لم تكتف إيران بالرفض المسبق لفرض الاتحاد الأوروبي إجراءات تحفيزية في حال موافقتها علي وقف تخصيب اليورانيوم، وعقوبات في حال رفضها، بل سخرت طهران من العرف الأوروبي علي لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد وعلي صفحات صحفها متمسكة بحقوقها الشرعية في امتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية مما يدفع بالأزمة النووية الإيرانية نحو مزيد من التعقيد وينذر بعواقب أشد خطورة. ويري خبراء ومحللون أنه من دون وجود أي تطور في اتجاه تسوية سلمية لهذه الأزمة المتفجرة، فإن استمرار إيران في أنشطة تخصيب اليورانيوم واستمرار تبنيها لموقف متشدد وعدم تراجعها عن طموحاتها النووية، سوف يمهد الطريق أمام تشكيل تحالف ضدها في مجلس الأمن الدولي وإمكانية اللجوء إلي الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة وفق ما تلوح به الولاياتالمتحدة وفرنسا، بما يعنيه ذلك من اعتبار الأنشطة النووية الإيرانية تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وعلي الرغم من صعوبة اللجوء لخيارات عسكرية لأسباب واعتبارات متعددة، إلا أن واشنطن لازالت تلوح بهذا الخيار إلي جانب العقوبات الاقتصادية، وبالنسبة لطهران فإن كلا الخيارين أحلاهما مر. فقد سخرت الصحف المحافظة الايرانية من العرض الذي يعتزم الاتحاد الاوروبي تقديمه لايران لاقناعها بتعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم. وعنونت صحيفة كيهان "تدابير تحفيزية بلا قيمة وتهديدات متكررة" فيما رأت صحيفة جمهوري اسلامي ان العرض الاوروبي "اضر مجددا بالاجواء" المعارضة للبرنامج النووي الايراني. وكتبت صحيفة "رسالات" ان "علي أمريكا واوروبا ان تدركا ان ايران لن تقايض ذهبها بالحلوي"، مرددة بذلك عبارة للرئيس محمود احمدي نجاد. وكان احمدي نجاد قد سخر من العرض الاوروبي مشبها اياه ب"الحلوي" التي ستقدم لايران مقابل "ذهبها". اما الصحف الاصلاحية، فلزمت الحياد في تناولها العرض الاوروبي حيث اكتفت بعرض مضمونه بدون الحكم عليه. وكان وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي قد أعلن ان وقف تخصيب اليورانيوم يشكل مساسا بحقوق ايران الشرعية، وذلك في اول موقف حيال المبادرة الاوروبية لتسوية الازمة النووية الايرانية. وقال متقي للصحفيين في الكويت ردا علي سؤال حول مدي استعداد ايران لوقف تخصيب اليورانيوم خلال عملية التفاوض حول عرض الاتحاد الاوروبي، ان "وقف الانشطة النووية يناقض حقوقنا الشرعية". واضاف اثر محادثات مع نظيره الكويتي الشيخ محمد الصباح ان وقف التخصيب "لا يندرج في اطار معاهدة حظر الانتشار النووي". ويدعو العرض الاوروبي الذي اعدته بريطانيا وفرنسا والمانيا طهران الي "تعاون كامل" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وخصوصا "وقف اي نشاط يتصل بالتخصيب والمعالجة وعدم القيام به خلال المفاوضات". ويقترح الاتحاد الاوروبي سلسلة من الضمانات التجارية والتقنية والامنية في حال موافقة ايران. ويتضمن العرض، دعم الاتحاد الاوروبي "لبناء مفاعلات جديدة تعمل بالمياه الخفيفة" ووقف اي "مناقشة للموضوع الايراني في مجلس الامن". وطالب وزير الخارجية متقي بأن يوقف مجلس الامن مناقشة الملف النووي الايراني "لاننا نعتقد انه تم تسييس القضية عبر احالتها علي هذا المجلس". واضاف "نقوم بالتزاماتنا كاملة حيال معاهدة الحظر النووي ولا نطلب سوي ان يتم الاقرار بحقوقنا