بريطانيا.. حزب العمال يحصد 150 مقعدا من بين 182 تم فرزهم حتى الآن    منتخب الارجنتين يتأهل لنصف نهائي كوبا امريكا 2024 بعد الفوز على الإكوادور بركلات الترجيح    حقيقة طلب منتخب مصر ثنائي الأهلي لأولمبياد باريس    "ظهرت نتائج التاسع الاساسي 2024" moed.gov.sy رابط نتائج الصف التاسع سوريا 2024 حسب الاسم ورقم الإكتتاب عبر موقع التربية السورية    أصالة تعتذر للجمهور السعودي خلال حفل ليلة وردة: أصيبت بالتوتر    الذهب يتجه إلى تحقيق مكاسب أسبوعية مع ترقب بيانات أمريكية    حمزة نمرة وفايا يونان يفتتحان مهرجان "تيميتار" في المغرب    «كاف» يوقع عقوبة مالية على صامويل إيتو بسبب اتهامات بالتلاعب    يورو 2024| التشكيل المتوقع لإسبانيا أمام الماكينات الألمانية    بث مباشر مباراة البرتغال وفرنسا في يورو 2024    شهيدان في قصف إسرائيلي استهدف منزل شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة    انخفاض يخالف التوقعات ب«حديد عز».. سعر الحديد اليوم في مصر الجمعة 5 يوليو 2024    ارتفاع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الجمعة 5 يوليو 2024    «جامدين جامدين».. نصيحة تامر حسني ل جمهوره بعد «هرمون السعادة»    وزارة الأوقاف تفتتح 16 مسجدًا.. اليوم    بايدن: لن أنسحب من السباق الرئاسي    بوتين: أوكرانيا رفضت محادثات السلام بتوجيهات مباشرة من لندن وواشنطن    إبراهيم نور الدين يوضح موقفه من الجدل حول عزومة عشاء للحكام    الرئاسة الفلسطينية: الحرب والاستيطان لن يحققا الأمن والسلام لأحد    الأرصاد: طقس اليوم شديد الحرارة رطب على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 36    اشتعال النيران في «تريلا» بصحراوي قنا    أول قرار من النيابة في واقعة مصرع طفل أصيب باختناق داخل أسانسير خلال انقطاع الكهرباء    نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط يشيد بالتقدم الاقتصادي الذي حققته الجزائر    متحدث الوزراء: نبحث وضع حلول جذرية لوقف انقطاع التيار الكهربائي    وزير العمل: الرئيس السيسي وجه بتحقيق مصلحة العمال    الشيخ خالد الجندي: من رأى سارق الكهرباء ولم يبلغ عنه أصبح مشاركا في السرقة    الإفتاء تستطلع هلال شهر المحرم اليوم    استمتع بالانتعاش في الصيف مع مشروب الليمون بالنعناع البارد    مهرجان جرش للثقافة والفنون يكشف عن برنامج دورته ال38    عاجل - آخر تحديثات أسعار الذهب اليوم الجمعة 5 يوليو 2024    سيد معوض يوجه طلب عاجل إلى كولر مع الأهلي    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    موعد إجازة رأس السنة الهجرية.. وأفضل الأدعية المستحبة.. كم عدد أيام العطلة؟    