في اجتماع صاخب، وزراء إسرائيليون ينصبون كمينا لرئيس الأركان هرتسي هاليفي    استطلاع: غالبية الألمان يرفضون إرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات اليوم على خطوط السكك الحديد    أسوان تتزين لاستقبال ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني| صور    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    تصل ل 20 ألف جنيه.. أسعار تذاكر حفل عمرو دياب نوفمبر المقبل    جالانت يتخذ قرارا بشأن جمعية «القرض الحسن» التابعة لحزب الله    مجدي عبد الغني ل كهربا: أنت ليك ماضي معروف.. والناس مش نسياه    حقيقة صرف مكرمة ملكية بقيمة 1000 ريال لمستحقي الضمان الاجتماعي في السعودية    تحذير شديد اللهجة من الأرصاد بشأن طقس اليوم، وهذا ما يحدث من من 6 صباحا إلى 11 ليلا    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته بسوهاج    قائد القوات البحرية: مصر نجحت في منع الهجرة الغير شرعية منذ 2016    رئيس جامعة بنها: ندعم أفكار الطلاب وابتكاراتهم    استشهاد وإصابة فلسطينيين بتفجير في بيت لاهيا    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    الكلاب في الحضارة الفرعونية.. حراس الروح والرفاق في عالم الآلهة    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حزب الله في دمشق    الفنانة نورهان: اشتغلت مدرسة إنجليزي بعد الاعتزال.. التمثيل كان يسرقني من الحياة    عاجل- كيفية الاستعلام عن موظف وافد برقم الإقامة وخطوات معرفة رقم الحدود عبر أبشر    كسر بالجمجمة ونزيف.. ننشر التقرير الطبي لسائق تعدى عليه 4 أشخاص في حلوان    عاجل - تمديد فترة تخفيض مخالفات المرور وإعفاء 50% من الغرامات لهذه المدة    مصرع شاب وإصابة 2 آخرين في حادث انقلاب سيارة بأسيوط    محمد عبدالجليل معلقًا على غرامة كهربا: حذرت لاعبي الأهلي من محمد رمضان    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    الصحة اللبنانية تدين تعرض إسرائيل لأكبر مرفقين طبيين في البلاد وتطالب بموقف دولي إنساني    3 مشروبات يتناولها الكثير باستمرار وتسبب مرض السكري.. احذر منها    قصف مدفعي مكثف في عيتا الشعب جنوب لبنان    حل سحري للإرهاق المزمن    نشرة التوك شو| حقيقة زيادة المرتبات الفترة المقبلة ومستجدات خطة التحول إلى الدعم النقدي    مدحت شلبي يوجه رسائل نارية ل حسين لبيب بعد أزمة السوبر    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    قائد القوات البحرية يكشف سبب طُول الحرب في أوكرانيا وغزة    إسرائيل تتوعد: الهجوم على إيران سيكون كبيرًا وسيجبرها على الرد    «القابضة للمطارات»: مؤتمر المراقبين الجويين منصة للتعاون ومواجهة تحديات الملاحة    كيفية تفادي النوبات القلبية في 8 خطوات..لايف ستايل    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    التجميد أو البيع.. اجتماع في الأهلي لحسم مصير كهربا    متحدث الصحة: نعمل بجدية ومؤسسية على بناء الإنسان المصري    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    أسامة عرابي: الأهلي يحتاج خدمات كهربا رغم أزمته الحالية    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    رئيس انبي: «حصلنا على 21 مليون جنيه في صفقة حمدي فتحي.. واللي عند الأهلي ميروحش»    شيرين عبدالوهاب تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية (تفاصيل)    شريف سلامة: أتخوف من الأجزاء ولكن مسلسل كامل العدد الجزء الثالث مفاجأة    فى منتصف الأسبوع..سعر الطماطم والبصل والخضار بالاسواق اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    أبو هميلة: توجيهات الرئيس للحكومة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي لتخفيف الأعباء    الصفحة الرسمية للحوار الوطنى ترصد نقاط القوة والضعف للدعم النقدى    عاجل - طبيب تشريح جثة يحيى السنوار يكشف عن الرصاصة القاتلة والإصابات المدمرة (تفاصيل)    أبرز موافقات اجتماع مجلس مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأقصر    القصة الكاملة لتدمير القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967    50 جنيهًا تُشعل خلافًا ينتهي بجريمة قتل في كفر الشيخ    ابتعدوا عن 3.. تحذير مهم من محافظة الإسماعيلية بسبب حالة الطقس    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    ارتفاع جديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 (تحديث الآن)    الموافقة على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة لبنان .. والمعضلة الأمنية 2-1
نشر في نهضة مصر يوم 02 - 09 - 2006

ثمة مؤشران لاحا في سماء الجدل السياسي والإستراتيجي الذي دارت رحاه مؤخرا في منطقة الشرق الأوسط عقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بشأن وقف الأعمال الحربية في الجنوب اللبناني، يبرزان حجم المعضلة الأمنية التي باتت تلقي بظلالها علي الأمن الإقليمي لدول المنطقة جمعاء مثلما طاولت نظام الأمن الجماعي الذي طالما تطلع إلي بلوغه المجتمع الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة.
