من يقرأ شكاوي غيورا آيلاند من عملية صنع القرار بصدد خطة فك الارتباط، تمتلئ نفسه استغرابا: أين يعيش هذا الرجل؟ آيلاند كان حتي ما قبل اسبوع رئيسا لمجلس الأمن القومي، وكان في السابق قد شغل منصب رئيس قسم التخطيط وقسم العمليات في الجيش. فهل هذه درجة اطلاعه علي الثقافة السلطوية في اسرائيل؟ تثور في النفس رغبة للقول له: صباح الخير يا سيد آيلاند. أخيرا اكتشفت أن القرارات الحاسمة تتخذ في اسرائيل احيانا بسبب وجع بطن القادة ومساعديهم الرئيسيين أو ألم رأس زوجاتهم. آيلاند قال لآري شبيط ( هآرتس ، 4/6) أن خطة فك الارتباط هي فرصة تاريخية ضائعة، وإن القرار حولها قد اتخذ من دون نقاش استراتيجي منظم. رئيس هيئة الاركان السابق، موشيه يعلون، يشاطره الرأي في ذلك. ومن يقرأ كتاب افرايم هليفي، رئيس الموساد السابق، وسلف آيلاند في رئاسة مجلس الأمن القومي، يجد أنه هو ايضا يستغرب من الطريقة التي تحول فيها مشروع بوش حول الدولتين (يونيو 2004) الذي كان في نظره انجازا سياسيا كبيرا لاسرائيل الي خريطة الطريق التي تعتبر مشكلة المشاكل (حسب رأيه). هليفي مثل آيلاند ويعلون يلقون مسئولية الفشل علي أعوان شارون من دون التطرق الي الأسماء، إلا أنهم يقصدون بقولهم هذا نشاطية دوف فايسغلاس السياسية. مع كل الاحترام لفايسغلاس، إلا أن من المثير أن نري كيف يقوم هؤلاء الاشخاص بالاعتراض علي اساليب العمل المتجذرة في قيادة الدولة منذ أجيال، والذين اكتفوا بالتعبير عن احباطاتهم بعد مغادرتهم لمناصبهم، بدلا من محاولة تغيير هذا الواقع عندما كانوا من اعضاء القيادة العليا. ومن المثير ايضا أن نشاهدهم وهم يمتطون موجة انتقادات آيلاند مُعبرين عن صدمتهم وكأنهم قد اكتشفوا امريكا. لو كان موظفو الدولة الكبار من أمثالهم قد تطرقوا علانية الي الطريقة التي اتخذت فيها قرارات حاسمة اخري في المجالين السياسي والأمني، لوجدوا أن عددا كبيرا من الاختصاصيين النزيهين من أمثالهم هذا من دون التطرق الي نتائج تلك القرارات بالتحديد قد سقطوا ضحية ثقافة الحكم السائدة في اسرائيل. في سياق ذلك كانوا سيجدون أن حرب يونيو قد أُديرت علي يد شخص واحد اسمه موشيه ديان، وهو الذي حدد نتائجها ومقاييسها. كما أنهم كانوا سيطلعون علي الاعتبارات الخاطئة التي دفعته الي ترسيم حدود القدس الموسعة. أما اتفاق اوسلو فقد طُبخ تحت أنف اسحق رابين الذي رد علي شمعون بيريس بنفس الطريقة عندما صاغ اتفاقية السلام مع الاردن. هم كانوا سيكتشفون أن القيادي الممسك بالخيوط يستطيع الوصول الي هدفه من خلف ظهر الحكومة حتي وإن قامت هذه الحكومة بصنع القرارات بطريقة صحيحة ومنظمة، كما حدث في حرب لبنان. التجربة تشير الي أن قرارات هامة تُتخذ في احيان كثيرة عندما تكون لدي القائد الأعلي رؤية محددة وقدرة قيادية وإصرار علي تطبيقها - من دون علاقة بأنظمة النقاش والتداول الرسمية. شكاوي آيلاند تستوجب التطرق الي موقفه المحدد في هذا المضمار: هو ينادي بحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الذي كان البروفيسور الجغرافي، يهوشع بن آريه، قد طرح أفكارا مشابهة له. جوهر الاقتراح: اضافة 600 كيلومتر مربع في سيناء (بين رفح والعريش) مقابل حصول مصر علي 200 كيلومتر مربع في النقب (في منطقة صحراء فارن)، ومعبرا بريا الي الاردن، والفلسطينيون يتنازلون في الضفة (لصالح الاستيطان اليهودي) عن مساحة مشابهة لتلك التي سيحصلون عليها من مصر. ضعف هذا الحل يكمن في أنه يقود الي العُرس من دون عروس. فلا الاردن ولا مصر، عبّرتا عن موافقتهما علي الفكرة. أضف الي ذلك أن آيلاند (ومعه يعلون) لا يؤمنان بقدرة اسرائيل والدولة الفلسطينية في حدود يونيو علي البقاء. هم يفترضون أن المعطيات الديمغرافية والاقتصادية والجغرافية لن تسمح للدولة الفلسطينية المنطوية في الضفة والقطاع علي البقاء، وأنه لن يكون من الممكن توفير الأمن لاسرائيل، لهذه الاسباب بالتحديد. هذه رؤية سلبية تُشكك في قدرة اسرائيل علي العيش الي جانب جيرانها، والتي تتجاهل قوة وفعالية اتفاقات السلام مع مصر والاردن