موقع التحويل الإلكتروني بين المدارس 2024 - 2025 (الموعد والأوراق المطلوبة)    رسميا.. سعر البنزين اليوم الجمعة 5 يوليو 2024 في مصر (تفاصيل)    «الدواء موجود وصرفه متأخر».. الصحة: تحقيق عاجل مع مسؤولي مستشفيات الإسكندرية    تشييع جنازة طالب كلية الهندسة اثر سقوطة من الدور الخامس    تصالح كمال أبو رية مع كفيف اتهمه باحتجاز سيارته المخصصة للمعاقين بالعجوزة    رئيس جامعة القاهرة عن تجديد الثقة في وزير التعليم العالي: حقق إنجازات متميزة    لا ينام.. مصطفى بكري: كامل الوزير بيشتغل 13 ساعة في اليوم    المهندس محمد شيمي يستقبل الدكتور محمود عصمت بمقر وزارة قطاع الأعمال العام    الجيش الإسرائيلي يكشف عن استعداده لقبول الصفقة مع حماس بأي ثمن    أسماء جلال تكشف قصة الدريس كود مع شريف عرفة (فيديو)    26 يوليو.. تامر حسني يشارك في مهرجان العلمين الجديدة    وليد دعبس: أطالب بمشاركة مودرن سبورت في الكونفدرالية.. ولدينا حقوق مالية بشأن رحيل حسام حسن    رئيس الوزراء المجري يزور روسيا للقاء بوتين وسط انتقادات أوروبية    نقابة العاملين بالسياحة تحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو    #أسامة_عسكر يتصدر (إكس) .. ومغردون: مرعوب ليه وأنت بتدعي إن الشعب في ضهرك    السروجي: هدفي تحقيق الآمال المشروعة    هرب من حرارة الجو.. مصرع طالب غرقًا في نهر النيل بالغربية    حسام موافي يحذر: النوم حتى هذا الوقت يزيد من خطر الإصابة بالجلطات    هل توجد خطورة من تناول تطعيم الكبار للأطفال بالخطأ؟ فاكسيرا تجيب    الكشف على 1370 مواطنا خلال قافلة طبية بكوم حمادة في البحيرة    يوم عرفة 2024 : إحدى حجيج دمياط عقب عودتها: «مشرفين الرحلات هربوا وقالوا إنتوا جايين مع مين»    حظك اليوم| برج الحوت الجمعة 5 يوليو 2024    محمد أنور : نناقش في «جوازة توكسيك» مشاكل اختلاف التربية بين المتزوجين    حلف اليمين الاثنين المقبل.. «رشوان» رئيسًا للأعلى للإعلام و«سعدة» للوطنية للإعلام و«الشوربجي» للصحافة    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بكثير من التحفظ .. وقليل من الاندفاع:
نشر في نهضة مصر يوم 13 - 07 - 2006

لا أحب استخدام الكلمات "الكبيرة" والرنانة التي فقدت معناها الحقيقي من كثرة ابتذالنا لها واستخدامها بمناسبة ودون مناسبة، والمبالغة في تقييم اي حدث واعتباره "انجازا تاريخيًا" مع انه ليس انجازا وليس له علاقة بالتاريخ او الجغرافيا.
ومع ذلك.. فإنني لا استطيع ان اكبح جماح اندفاعي الي تقييم احداث الايام الاخيرة، في الساحة الصحفية، بوصفها انجازا حقيقيا، وربما انجازا تاريخيا كذلك.
فقد وجدت الجماعة الصحفية نفسها، فجأة ودون سابق انذار، في مواجهة مشروع حكومي لتعديلات مواد قانون العقوبات المتعلقة بقضايا النشر.
وقد جاء هذا المشروع ليمثل صدمة لأشد الناس تشاؤما، نظرا لما مثله من اسقاط لوعد الرئيس حسني مبارك في 23 فبراير 2004 بالغاء التشريعات التي تجيز الحبس في قضايا النشر، ولما مثله ايضا من اغتيال حقيقي لحرية الصحافة، وتحصين للفساد والمفسدين.
وتصور "ترزية القوانين" الذين قاموا ب"تفصيل" هذا المشروع المريب انهم سينجحون في تمريره استنادا الي الاغلبية العددية للحزب الحاكم في البرلمان.
لكنهم فوجئوا ب"انتفاضة" صحفية، شارك فيها الصحفيون علي اختلاف منابعهم الفكرية ومشاربهم السياسية والايديولوجية ودون تفرقة بين مؤسسات صحفية "قومية" او "حزبية" او "خاصة"، ودون تفرقة بين "يسار" او "يمين" و"وسط".
