هناك تماثل نموذجي تقريبا بين السياسة الاسرائيلية ونظيرتها الامريكية. صديق حقيقي لاسرائيل يجلس في البيت الابيض واسمه جورج بوش. لا أحاديث دبلوماسية حول كونه وسيطا نزيها ولا أفكار حول تقليص حجم الحرب واعادة الاستقرار للوضع. وضع مثالي رائع. إلا أن اسرائيل بحاجة الي استراتيجية الخروج المبكر. خياراتها الدبلوماسية تقلصت بسبب الضعف الامريكي وإزاحة واشنطن الي الهامش في المنطقة، الأمر الذي اضطر اسرائيل الي تكثيف طلعاتها الجوية والبرية بصورة صبت في مصلحة حزب الله بدرجة كبيرة، بما في ذلك مأساة كفر قانا. ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو حقيقة أن أحدا في اسرائيل لم يعد يهتم بانقاذ ثورة الأرز الهشة في لبنان، بينما يتفهم الجميع المصلحة الاسرائيلية المتمثلة في ضمان الحدود، ويبررون الحرب كرد علي اعمال حزب الله. مصطلح حرب بالوكالة يصبح مقبولا عندنا. الاسرائيليون اعتادوا علي نوع مغاير من العناق الامريكي أقل نجاعة وعملية وأكثر حساسية، ولكنه يتصف بالمسؤولية. فهل ستستيقظ اسرائيل بعد هذه الازمة متأخرة لتدرك آثار ومترتبات الزحزحة التكتيكية التي طرأت علي السياسة الامريكية في الشرق الاوسط؟. في عام 1996 قدمت مجموعة ضغط، ومن ضمنها ريتشارد بيرل ودوغلاس فايث اللذان كانا في المعارضة الي رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد، بنيامين نتنياهو، ورقة عمل تحت اسم بداية جديدة: استراتيجية جديدة لحماية المنطقة . البداية الجديدة هدفت الي الغاء عملية السلام وزعزعة الاستقرار والمبادرة الي خطوات وقائية هجومية ضد سورية وإزاحة صدام حسين عن العرش في العراق لصالح النظام الهاشمي . عشر سنوات مرت منذئذ، وقد أصبح نتنياهو علي رأس ليكود صغير في صفوف المعارضة، وبيرل وفايث واصدقاؤهما من المحافظين الجدد أصبحوا، وعن حق، معروفين بتأثيرهم القوي علي السياسة الخارجية في ظل جورج بوش. المحافظون الجدد موجودون في مناصب حساسة ومركزية، وطواقم التفكير التابعة لهم والاعلاميون يتولون اعادة صياغة المنطقة التي نعيش فيها. هذه المجموعة المتبلورة من المفكرين الأمنيين اعتُبرت شاذة بدرجة معينة الي أن التحمت مع الجمهوريين المتشددين الأثرياء من أمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد ونيوت غينغريتش واليمين المسيحي. أجندتهم كانت التفوق العالمي والسياسة الهجومية الامريكية أحادية الجانب والدمقرطة التي تتضمن تبديل الانظمة القائمة مع التركيز علي الشرق الاوسط، والهوس بالعراق، والقرب من سياسة الليكود القديم في اسرائيل. لحظتهم السانحة تسنت مع أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). المحافظون الجدد الذين يجدون أنفسهم عالقين في المستنقع العراقي يستمتعون بالازمة المحتدمة عندنا. الصحف الامريكية غارقة بدعوات المحافظين الجدد لشن حرب غير محدودة زمنيا ورفض التفاوض وتوسيع اعمال العداء ضد سورية وايران. انقاذ المصالح الاسرائيلية من أنقاض الدمار الخلاق الذي أحدثه المحافظون الجدد في الشرق الاوسط هو تحدٍ عاجل أمام صانعي السياسة في اسرائيل. امريكا التي تحاول اعادة صياغة المنطقة من خلال الجمع بين القنابل وصناديق الاقتراع من دون ادراك وفهم للسياق المحلي، ومن دون اعداد للتحالفات ومعالجة الأمور الظالمة والإجحاف، انما تكيد لنفسها ولاسرائيل في نهاية المطاف. لاسرائيل أعداء فعلا، ومصالح وضرورات أمنية، ولكن لا يوجد منطق في تطوع الدولة للوقوف في الخط الأمامي لجبهة حرب الحضارات الخاطئة ايديولوجيا والقابلة للمنع. من الصعب علي اسرائيل أن تطرح استراتيجية محلية لا تتساوق مع سياسة الادارة الامريكية الحالية. ولكن اسرائيل ليست بحاجة الي توفير الطريق أمام المحافظين الجدد للعودة الي موقع التفوق والغلبة. عودة امريكا الي الدبلوماسية الفاعلة والواقعية والمتعددة الجوانب مع التدخل الذي يحث علي التقدم الي الأمام، ستخدم المصالح الامريكية والاسرائيلية والاقليمية أكثر من أي شيء آخر. علي اسرائيل أن تشجع ذلك، وربما يتوجب أن يكون عليها أن تقود هذا التوجه، علي سبيل المثال، في اعادة التفكير في السياسة المتبعة تجاه حماس وسورية، وعليها بالتأكيد ايضا أن تعمل مع أبو مازن وأن تشجع جهوده للتوصل الي تفاهم فلسطيني وطني كقاعدة للحكم الراسخ والهدوء الأمني والمفاوضات السلمية المستقبلية. علي اسرائيل واصدقائها في امريكا العودة ايضا الي اعادة النظر في تحالفهم، ليس مع المحافظين الجدد فقط، وانما مع اليمين المسيحي كذلك. الحدث الأكبر المؤيد لاسرائيل في فترة الحرب الحالية نُظم علي يد منظمة مسيحيون متحدون من اجل اسرائيل . هؤلاء يعتقدون بحرب الآخرة التي تُقرب يوم الحساب مع كل ما يترتب علي ذلك من آثار التي ستكون نهاية غير مشوقة للتاريخ اليهودي. يتوجب صياغة رواية بديلة لكابوس المحافظين الجدد وتشخيص المصالح المشتركة من خلال سياسة تعيد الزعامة والاحترام والمصداقية لواشنطن في المنطقة من خلال العمل من اجل السلام والاستقرار وتبني توجه لحل الصراعات والدفع نحو انشاء مجتمعات أكثر انفتاحا. العامان الأخيران من رئاسة بوش يمكن أن يكونا مناسبة ملائمة للتقدم أو لبذل محاولة يائسة لتقليص الأضرار.