الشرعية في هذه المعاهدة". وقال متقي الذي قام بزيارة سريعة للكويت مؤخراً استغرقت بضع ساعات، انه ابلغ المسئولين الكويتيين وفي مقدمتهم الأمير الشيخ صباح الاحمد الصباح "بنتائج المفاوضات مع اوروبا وروسيا والصين". واكد ان طهران تتخذ "تدابير لتبديد مخاوف بعض الدول حيال البرنامج النووي الايراني". كما أعلن المتحدث باسم الخارجية الايرانية حميد رضا آصفي ان بلاده لن توقف نشاطات تخصيب اليورانيوم بالرغم من العرض الذي اعده الاتحاد الاوروبي بهذا الصدد. وعلق المتحدث علي العرض الذي لا يزال موضع بحث ويتضمن اجراءات تحفيزية وتهديدات بفرض عقوبات، فاعتبر انه من الافضل "عدم التكهن (بمضمونه) والانتظار" حتي يتم الاطلاع عليه رسميا. لكنه قال خلال مؤتمره الصحفي الاسبوعي "لن نتراجع عن النقطة التي وصلنا اليها ولن نوقف تخصيب" اليورانيوم. وتابع آصفي "ان عملنا يقوم علي اساس هو وجوب الاعتراف بحقوق الجمهورية الاسلامية الايرانية في اي خطة كانت"، مؤكدا "لا يمكننا التراجع" حول هذه المسألة. وعلي الجانب الآخر في واشنطن ذكرت صحيفة "لوس انجليس تايمز" ان الولاياتالمتحدة بدأت تطوير استراتيجية احتواء لايران مع جاراتها في الخليج تهدف الي نشر انظمة صواريخ دفاعية في المنطقة ومنع السفن التي يشتبه بانها تنقل تكنولوجيا نووية. وقالت الصحيفة السبت ان هذه الجهود تعكس خطط الادارة الامريكية لليوم الذي تصبح فيه ايران دولة نووية واكثر عدوانية، وهو ما يخشاه المسئولون الامريكيون، في منطقة تؤمن صادرات حيوية للنفط الي العالم. وقال مساعد وزيرة الخارجية لمراقبة الاسلحة والامن الدولي روبرت جوزف في مقابلة للصحيفة ان "ايران تشكل تهديدا من دون امتلاكها للاسلحة النووية". واضاف ان "حصولها علي اسلحة نووية قد يجعلها اكثر جرأة لجهة تحقيق خططها العدوانية". وتابعت الصحيفة ان مسئولا في وزارة الخارجية الأمريكية قال ان الدول الخليجية "بمجملها كانت منفتحة جدا علي هذه الرسالة". وقد نقل جوزف هذا العرض خلال جولة زار خلالها الشهر الماضي الدول الخليجية الست السعودية الكويت والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وسلطنة عمان. وقام مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون العسكرية والسياسية جوزف هيلن بجولة مماثلة علي رأس وفد رفيع المستوي، لمناقشات أوسع. وقال هيلين في مقابلة أن هذه المبادرة "هي المرة الأولي منذ فترة" التي يتشارك فيها الولاياتالمتحدة فعلياً في إعادة رسم نظام الأمن الإقليمي. وتابعت الصحيفة نقلاً عن المسئول نفسه إن هذه الجهود "قد تشكل ضغطاً علي إيران لتتصرف بمسئولية". وأكدت الصحيفة أن المسئولين الأمريكيين يريدون تحسين قدرات دول الخليج علي "مراقبة الشحنات في عرض البحر والسلع التي يتم نقلها عبر موانيء الخليج". واضافت ان هؤلاء المسئولين يريدون تحسين قدرات هذه الدول علي كشف شركات قد تكون "واجهة" لايران ورصد ووقف صفقات تمويل شراء ايران مواد لبرامجها للاسلحة غير التقليدية. وقالت إن إدارة بوش مهتمة باستخدام اوسع للوسائل الدفاعية المتطورة من طائرات وصواريخ. وأضافت "لوس انجلوس تايمز" ان السعودية والكويت تمتلكان بطاريات صواريخ باتريوت لكن المسئولين الأمريكيين يرون ان دولا اخري تحتاج اليها ايضا خصوصا في ضوء تقدم البرنامج الايراني للصواريخ البالستية. وحتي الآن لم يتغير موقف الرئيس الأمريكي بوش المتشدد: لا مباحثات مباشرة. حسم الامر. فواشنطن