حتي بعض الصحفيين الذين يشغلون مناصب بارزة في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم اعلنوا انضمامهم الي الانتفاضة الصحفية، واضعين حرية الصحافة فوق انتمائهم الحزبي.
ثم ان هذه الانتفاضة رفعت مطالب الجماعة الصحفية بصورة واضحة لا لبس فيها، واعلنت عزمها علي خوض معركة طويلة الامد، تستخدم فيها كل اسلحة النضال الديمقراطي السلمي بصورة مدروسة ومتصاعدة من اجل اسقاط هذا القانون الاستبدادي.
وبعد المواقف المبكرة لمجلس نقابة الصحفيين التي فضحت المحتوي الرجعي للمشروع الحكومي، سارع رؤساء تحرير الصحف الحزبية والمستقلة الي الاجتماع والتشاور وتداول الآراء حول سبل مواجهة هذه الكارثة المحدقة بالجميع، ولم يتم الاكتفاء باصدار بيانات الشجب والاستنكار اياها، بل اتفقت هذه القيادات الصحفية علي خطوة غير مسبوقة هي الاحتجاب عن الصدور يوم الاحد الموافق 9 يوليه. وبعد ان كان عدد القيادات الصحفية الموقعة علي هذا البيان لا يتجاوز اثنتي عشرة صحيفة يومية واسبوعية حزبية ومستقلة سرعان ما تصاعد العدد ليصل الي 28 صحيفة احتجبت كلها عن الصدور.
هذا الموقف غير المسبوق في تاريخ الصحافة المصرية -علي الاقل بهذا العدد الغفير من الصحف الذي يضم كل الصحف الحزبية والمستقلة المهمة- جعل من التاسع من يوليه يوما تاريخيا بالفعل.
وزاد من اهمية هذا الحدث الاستثنائي ان الصحف القومية التي صدرت في نفس يوم الاحتجاب كانت -في اغلبيتها الساحقة- متعاطفة مع الصحف المحتجبة ومؤيدة لقضية التصدي للمشروع الحكومي الذي يغتال مهنة الصحافة.
بل إن بعض الصحف القومية لم تكتف بابداء هذا التعاطف من خلال السماح لكبار كتابها بالتعبير عن رفضهم لهذا المشروع الحكومي الديكتاتوري، وانما ايضا من خلال تغطية خبرية رائعة ومتميزة لمناقشات هذا المشروع تحت قبة البرلمان.
وأخص بالذكر هنا جريدة الجمهورية التي صدرت عشية الاحتجاب بمانشيت رائع لعددها الصادر يوم السبت الماضي يقول "مجلس الشعب يتعجل حبس الصحفيين" واختتمت الجمهورية القصة الخبرية التي كتبها الزميل محمود نفادي تحت هذا المانشيت بعبارة لا تقل روعة تقول بالنص "ويكون قانون حبس الصحفيين هو سوء الختام لاول دورة في عمر برلمان المستقبل".
وهذا يعني ان يوم التاسع من يوليه قد حفر لنفسه مكانا في التاريخ المعاصر لمصر باعتباره يوم انتفاضة الصحفيين المصريين علي جميع انتماءاتهم السياسية والفكرية والمؤسساتية، الذي تضافرت فيه اشكال شتي من الكفاح: الاحتجاب عن الصدور، والتضامن المهني والسياسي من جانب الصحف التي صدرت، والوقفة الاحتجاجية امام مجلس الشعب اثناء مناقشته للمشروع الكارثة، والمسيرة السلمية من امام مجلس الشعب الي مقر نقابة الصحفيين بعد انتهاء الوقفة الاحتجاجية التي شارك فيها نواب من البرلمان وممثلون عن منظمات المجتمع المدني والقوي الديمقراطية والنقابية، ثم تتويج هذا كله بمؤتمر صحفي عالمي برئاسة نقيب الصحفيين الاستاذ جلال عارف وبمشاركة القيادات الصحفية للصحف الحزبية والمستقلة المحتجبة، تمت فيه تلاوة البيان الثاني الذي يتضمن تقييما للموقف وتحديدا للمطالب وتعهدا بمواصلة الكفاح بشتي السبل الديمقراطية حتي تلبية هذه المطالب الديمقراطية المشروعة، بينما كانت الاصوات علي الجبهة الاخري -اي جبهة ترزية هذا القانون الرديء والمريب- تهدد وتتوعد وتقول "طظ في الصحافة والصحفيين" وتقسم علي المصحف والانجيل انها لن تتنازل قيد انملة عن كلمة واحدة وردت في المشروع الحكومي.