أول هذين المؤشرين تمثل في ذلك الجدل العربي الحامي الوطيس، الذي بلغ مستوي الخلاف والتباين بين الأنظمة العربية وداخل كل دولة عربية علي حدة، حول الأمن الإقليمي العربي ومفهوم الأمن القومي. وثانيهما، تجلي في السجال الذي طغي علي الداخل الإسرائيلي بشأن تقويم النتائج التي تمخضت عنها الحرب الأخيرة في لبنان وإمكانية اعتبار ما قام به الجيش الإسرائيلي خلالها انتصارا حقيقيا علي مقاتلي حزب الله.ففي كلتا الحالتين، إحتدم الجدل وأثيرت التساؤلات حول أهداف بدت مختلفة وغايات ظلت متباينة، غير أن المعضلة الأمنية في منطقة لا تزال حبلي بالتوترات والمواجهات علي أكثر من صعيد وبدرجات متفاوتة، ظلت هي القاسم المشترك الأهم علي طول الخط، سواء علي الجانب العربي أو فيما يتصل بالصعيد الإسرائيلي أو حتي علي المستوي الدولي الأوسع.
فعربيا، تباينت الآراء مجددا حول مفهوم الأمن القومي العربي، الذي بدا أن العدوان الإسرائيلي علي لبنان قد حرر شهادة وفاته وشيعه إلي مثواه الأخير، فالأنظمة العربية باتت متفقة علي اختزال هذا المفهوم في أمن كل دولة علي حدة دون الأخري، متخذين من المثل الشعبي المصري، الذي يعلن خلاله "جحا" عدم إكتراثه بالنيران التي تأكل دار جاره طالما أنها لم تصل بعد إلي حدود داره، مرجعية ونبراسا، فيما تناست الأنظمة العربية أن للأمن مفهوم أشمل بكثير من أي منظور عسكري ضيق، حيث يمتد ليشمل جوانب أخري سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ذلك أن اتساع الفجوة بين الحكام والمحكومين في العالم العربي من شأنه أن يهدد الأمن الوطني لكل دوله علي حدة، حيث إن بوسعه النيل من الاستقرار السياسي للدولة الذي يعد ركنا ركينا من أركان أمنها الوطني، وهو ما ينعكس بالسلب علي الأمن القومي العربي بمفهومه الإقليمي. بعبارة أخري ،يمكن القول إن إنسحاب الأنظمة العربية وتعمدها تقليص دوائر أمنها الوطني داخل حدودها بعد تنكرها لمفهوم الأمن القومي العربي بمفهومه الواسع، قد أوجد لتلك الأنظمة مشاكل سياسية داخلية عديدة لا تقل في خطورتها وتهديدها للأمن الوطني للنظام وللدولة برمتها في آن عن التهديدات والمخاطر العسكرية التي تتربص بالدولة من الخارج.
وعلي الصعيد الإسرائيلي، برز التفسير الأوسع لمصطلح الأمن، حسبما ورد علي لسان ديفيد بن جوريون مؤسس دولة إسرائيل، والذي إرتأي أن أمن الدولة العبرية إنما يتعدي التصور العسكري الضيق ويتسع بدوره ليشمل جوانب أخري عديدة تتمثل في: توطين وتسكين المناطق الخالية من السكان في شمال الدولة وجنوبها، وتوزيع السكان علي نحو إستراتيجي، وإنتشار صناعات في أنحاء الدولة المختلفة، تنمية الزراعة، إقامة نظام اقتصادي يرتكز علي قاعدة الاكتفاء الذاتي، إلي جانب السيطرة علي البحر والجو وتحويل إسرائيل إلي قوة إقليمية هامة، علاوة علي الاستقلال الاقتصادي ودعم مجالات البحث العلمي وتنمية القدرات في مختلف مجالات العلم والتكنولوجيا، إلي جانب التدريب المهني ذي المستوي العالمي للشباب، ثم تعبئة الجهود الطوعية من جانب المواطنين عامة والشباب بصفة خاصة في مجالات التوطين والأمن وإدماج المهاجرين.
