لا يعني منع عرض شفرة دافنشي بدور العرض المصرية اي شيء، كما يقول الامريكيون "نوت بيج ديل" (ليست مشكلة كبيرة ). العالم تابع الاحداث منذ الطبعة الاولي للرواية قبل اعوام لذلك فمنع عرض الفيلم خطأ من نوع ما. والعالم ايضا تابع الاحداث الخيالية للرواية الاصلية بما أحدثته من ردود افعال لا يمكن اغفالها علي مدار الثلاث سنوات الماضية. "دان براون" مؤلف شفرة دافنشي رغم نسجه قصة خيالية استطاعت جذب الملايين حول العالم، الا ان الوجه الآخر لقصته ليست مجرد نص روائي ينهيه المنع او يوقفه الحظر. لدي الانجليز تعبير "نوت بيج ديل" (المشكلة ليست كبيرة).. ويقولون ايضا "هوو كير" (من يهتم)، والتعبيران استهجان وعدم اكتراث لفعل لا يؤثر. فشفرة دافنشي لن يقتلها منع العرض في القاهرة، وهو العرض الذي يراه البعض يمكن ان يفتح المجال لنقاش تاريخي من نوع ما حول كثير من القضايا التي يتعاطي معها علم "نقد الكتاب المقدس" والذي لا يري الاوروبيون عاراً في التعاطي معه او في تعاطيه هو نفسه مع بعض القضايا التاريخية. المعني ليس التأكيد علي صحة تفاصيل "شفرة دافنشي"، انما مناصرة ما يمكن ان يطرحه منهج المؤلف (مع نقاد الكتاب المقدس الاوروبيين) في اكتشاف مزيد من حقائق التاريخ . فالرواية لا تحمل وجهة نظر مؤلفها، بقدر ما تحمل "توليفة" جمع بها "براون" عددا لا بأس به من النظريات في سياق روائي درامي من نوع خاص. "براون" يعلم ان "نقد الكتاب المقدس" لازالت نظرياته محل جدل.. وهذا صحيح، ولا يعني ان كل ما اسسه الباحثون في ذلك الجانب هو ايضا صحيح. لكن العلم الذي لم يتعد عمره 50 عاما استطاع التأسيس لاراء مختلفة (ومتضاربة احيانا) ساهمت بطرق ما في تتبع المجتمع اليهودي والمسيحي القديم. وفي الاعوام العشرين الاخيرة ساهم نقاد الكتاب المقدس في كشف وتعديل وقائع تاريخية، واسماء مدن، ومواقع حربية، ونتائج اخري كانت الي وقت قريب مبهمة.. او مبهما ما كان يتعلق بها من تفاصيل . خيال "دان براون" ليس خصبا الي هذه الدرجة، لكن اعادة نقد الكتب المقدسة (اخذ براون ماهو محل شك منها) اسست لقناعات جديدة للباحثين حول تفاصيل كانت مجهولة تتعلق بالبيئة التاريخية للديانة اليهودية. التفاصيل ليست مهمة لنا الي حد كبير، انما بالنسبة "لنقاد التوراة" كان مجرد فحص التراث الديني يعني اخضاع اي نص للبحث حتي مع قدسيته!! قبل ثلاث سنوات اثار فيلم "آلام المسيح" الجدل نفسه، وحتي الان مازال فيلم "الرسالة" للمخرج الراحل مصطفي العقاد محظورا علي التليفزيون المصري رغم تداوله شبه الدائم علي شاشات الفضائيات. المنع لم يذب نيجاتيف الفيلم، ولا المخرج الراحل قتله الحظر . والمؤسستان الدينيتان (في مصر) كونتا "جيتو" خاصا اعتقدا انه لن يشاهدهما احد من الخارج، بينما لا يكترثان بان يطلعا هم علي من بالخارج. هذا لا يهم.. المهم ان الرقابة كثيرا ما تدخل الجيتو نفسه وبارادتها من ان لاخر. القضية هي حظر "نقد التراث الديني"، او حتي الاشارة اليه . فقط الطواف حوله من بعيد. والمؤسسة الدينية القبطية ليست وحدها، فالمؤسسات الدينية الاسلامية حول العالم لها اكثر من مبرر للمنع، مع ان بالتراث الاسلامي الكثير من المسائل التي يعتبرها "المشايخ" نوعا من الشفرة هي الاخري. "شفرة دافنشي" تباع علي ارصفة القاهرة.. صحيح السينما اقوي وقعا واوسع انتشارا، لكن سياسة المنع ضيقة. وإذا كان المنع من منطلق درء المفاسد، فانه ورغم مرور اكثر من 50 عاما علي ظهور "ميكي ماوس" علي شاشات السينما، الا ان احدا لم يعتقد حتي الان في واقعية شخصياته او في وجود "الفأر العجيب" فعلا!!