فأما الحرب بمعناها العسكري فقد خسرتها اسرائيل، حتي لو أكملت تدمير لبنان بيتاً بيتاً ومدرسة مدرسة ومرفقاً مرفقاً، من الكهرباء إلي المطارات إلي المرافئ إلي الجسور إلي المصانع والمعامل والورش البسيطة. لقد خسرت اسرائيل الحرب حتي لو أضافت الي مجازر الاطفال والنساء والعجائز والفلاحين الذين يعيشون بأرضهم ولأرضهم ومنها مجازر اخري تحصد مزيداً من الأرواح، ولم تكتف بالالف شهيد الذين دفنت معظمهم أحياء في البيوت والمساجد والملاجئ المرتجلة وطاردت بعضهم الآخر وهم يحاولون الهرب من صواريخها وقذائف مدفعيتها وغارات طائراتها التي لا تكاد تغيب عن أجواء لبنان من أقصاه شمالاً الي أدناه شرقاً فضلاً عن الجنوب كافة والعاصمة بيروت وضواحيها حتي تعود اليه لتقتل وتحرق وتدمر أبناء الحياة وأسباب الحياة. ... وما النجدة الأمريكية التي بادرت إدارة جورج بوش الي تقديمها لإسرائيل عبر مشروع القرار المفخخ الذي يعرض علي مجلس الأمن الدولي إلا إثبات إضافي علي أن آلة الحرب الاسرائيلية بكل جبروتها قد عجزت عن تحقيق نصر يبدو مستحيلاً، حتي لو أمكنها احتلال بعض الأراضي التي لا تستطيع تأمين قواتها فيها، ولا هي ستضمن معها منع انهمار صواريخ "حزب الله" علي مختلف أنحاء هذا الكيان الذي قام بالحرب وتوطد بعجز الدول العربية عن مواصلة الحرب وخروجها من الميدان إما بمعاهدات صلح منفرد وإما بإعلان استسلامها المموه برغبتها في سلام لم يعرضه عليها المنتصر بلا حرب! إن هذه المعركة في مجلس الأمن لن تنتهي إلا بحل مقبول، هو ما طرحته الحكومة اللبنانية بنقاطه جميعاً، وعنوانها إرسال الجيش الي الجنوب بكثافة وتعزيز قوات الطوارئ الدولية بما يوفر "الطمأنينة" لإسرائيل ويؤمنها من مخاطر أن يقدم لبنان علي اجتياحها عسكرياً! وممنوعة المساومة في هذه المعركة الدبلوماسية التي تقودها الادارة الأمريكية نيابة عن اسرائيل، وبفظاظة غير مسبوقة إلي حد أن فرنسا التي كانت قد تورطت فشاركت تلك الادارة في صياغة مشروع القرار المعروض علي مجلس الأمن انتبهت قبل فوات الأوان فحاولت تعديل النص المحشو بالديناميت والمستهدف، أساساً، نقل الحرب الي الداخل اللبناني، بحيث ترتاح اسرائيل (ومعها واشنطن) في الحال وفي المستقبل.. إن مشروع القرار بنصه المقدم الي مجلس الأمن سيكون بمثابة قرار دولي بتفجير لبنان بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، اذ هو سيبرئ اسرائيل من جريمة إقدامها علي تحويل "حادث" سبق أن وقع مرات عديدة الي ذريعة لحرب مدمرة. إن مشروع القرار يضع مسئولية الحرب علي الضحية، ويقدم "حزب الله" في صورة مزورة تماماً، اذ يحرمه من شرف الدفاع عن أرضه وأهله ورايات وطنه. ثم بعد ذلك يسهل العمل علي نقل الجدل حول المسئولية الي الداخل، وقد تم "تشريعه" دولياً، وفي مجلس الأمن (الذي كان يفترض به أن يكون ضمير العالم). بهذا المعني فمهمة الوفد العربي الي مجلس الأمن تنجح أو تفشل ليس بقدر ما تعدل في النص المحشو بالديناميت المفجر للحرب الاهلية، بل بقدر ما تعيد صياغته بما يحمي لبنان، فعلاً، من الحرب الاسرائيلية ومن تداعيات هذا القرار الملغوم لو تم تمريره بختم "الشرعية الدولية". إن المخاوف العربية من تداعيات الحرب الاسرائيلية علي لبنان، بالذات، من ظاهرة الالتفاف الجماهيري الواسع حول "حزب الله" الذي حقق ما عجزت عنه الانظمة العربية علي امتداد ثمان وخمسين سنة هي تاريخ زرع الكيان الاسرائيلي في الأرض العربية، هي التي حرّكت هذه الانظمة فجاء وزراء خارجيتها الي بيروت، ولو متأخرين، ليتبنوا موقف الحكومة اللبنانية ومطالبها، ثم الطيران بها الي مجلس الأمن لتعديل مشروع القرار بما يحقق الضمانات المقبولة للبنان. ومن الضروري تنبيه هذه الانظمة الي أن الحرب الاهلية اذا ما فجّرها قرار دولي ظالم وأشوه، لم تستطع منعه أو تعديله، سوف لن تظل محصورة في لبنان بل هي ستمتد الي العديد من الاقطار العربية، بعيدها والقريب، لان المسئولية "العربية" ستكون واضحة وضوح الشمس: انها انحازت الي اسرائيل ضد المقاومين الابطال الذين يمثلون نخبة من شباب لبنان المؤمنين بحقوقهم في وطنهم.. بل وضد الامنية العزيزة علي قلوب مواطنيها جميعا، وعلي اختلاف مشاربهم. بل ان هذه الانظمة ستكشف عوراتها جميعاً وستتبدي وكأنها تفضل انتصار اسرائيل علي المقاومة، فكراً وعملاً، ولو بعيداً عن أرضها.. وهذه جريمة قومية لن تستطيع هذه الانظمة التخفيف منها مهما حاولت تشويه صورة المقاومة في لبنان وإنجازاتها العظيمة، وبالتالي فإن شعوبها ستحكم عليها حكمها علي اسرائيل التي كانت وما زالت وستبقي: العدو، بأل التعريف.