بيد أن مثل هذا المفهوم الشامل والموسوعي للأمن القومي الإسرائيلي من وجهة نظر بن جوريون، لم يكن ليسهم في ملأ الفجوة الأبدية بين الأمن القومي أو الوطني للدولة العبرية، والذي يرمي إلي بقائها ونهضتها وحماية حدودها ومصالحها الخارجية من جهة، وبين ذلك المتعلق بأمن المواطن وسلامته وشعوره بالأمان داخل حدود بلاده، وتلك مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للمواطن الإسرائيلي الذي يتملكه شعور بالغربة والعزلة عن محيطه العربي والإسلامي، من جهة أخري. فمن ذلك الأخير، ينبثق مفهوم الأمن الإنساني أو الذاتي الذي يتعلق بتمكن الدولة من السيطرة علي التهديدات التي تحيط بالأفراد وتحجيمها أو تقويضها قدر الإمكان، وههنا تعن إشكالية الأمن لدي المواطن الإسرائيلي والمتمثلة في عجز القوة العسكرية الهائلة عن توفير الشعور بالأمن للمواطن العادي.
ففي أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967، كان لدي الإسرائيليين ثقة كاملة في قدرة جيش بلادهم من الناحية العسكرية علي التغلب علي أعدائه، إلا أن المواطن العادي في إسرائيل لم يتخلص نهائيا من حساسيته المفرطة إزاء أية مفاجآت إستراتيجيه تتعلق بأمنه الشخصي علي نحو ما بدا جليا في حرب أكتوبر 1973. وخلال حرب الخليج في عام 1991، وبالرغم من تواضع الآثار التدميرية لصواريخ سكود التي أطلقها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين باتجاه العمق الإسرائيلي في حينها، لوحظ تعاظم التأثيرالنفسي والمعنوي لتلك الصواريخ علي المواطن الإسرائيلي وهواجسه الأمنية، حيث ثارت مخاوف من احتمال اندلاع حرب كيماوية يتمكن خلالها صدام أو غيره من إمطار الدولة العبرية بمئات وربما آلاف الصواريخ المزودة برءوس حربية كيماوية أو بيولوجية من شأنها أن تجهز علي الآلاف من الإسرائيليين، حيث تم إستحضار المذابح التي كان يتعرض لها اليهود علي أيدي النازي حينما كانوا يقتادون إلي غرف الغاز وأفران الصهر.
وإبان الحرب الإسرائيلية الأخيرة علي لبنان، بدا جليا تأثير صواريخ حزب الله علي مواطني إسرائيل، الذين إضطر أكثر من مليون منهم إلي التخندق داخل الملاجيء لما يربو علي شهر كامل مخافة التعرض لتلك الصواريخ ذات الأثر التدميري المتواضع أيضا، لاسيما بعد أن نجع مقاتلو حزب الله في الإجهاز علي حياة ما يربو علي 150 إسرائيليا وجرح مئات آخرين من العسكريين والمدنيين علي السواء، فضلا عن إلحاق خسائر مادية هائلة بمعدات الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي سلط الضوء علي ثغرة إستراتيجية مهمة لدي الإسرائيليين تتمثل في الانكشاف الإستراتيجي الواضح لدولتهم أمام محيطها العربي، وهو الإنكشاف الناجم عن إفتقاد الدولة العبرية للعمق الإستراتيجي الذي من شأنه أن يعينها علي امتصاص الضربات الخارجية واحتواء آثارها التدميرية بأقل خسائر ممكنة علي الصعيدين البشري والمادي. كما طرحت من جانب آخر تساؤلات عديدة حول العلاقة بين أمن الدولة وأمن المواطن، أو بين الأمن القومي والأمن الإنساني، حيث ينأي ذلك الأخير بمفهوم الأمن عن كونه مجرد هدف في ذاته، وجعله وسيلة للحفاظ علي حياة المواطن وتحقيق رفاهيته في دولة مستقرة وآمنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.