ما زالت توكل الدبلوماسية مع ايران الي بريطانيا وفرنسا والمانيا. ولكن مع استمرار المأزق الدبلوماسي، ومع تعبير مسئولي البنتاجون عن شكوكهم حيال الخيارات العسكرية المستقبلية، فان موقف الادارة الحازم قد يتزحزح. فقد اشار كبير المفاوضين الأمريكيين، مساعد وزير الخارجية نيكولاس بيرنز، لزملاء له بأنه ينتظر اساسا اللحظة المناسبة عندما يكون النفوذ الأمريكي وفرص نجاحه في حالتهما القصوي. صحيح ان اعداد وتحديث قوائم الاهداف العسكرية في الحرب ضد ايران مستمران، لكن حسب مسئولين طلبا عدم ذكر اسميهما لانهما غير مخولين بالحديث مع الصحافة، فان كبار ضباط البنتاجون قالوا لبوش ان الجيش متشائم حيال فعالية الضربات الجوية ضد المواقع الايرانية. وحتي وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يبدو متخوفا. ففي الاسبوع الماضي، سئل ان كانت المعلومات الاستخباراتية الخاطئة حول العراق تجعله يشك في معلوماته حول البرنامج النووي الايراني، فأجاب: "بالتأكيد". كذلك استدعي رامسفيلد السيناتور جورج وارنر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ وطلب منه تجنب جلسات الاستماع التي ترفع من شأن الخيارات العسكرية. ويقول ضباط في الجيش الأمريكي انهم يخشون ان يكون البرنامج النووي الايراني قد ازداد انتشاراً بالفعل لدرجة ان اي ضربات عسكرية قد لا تؤدي الا الي تعطيله جزئياً. وكذلك يمكن لايران ان ترد في عدد من المناطق. منها العراق وافغانستان والخليج وجنوب لبنان "ضد اسرائيل" ومن خلال عمليات ارهابية في الغرب. ويقول منتقدون مثل فلينت ليفيريت، وهو مسئول سابق في ادارة بوش، ان اطالة امد حالة الجمود الدبلوماسي تعني ان طهران ستقترب في النهاية اكثر من صنع القنبلة النووية. ويقول ان بوش رفض مبادرة قدمتها طهران عام 2003، عبر سويسرا، لبدء محادثات مباشرة، ويضيف ليفيريت: "لو تابعنا هذا قبل ثلاث سنوات واستطعنا تحقيق صفقة، فانه ما كان للايرانيين الان ان يمتلكوا 164 جهاز طرد مركزي. والان لو عقدنا صفقة معهم فانه من الارجح انه سيتعين علينا القبول باجهزة الطرد المركزي وبعض نشاطات التخصيب المحدودة. ولو انتظرنا ثلاث سنوات من الان. فمن يدري الي اين ستصل الحال؟". ربما كان الحديث مع الايرانيين هو الجواب. وأفادت صحيفة "طهران تايمز" ان احد ابرز النواب المحافظين في ايران اقترح اجراء مناقشات مع نظرائه الأمريكيين بشان البرنامج النووي الايراني المثير للجدل. واعلن كاظم جلالي الناطق باسم لجنة الامن القومي والشئون الخارجية في مجلس الشوري للصحيفة الايرانية التي تصدر باللغة الانجليزية "يجب فتح مجال نتمكن فيه من التحدث للراي العام الأمريكي ومفكريه وحتي مشرعيه". واكد ان "مفاوضات بين دولتين عدوتين يمكن ان تشكل خطوة ايجابية" في اشارة الي احتمال عقد اجتماع مع نواب أمريكيين وصينيين واوروبيين وروس حول الملف النووي. يشار الي ان العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين الولاياتالمتحدةوايران منذ 1980. ووجه الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في الثامن من مايو رسالة الي نظيره الأمريكي جورج بوش في اول اتصال مباشر بين البلدين علي هذا المستوي لكن البيت الابيض استبعد تماما ان يرد الرئيس علي هذه الرسالة. ودعا امين عام الاممالمتحدة كوفي انان الولاياتالمتحدة الي التواصل مباشرة مع ايران لتسوية الازمة حول الملف النووي لكن واشنطن رفضت.