بدأت الأسبوع الماضي بمدينة برينجهام بولاية ألاباما أعمال المؤتمر ال217 للجمعية العمومية للكنيسة البريسباتينية الأمريكية (Presbyterian ChurchUSA)، يعقد المؤتمر مرة كل سنتين لمدة أسبوع كامل ويحضره 500 مندوب من جميع الكنائس البريسباتينية بالولاياتالمتحدة. ومن المتوقع أن تشهد جلسات مؤتمر هذا العام جدلا ساخنا بخصوص قرار سابق أصدرته الجمعية العمومية في لقائها الماضي دعا إلي سحب استثمارات مجمع الكنائس من الشركات العاملة بإسرائيل والأراضي المحتلة والتي تساعد بشكل أو بآخر علي ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي أو توفير أدوات العنف والتدمير له. وتسبب إصدار ذلك القرار في ظهور انقسامات داخل مجتمع الكنائس البريسباتينية نظرا لتحالف بعض عناصره مع المنظمات اليهودية الأمريكية المؤيدة لإسرائيل، فضلا عن الحملة الإعلامية الشرسة التي شنتها تلك المنظمات خلال السنتين الماضيتين بهدف إرغام الكنيسة علي التراجع عن موقفها المعادي للاستثمارات المساندة للاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية. وهذه المناظرة المرتقبة تمثل معركة ذات شأن عظيم في نطاق الصراع السياسي بين الجهات الأمريكية الداعمة لإسرائيل وأمنها، والقوي والحركات السياسية الأمريكية الرافضة للاحتلال وما تراه من استمرار لانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان وللقوانين الدولية. ولا يزال السؤال حائرا... ماذا ستكون نتيجة المباحثات الجارية بخصوص مصير قرار سحب الاستثمارات من الشركات العاملة بإسرائيل. هل ستتراجع الكنيسة عن موقفها الحالي إرضاء للعناصر الصهيونية المسيحية؟ أم ستحسم المعركة لصالح الجهات الأمريكية المعارضة للسياسة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني؟ نظرة علي حركة سحب الاستثمارات Divestment Movement لا تقتصر الجهود المحلية داخل أمريكا لإنهاء الاستثمارات الأمريكية بإسرائيل علي التجمعات الدينية المسيحية، فالسنوات الماضية شهدت ارتفاعا ملحوظا في التنظيم السياسي لجماعات المساندة للحقوق الفلسطينية. تمثلت أبرز معالم ذلك التنظيم في حركة التضامن مع فلسطين Palestine Solidarityس سMovement وتتكون من اتحاد لكل التنظيمات المختلفة المؤيدة للموقف الفلسطيني وتشمل منظمات الطلاب بالجماعات المختلفة في أنحاء الولاياتالمتحدة والمؤسسات المستقلة. أقيم أول مؤتمر علي مستوي الولاياتالمتحدة للحركة في عام 2002. ونجحت تلك الجهود في ممارسة الكثير من الضغوط التي جعلت عدة مؤسسات بارزة تعلن عن نيتها لسحب استثماراتها من الشركات العالمية المشاركة بمشاريع سلبية التأثير بإسرائيل والأراضي المحتلة. وتشتمل هذه المجموعة جامعة ويسكونسن، المجلس الدولي للكنائس World Council of Churches علاوة علي تجمع الكنائس البريسباتينية الأمريكية. وأعلنت هذه الحركة عن وجودها في عدة جامعات أمريكية من خلال تنظيم الطلاب وأعضاء هيئات التدريس، ومن هذه الجامعات جامعة جورج تاون Georgetown University، وجامعة دووكDuke، بالاضافة إلي جامعة كاليفورنيا University of California، وجامعة أوهايو، وجامعة ميشيجن، وجامعة راتجرز Rutgers وغيرها من المؤسسات التربوية المرموقة. وتسعي تلك المنظمات إقناع أعضاء جماعاتهم، بالأخص الهيئة الإدارية، بسحب أموال الجامعة المستثمرة في الشركات العاملة بإسرائيل. ومن الجدير بالذكر أن العديد من المنظمات البارزة بالمجتمع الأمريكي أعلنت تأييدها لموقف سحب الاستثمار ومنهم الحزب الأخضر Green Party، وهو أحد الأحزاب الصغيرة إلا أنه في نفس الوقت من أكبر الأحزاب المستقلة بالولاياتالمتحدة. ولا يغلب علي تشكيل هذه الحركات الجالية العربية الأمريكية، بل تضم العديد من الجنسيات والأديان المختلفة تحت شعار مكافحة التمييز العنصري والعدل الاجتماعي. ويشبه ذلك الأسلوب الطريق الذي سلكته التنظيمات المعارضة لسياسة التميز العنصري ضد نظام جنوب أفريقيا العنصري خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وقد ساعدت هذه الحملة علي وضع بعض الضغوط الخارجية اللازمة لإنهاء سياسة العنصرية بجنوب إفريقيا. الكنائس البريسباتينية بالولاياتالمتحدة مجمع الكنائس البريسباتينية بالولايات المتحدة (Presbyterian Church USA) يعتبر من بين أكبر وأهم كيانات الطائفة البريسباتينية علي المستوي القومي بالولاياتالمتحدة. وهناك بعض الهيئات المشابهة مثل كنيسة البريسباتينين في أمريكا Presbyterian Church in America وكنيسة الأرثودوكس البريسباتينية Orthodox Presbyterian Church والكنيسة الإنجيلية البريسباتينية Evangelical Presbyterian Church والكنيسة البريسباتينية المصلحة Reformed Presbyterian Church. ويتمتع مجمع الكنائس البريسباتينية بالولاياتالمتحدة (Presbyterian Church USA) أو بي سي (يو إس أيه) PC (USA) بعضوية 2.4 مليون أمريكي، ويشرف علي 11,100 كنيسة وينتمي إليه 14,000 قس. تعتبر الجمعية العمومية أعلي سلطة في هيكل صناعة القرارات وخلق الاستراتيجيات في PC (USA). الكنائس البريسباتينية والاحتلال الإسرائيلي ولعل إعلان الكنيسة البريسباتينية الأمريكية مناقشة سحب أموالها من "استثمارات الاحتلال" في القرار الذي أصدرته الجمعية العمومية في اجتماعها الأخير عام 2004 هو أهم التطورات السياسية في تاريخ المناظرات السياسية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي بالمجتمعات المسيحية الأمريكية. وعبرت لغة القرار الذي يسعي "لبدء عملية تدريجية انتقائية لسحب الاستثمار من الشركات العالمية العاملة بإسرائيل، وذلك تطبيقا لسياسة الجمعية العمومية للاستثمار الاجتماعي"، عن لغة جديدة غير مألوفة لمن لا يدعم إسرائيل، وكان القرار من أقوي التحذيرات التي وجهتها الكنيسة للدولة الإسرائيلية منذ نشأتها. وطالما نجحت قوة الحركة الصهيونية داخل المجتمعات المسيحية في استصدار قرارات مساندة لإسرائيل ولشرعية الاعتراف بغالبية سياساتها غير العادلة من وجهة النظر العربية. ولكن الأوضاع السياسية اليوم مختلفة وهناك "خطر" يهدد المنظمات المؤيدة لإسرائيل يتمثل في البعد السياسي لمناقشة سحب الاستثمارات من إسرائيل.