تمتم إيهود أولمرت قائلاً: كنت أعلم أن التأييد والثناء لن يبقيا إلي الأبد. فقد أبلغه رجاله بصليات الانتقادات التي أطلقها اليمين نحوه، بعد أن قال في مقابلة مع وكالة أنباء أجنبية، إن الانتصار في لبنان سيساعد في تحقيق خطة الانطواء. وقد تمّ انتزاع هذا القول من فم رئيس الحكومة. فالصحفي الذي أجري المقابلة اهتمّ بحال خطة الانطواء. وردّ أولمرت: ليس هذا ما يشغلني الآن. اقتنص الصحفي الفرصة وسأل: هل هذا يعني أن خطة الانطواء ولّت من دون رجعة؟ لم يكن بوسع أولمرت أن يضبط نفسه حينها، فخرجت الكلمات من فمه. بعد ذلك قال رجاله إنه فعلاً لم يكن يقصد ما قاله، وأنه حقاً غير منشغل بهذه المسألة. بل إنه لن ينشغل بذلك في اليوم التالي للحرب. فهناك أمور أشدّ إلحاحاً. إذ إنه وعد في حملته الانتخابية بأن يكون هناك وقت للمفاوضات مع الفلسطينيين، وبعد ذلك سيجري حواراً مع الجمهور الإسرائيلي ومع رؤساء المستوطنين ومع الأسرة الدولية. وكل هذا لم يحدث بعد. ولكنه سيحدث. لكنه لم يحدث. إذاً لماذا يقفزون. لقد عزز هذا الحادث البائس التقديرات المسبقة لدي أولمرت ورجاله والقائلة بأنه في اليوم الذي تتوقف فيه المعارك في الشمال، سوف تفتح النار في الجبهة الداخلية. سوف يحين دور نيران قواتنا. وعندما يسمعون عدداً من الوزراء والمسؤولين، فيما جرت العادة علي تسميته "أحاديث خصوصية"، يمكن الحصول علي انطباع بأن المعركة الحقيقية لا تزال أمامنا، وأن كل ما جري حتي اليوم (أي الحرب) كانت فقط المقدمة. كانت فقط التمهيد لما سيحدث عندنا. ويمكن العثور علي أحد تعابير ذلك في الكلام الذي قاله عضو المجلس الوزاري المصغّر في مطلع هذا الأسبوع. فقد قال لزملائه الوزراء في مستهل الجلسة: إعلموا أننا لا نزال نجلس حتي اليوم مرتاحين، مع إحساس بتوحيد الصفوف وبالدعم الشعبي. ولكن كل ذلك علي وشك النفاد. كما أن وزير البني التحتية، بنيامين بن أليعزر، وهو عضو أيضاً في المجلس المصغّر، قال هذا الأسبوع في حديث مغلق: إذا انتهي الأمر بالفشل، فإن الوضع سيكون فظيعاً. سوف يذبحون رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان. وتمّ سؤال بن أليعزر: ما هو تعريفك للنجاح؟ فردّ قائلاً: "التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ,1559 انتشار القوة الدولية القادرة وذات الصلاحيات ومنع تهريب السلاح إلي الجنوب اللبناني وعودة الجنديين المخطوفين إلي ديارهما". وقال بن أليعزر إن "كل ما يقلّ عن هذه الشروط الثلاثة سوف يعتبر فشلاً". " الصراع الكبير ووفق النبوءات السوداء فإن الصراع الكبير الذي يهدّد المجتمع الإسرائيلي، سينشب في الحلبة الأمنية. وهو صراع سيدور بين الجيش والمستوي السياسي وسيتركّز حول قضايا ينشغل الناس بها الآن: إدارة الحرب، تحديد الأهداف، أداء الجيش وما شابه. وفي الوقت نفسه سوف تسخن الأوضاع علي الجبهة السياسية. وقال هذا الأسبوع أحد أعضاء المجلس الوزاري المصغّر، الذي يحمل في قلبه أيضاً انتقادات شديدة لمجريات الأمور في الأسابيع الثلاثة الأخيرة: "اليسار سوف يهاجمنا لأننا أفرطنا، واليمين سيحمل علينا، لأننا تنازلنا بأسرع مما ينبغي". وقبل أن يقول أولمرت ما قاله عن فرص تحقيق خطة الانطواء في عصر ما بعد الحرب، كان التقدير الشائع هو أن رئيس الحكومة سوف يستغلّ هذه الحرب للتملّص من تنفيذ الانسحاب الكبير من الأراضي في الضفة الغربية. وتتعذّر اليوم أيضاً رؤيته وهو ينفذ ذلك: فالخطوات من طرف واحد، والتي لم تكن تحظي بشعبية كبيرة قبل لبنان تبدو اليوم أقل إثارة للتأييد. وليس من الواضح من أين سيجلب الأموال: فالفائض في الميزانية سيوجّه أصلاً لتغطية نفقات الجيش ولتجديد الاحتياطي وترميم الشمال. ولكن من الواضح لماذا لم يهرب أولمرت من التزامه بتنفيذ الانسحاب: فمن دون ذلك ليس لديه ولا لدي حكومته أي جدول أعمال. ليست لديه "أجندة". فهذه لن تكون حكومة اجتماعية، لأنه ليست لديها أموال لتوزيعها علي الفقراء. فما الذي تبقي له؟ وأولمرت يفهم السياسة. إنه يعرف أن الحكومة التي تفقد أجندتها، يتعذّر عليها البقاء. وهو ملزم بالتمسك بخطة الانطواء، حتي لو غاصا كلاهما في المجهول. وإذا لم تنته هذه الحرب بنجاح قاطع، فإنه قد يتحوّل إلي أوزة عرجاء، إلي طبعة عبرية من جورج بوش في ولايته الثانية. فزعامته وهيبته سيتقلصان. ومن الذي سيسمح له بتنفيذ الانطواء. ومن حظ أولمرت أن نهاية القتال تقع في مستهلّ عطلة الكنيست. ولديه ما يكفي من الوقت (حتي أواسط تشرين الأول) للتفكير وتنظيم الصفوف، من أجل صدّ الحملات السياسية من اليمين واليسار، التي أشار إليها الوزير أعلاه، في محاولة لإعادة رصّ صفوف الائتلاف تحسباً للدورة الأصعب حقاً، وهي الدورة الشتوية للكنيست. فهذه هي الدورة التي يتمّ فيها التصويت علي الميزانية العامة لعام .2007 وهي الدورة التي سيعاد فيها اختبار "منعة" الائتلاف في كل أسبوع تقريباً. وحتي تشرين الأول سيتضح علي وجه اليقين مصير رجلين مركزيين في ائتلاف أولمرت: وزير العدل، حاييم رامون الذي يتعرّض للتحقيق بشبهة التحرش الجنسي، ورئيس الائتلاف أفيغدور اسحقي المشبوه بارتكاب مخالفات ضريبية كبيرة. وإذا تمّ تقديم الرجلين للمحاكمة، فإن قدرة أولمرت علي العمل ستتضرر بشكل كبير. والأساس أن هذا الضرر سيحدث بسبب رامون، المشارك عملياً في كل شيء أكثر منه بسبب اسحقي. بيرتس يتساءل رفاق وزير الدفاع في حزب العمل، كيف سيخرج عمير بيرتس من هذه الحرب؟ والجواب: غير جيد. فمن جهة لم يأخذه الناس علي أنه وزير دفاع مهيمن ومؤثر، وهذا ليس ذنبه، فلم يتمكن من التعود علي المنصب. ومن جهة أخري فقد اليسار والعرب. فحزب العمل كان سيخسر أربعة مقاعد لو أن الانتخابات جرت اليوم. وفي الأسابيع الأخيرة، منذ اختطاف جلعاد شاليت في غزة مروراً بالحرب في الشمال، انغمس بيرتس كلية في الشأن الأمني. وعندما سئل عما سيحدث في اليوم التالي، فإنه لم يعد يتحدّث عن استئناف النضال من أجل رفع الحد الأدني للأجور أو إعادة ترتيب أوضاع شركات استخدام الأجراء. إنه يتحدّث عن دوره ك"رجل سلام" في "عملية السلام"، مع من يصفهم ب"الجهات المعتدلة" في المنطقة. وبهذا الشكل ينفصل بيرتس، ربما إلي الأبد، عن مقاربته الاجتماعية. ويتحدّث رفاقه عن أنه يفعل ذلك من دون آلام كبيرة. ويعرف بيرتس أنه لا يستطيع خوض صراعات اجتماعية بطولية علي ظهر ميزانية .2007 والصراع الوحيد لديه سيكون باسم المؤسسة الأمنية ولمصلحتها. أما الشأن الاجتماعي فيمكن معالجته من خلال شاس وحزب المتقاعدين. وتنتظر بيرتس مواجهة أخري علي رئاسة حزب العمل، والتي ستجري بعد أقل من عشرة شهور. وقد تحدّثوا عن تأجيل، ولكن لم يتقرّر بعد أي تأجيل. وهناك في حزب العمل من يأمل أن تقود هذه الحرب إلي القضاء علي بيرتس. وفي المستقبل عندما تبدأ الصراعات حول توزيع المغانم أو الاتهامات بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع، وفق النتائج، سيتضرّر بيرتس ويهان ويفقد من شأنه وسيصل إلي الانتخابات التمهيدية ضعيفاً. فقد بات من دون العرب، من دون اليسار، ومن دون الهستدروت.