قادتني الأقدار إلي حلقة نقاشية حول مستقبل العالم العربي، وعلي غير العادة لم يكن المطلوب من المشاركين التنبؤ حول حالة العالم العربي في نهاية القرن الواحد والعشرين، وإنما كان السؤال هو ما هي المخاطر والفرص خلال الستة شهور القادمة، وبعد أخذ وعطاء ونقاش حول النقاش نزل التساؤل أكثر إلي عما إذا كانت هناك أخبار سعيدة في الحي العربي وما حوله خلال المدي القصير الممتد حتي نهاية العام مثلا. وبالطبع كان هناك الذي تملص من السؤال كله، فكل الأمور معتمدة علي بعضها البعض، كما أن المسألة الإنسانية فيها متغيرات كثيرة لا يعرف أحد كيف تتفاعل مع متغيرات عالمية وإقليمية أخري، وقبل وبعد كل شيء فمن الذي يقرر أن أمرا سعيدا أو أنه من قبيل الغم الأزلي. ولكن بعد فترة من المراوحة، ما لبث الجمع أن توصل إلي عدد من التنبؤات السعيدة أو الأليمة أو كلاهما معا بعد أن اشتبك كلاهما في حالة جدلية ديالكتيكية لا تنفصم. وربما كان من أهم الأخبار المتوقعة هي تلك الأخبار التي لن تحدث علي الإطلاق، فقد اتفق الجمع علي أنه لن يحدث غزو عسكري أمريكي لإيران في القريب العاجل، وبالتأكيد خلال الشهور الستة المقبلة. ومن المؤكد أن سعر برميل البترول لن يصل إلي مائة دولار للبرميل، ولا يوجد ما يشير إلي أن دولة عربية سوق تتحول إلي النظام الديموقراطي الكامل قبل حفلات عيد الميلاد ورأس السنة، كما أن الحالة الصحية للقادة العرب تقول أننا سوف يكون معنا نفس المجموعة خلال الشهور الستة المقبلة، ومن المرجح تماما ألا يتم القبض علي السيد أسامة بن لادن، ومعني ذلك أن قيادته لتنظيم القاعدة سوف تبقي علي حالها مهما كان تطلع آخرين للفوز بالإمارة التي ليس لها حدود جغرافية. مثل هذه الأحداث التي اتفق علي أنها لن تحدث علي الأقل في المستقبل القريب لا يخفي أن الأخبار التعيسة من العراق سوف تستمر، فرغم أن كثيرين اعتبروا أن تشكيل الحكومة العراقية يعد حدثا هاما، ولكن الجانب الآخر من الصورة هو أن تشكيل الحكومة في العراق لا يغير من الأمر شيئا. فوسط الخلافات العراقية التي لا تنتهي، والدستور العراقي المعني بالتوازنات العرقية والمذهبية بأكثر من عنايته بكفاءة الدولة، والحالة الإرهابية التي لا يهمها عما إذا كانت الحكومة موجودة أو غير موجودة، فإن استكمال الحكومة بوزراء "محايدين" في الدفاع والداخلية لن يضيف أو ينقص من حالة تعيسة مستمرة من الشهور الست السابقة إلي الشهور الست المقبلة. وإذا كان من غير المتصور أن تسفر الأزمة الإيرانية _ الأمريكية عن مواجهة مسلحة الآن، فإن المحتمل أن يصل الطرفان إلي تسوية تقوم علي تأجيل إيران لعمليات تخصيب اليورانيوم لعدد من السنوات يمكن خلالها للرئيس الإيراني أن يستبدل التخصيب بكثير من الإهانات اللفظية للولايات المتحدة. والحقيقة أن القصة العراقية ليست مختلفة إلا في تفاصيلها في السودان التي خاضت أكثر من حرب أهلية في الجنوب والغرب حتي وصلت إلي اتفاقيات للسلام، ومع ذلك فإن الستة شهور المقبلة لن تكون أفضل حالا. فالمسألة في البلاد هي أن الضغوط والإغراءات الأجنبية هي التي دفعت الجميع لوقف العنف، وحالما يرفع العالم