قبله علي الدستور المصري الذي ينص في مادته رقم 8 علي أن (تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين)، وتنص المادة 40 علي أن (المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة) وتنص المادة 46 علي أن (تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية) بالإضافة للمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص علي أن (لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين..). وفي ظني، أن ما نحتاجه الآن هو ميثاق وطني مصري بوجه عام سواء مسيحيين أو مسلمين، وفي اعتقادي أننا قد أصبحنا في أشد الحاجة إلي دخول الأهداف أو المبادئ السابقة إلي حيز التنفيذ من خلال التأكيد علي بعض الثوابت التي تمثل الركائز الأساسية من جانب، ولنهضة وطننا مصر وتقدمها من جانب آخر - وعلي سبيل المثال: وطن متعدد الأديان: وهي سمة طبيعية اتسمت بها الدولة الإسلامية الأولي. فلكل مواطن من أبناء هذا الوطن الحرية الكاملة بدون إجبار أو إكراه في اعتناق أي دين، وممارسة طقوسه وعقائده.. بشرط عدم تعدي أتباع أي دين علي الدين الثاني. وما يترتب علي ذلك من عدم التجريح أو التشكيك أو السخرية لأياً من الطرفين. دولة عقلانية: وأعتقد أن كلا الدينين (المسيحية والإسلام) يقدر قيمة العقل، وينبذ الفكر الخرافي المبني علي الدجل والشعوذة، هذه القيمة التي تقف بالمرصاد لكل ما هو ضد صحيح الدين. كما يجب أن يقدس هذا الوطن حرية الفكر.. بشرط عدم المساس بالثوابت الدينية التي تتمثل بوجه خاص في النصوص الدينية (الكتاب المقدس والقرآن الكريم). دولة مدنية واجتماعية : تحترم سيادة القانون، وسيادة قضائه، واحترام تنفيذ أحكامه. سواء تتطلب ذلك تعديل قوانين وتشريعات، أو استحداث الجديد منها بما يتلاءم مع مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد. وترسيخ مبدأ المدنية هنا لا يعني كما يحلو للبعض أن يردد أنها ضد الدين، لأن الدين في مصر هو جزء أساسي من مكون الشخصية المصرية. دولة تنمية: تقوم علي ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية وتنمية المناطق الفقيرة والمحرومة من الخدمات تدريجياً لرفع مستوي المواطنين علي كافة المستويات (التعليمية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية..) . كما تقوم علي تشجيع رأس المال الوطني بتدعيم الكيانات الوطنية الصناعية بدلاً من الصناعات الاستهلاكية القائمة حالياً. واستحداث كل ما من شأنه أن يجعل وطننا جاذبًا للاستثمار، وليس طاردًا له. دولة ديمقراطية: تؤمن بالتعددية السياسية والفكرية، وتحترم حق كل مواطن في الاختلاف والاعتراض البناء الذي يسهم في التقدم والتطوير. والتمسك بمبدأ أن المعارضة - السياسية خاصة - هي جزء أساسي لا يمكن فصله من تركيبة النظام.. لأنها بمثابة إشارة تنبيه للسلبيات التي يمكن بتلافيها تحقيق العديد والعديد من الإنجازات. دولة مواطنة: تحترم أبناءها وتقدرهم علي أساس أنهم ملتزمون أمامها بواجبات يجب عليهم تنفيذها، كما يجب عليها أن تمنحهم كافة حقوقهم دون أدني تمييز بسبب الدين (مسيحي/ مسلم) أو النوع (رجل/ امرأة) أو المكانة الاجتماعية (طبيب/ محام/ نجار/ بواب ) أو الإعاقة (جسدية/ عقلية...) أو السن(صغير/ كبير). دولة متجددة: والمقصود هنا جانب محدد فقط هو تجديد الفكر الديني. وفي ظني أن النموذج المعرفي لتجديد الفكر الديني هو أفضل الأساليب في التجديد لأنه يقوم علي الوعي بالمعلومات والإدراك من خلال المعرفة بالدور الذي يجب أن نقوم به.