ولدنا بحب البرازيل، ومن بعدها الأرجنتين، ومن بعدهما، فإن تشجيعنا للكرة يخضع للتساهيل والظروف.. لكن السنوات العشر الأخيرة شهدت انقلابا في خريطة التشجيع المصري، لم تعد البرازيل هي الفريق المقدس الذي يجب أن ننصره ظالما أو مظلوما، مبدعا أو سيئا. الواقعة التي كانت فاصلة في علاقتنا بالبرازيل حدثت في مونديال 1998 بفرنسا عندما تعمد فريق السامبا التخاذل أمام النرويج وينهزم ليمنع المغرب من الصعود لدور ال 16. في النهاية نحن نرتبط شعوريا بالمغرب وكان طبيعيا أن تتغير أحاسيسنا بعد هذا السلوك البرازيلي المشين.. وأكرمنا الله بفرنسا، التي نرتبط معها بميراث متجدد ودائم، باعتبارها الراعي الرسمي للعرب.. لذلك شجعنا فرنسا، وواصلنا تشجيعنا "في يورو 2000" إلي حد خروج بعض الشباب للاحتفال بانتصارها في ميدان التحرير بعد فوزها علي إيطاليا. الأرجنتين نحبها، لكنها تخذلنا كثيرا، ويفسر أحد "مهاويس" الكرة حبه للأرجنتين بأنه مستمد من حبه لمارادونا الساحر الأعظم في تاريخ الكرة العالمية. كل هذا يبدو منطقيا، لكن أحد المثقفين أبدي استياءه من تشجيعنا لفرنسا وإنجلترا، وأحيانا أسبانيا، ويفسر ذلك بقوله إن هذه الدول خاصة الأولي والثانية احتلت بلادنا وشفطت خيراتها سنوات طويلة، أما أسبانيا فهي التي طردتنا من الأندلس.. والأجدي أن نشجع ألمانيا لأنها ذات مواقف متميزة بجوار العرب، كما أن الشعب الألماني يعشق مصر. لكن الجماهير لا تفهم حسابات السياسة، لذلك صرخ أحد ركاب المترو فرحا مساء الثلاثاء الماضي في الساعة الثانية عشرة والنصف عندما سمع خبر فوز إيطاليا.. وعندما سأله راكب آخر عن السبب في فرحته المبالغ فيها، قال "الطلاينة جدعان.. وكفاية أننا ولاد بحر واحد". أما المثقفون فلم يعدموا تفسيرا لانحياز المصريين للطليان، وهو أن الشعب الإيطالي جدع لأنهم أسقطوا بيرلسكوني الذي كان معاديا للعرب، لذلك يجب أن نحب الطليان، بينما الألمان يستحقون نقمتنا لأنهم أسقطوا شرودر المتعاطف معنا، وجاءوا بأنجيلا ميركل المؤيدة للممارسات الأمريكية واليهودية علي طول الخط. إنها نفس الفجوة الشاسعة والعجيبة بين أحاسيس جماهير الشارع، وبين تصورات وأفكار وتحليلات النخبة المثقفة، ربما ننفرد بها بين شعوب العالم.