يده لانشغاله بأمور وكوارث أخري، أو ينضب معين من بيدهم الإغراءات أو لأنهم ما تصوروا أبدا أن هناك حاجة مستمرة لرشوة فرقاء من أجل وقف قتل بعضهم بعضا، فإن فترة اختبار السلام سوف تنتهي بحالات انفصالية دامية. ولكن ذلك ربما يحتاج لأكثر من فترة الستة شهور التي لن تكون أكثر من فترة للاختبار والاستعداد لما سيأتي من أحاث جسام. وكما هي العادة فإن حالة فلسطين من الحالات التي لا يصلح معها معيار الستة شهور، فهي تسير من سيء إلي أسوأ في فترة أقل من ذلك بكثير، والجديد هذه المرة أن منظمة حماس الإسلامية والحاصلة علي غالبية المقاعد في المجلس التشريعي ربما سوف تتصادم مع منظمة فتح التي حصل رئيسها علي غالبية الأصوات الفلسطينية. والحقيقة كان الشعب الفلسطيني عادلا بين الطرفين، فقد صوت لرئيس فتح لأنه انتقد عسكرة الانتفاضة، وصوت لحماس من أجل استمرار المقاومة، وصوت لمحمود عباس لأنه يريد التفاوض مع إسرائيل بنفس القوة التي صوت بها لإسماعيل هنية لأنه لا يريد الاعتراف بإسرائيل أصلا. ولذلك فإن المتوقع خلال الشهور الستة المقبلة لن يكون سارا علي الإطلاق، فمن المرجح تماما أن ما قال به الأصدقاء في فلسطين أن الدم الفلسطيني حرام علي الفلسطينيين من الممكن أن يكون نوعا من المبالغة التي قال بها العراقيين من قبل، وطالما أن " المصارين " تتخانق فيما بينها فإن حربا فلسطينية كبيرة أو صغيرة ربما تكون واحدة من التوقعات التي لا ينبغي استبعادها مهما كانت تعيسة. ولكن الخناقة الفلسطين ية ربما لن تكون شرا كلها، فهي ستكون المبرر الأساسي لانسحاب إسرائيلي أحادي الجانب وكل انسحاب إسرائيلي مهما كانت مبرراته هو من الأخبار السعيدة خاصة أنه لن يجبر الفلسطينيين علي تقديم مقابل من أي نوع. صحيح أن القضية الفلسطينية سوف يتأجل الفصل فيها لكثير من الشهور والسنوات بعد ذلك، ولكن ذلك هو الحادث فعلا الآن ومن قبل حيث تمضي السنون دون تقدم في القضية المركزية. ومن الأخبار السعيدة أنه رغم أن برميل البترول لن يصل إلي 100 دولار كما قلنا، إلا أن أسعار النفط سوف تبقي علي ارتفاعها الحالي، وربما ترتفع بقدر آخر، ومعني ذلك أن تراكما جديدا في الثروة العربية سوف يحدث سواء في البلاد العربية النفطية أو غير النفطية، ومع هذا التراكم فإن الشهور الست المقبلة علي الأقل سوف تشهد فتح أبواب الاستثمار. وفي المملكة العربية السعودية تم تخصيص 33 مليار دولار للتعليم، وفي دول عربية أخري سوف يحدث ذلك بدرجة أو بأخري في مجالات التعليم والصحة. صحيح أن هذه الثروة ربما تكون داعيا لتأجيل الإصلاح في أكثر من بلد عربي، ولكن الواضح حتي الآن أنه لا توجد ردة، وخلال فترة قصيرة سوف تصوت النساء في الكويت ويشاركون في الترشيح لمجلس الأمة. وعلي أية حال فإن المصابين بخيبة أمل بسبب ما جري للإصلاح خلال الشهور الستة الأولي من عام 2006 فربما يعزيهم أن حديث الإصلاح قد بات مفتوحا ولا يمكن غلقه مع اتساع الإعلام العربي المسموع والمشاهد والمقروء والذي يتوقع امتداده بقوة خلال المرحلة المقبلة. فهل تريد عزيزي القارئ مزيدا من الأخبار السعيدة أم أن فيما سلف ما يكفي وزيادة ؟!.