لكن بعد ساعات معدودات، وبمجرد انبلاج نور صباح اليوم التالي، اي يوم الاثنين الموافق العاشر من يولية، تناقلت وسائل الاعلام المصرية والعالمية خبرا صغير الحجم عظيم الدلالة يقول بالنص "اتصل الرئيس حسني مبارك هاتفيا اليوم الاثنين بالدكتور احمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وطالبه بالغاء الحبس في جرائم القذف الخاصة بالذمة المالية ومضاعفة العقوبة المالية" وهو البند الذي كان موضع اعتراض لدي الاغلبية الساحقة من الصحفيين المصريين.
وبهذا تمت الاستجابة لاحد المطالب الاساسية للجماعة الصحفية التي اعتبرت ان اشهار سيف الحبس علي رقاب الصحفيين فيما يتعلق بجرائم القذف الخاصة بالذمة المالية انما هو قتل لمهنة الصحافة وترويع للصحفيين وتحصين للفساد.
وبهذا ايضا تكون الجماعة الصحفية قد انتزعت مكسبين لا يستهان بهما بين الاجتماع الاول لرؤساء تحرير الصحف الحزبية والمستقلة والاجتماع الثاني لهم تحت سقف نقابة الصحفيين هما الغاء الحبس في جرائم القذف الخاصة بالذمة المالية، وجعل عقوبة الحبس "جوازية" بعد ان كانت "وجوبية" في الجرائم الاخري.
ومن حقنا ان نغتبط بهذا الانجاز، حتي وإن بقيت لنا تحفظات اساسية حول امور اخري، اهمها ان تدخل رئيس الجمهورية لم يشمل الغاء الحبس في مواد اخري، وأن قيمة الغرامات المالية مبالغ فيها جدا خاصة اذا ما وضعنا في الاعتبار هزال رواتب غالبية الصحفيين.
وتبقي قضية مهمة.. لا ينبغي ان تفوتنا دلالالتها، هي ان معظم القضايا المهمة اصبحت تنتظر تدخل الرئيس شخصيا.
وبالطبع.. فإنه حسنا ان يستجيب الرئيس الي نبض الناس.. لكن من غير المعقول في بلد كبير وعريق مثل مصر ان يكون كل شيء ، كبيرا كان او صغيرا، معلقا بشخص الرئيس الذي ظلت الحكومة عاجزة عن اتخاذ اي موقف حتي في اعتماد نتيجة تلميذة في الصف الاول الثانوي في مادة التعبير حتي يبت هو شخصيا في الامر!
صحيح ان الدستور يعطي هذه الصلاحيات لرئيس الجمهورية.. لكن اتساع نطاق هذه الصلاحيات بصورة هائلة يعني ان لدينا مشكلة في نسبية التوازن بين السلطات الثلاث، وفي استفحال السلطة التنفيذية وغلبة كفتها علي باقي السلطات ، بشكل ينبهنا للمرة المليون اننا ما زلنا- رغم عراقة حياتنا البرلمانية- ما زلنا دولة بطريركية ابوية، بما يعني ايضا ان الطريق ما زال طويلا امام انتقالنا الي ان نكون دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
وكان تدخل الرئيس مبارك شخصيا - وهو تدخل مشكور علي اي حال- مؤشرا يذكرنا بأن الاصلاح السياسي والدستوري ليس ترفًا، بل انه مطلب عاجل وملح.. قبل ان يتسع الخرق علي الراقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.