يتناول المؤلفان في هذا الكتاب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من حيث أداؤها ودورها الوظيفي المستديم في تأمين بقاء واستمرار الدولة العبرية وتحقيق أهدافها التوسعية علي حساب محيطها من الأرض العربية والأسس التي تقوم عليها الرؤية الإستراتيجية الصهيونية فيما يتعلق بالأمن، والمتغيرات التي طرأت علي هذه الرؤية في العقدين الأخيرين في ضوء سقوط مبدأ تأمين الحدود باعتباره الوسيلة الفاعلة لحماية أمن الدولة وذلك بعد قيام العراق بضرب إسرائيل بالصواريخ البالستية خلال حرب الخليج عام 1991. أما الملف الأكثر أهمية بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية فهو الملف النووي، حيث تعتبر إسرائيل السلاح النووي، خيار الردع الأول، ولهذا فإنها تواصل توسيع ترسانتها النووية ضاربة بعرض الحائط كافة المطالبات الدولية بأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، لكي يتسني تحقيق السلام في المنطقة. أسس الاستراتيجية العسكرية تعتبر الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الأداة الحقيقية والترجمة الفعلية لنظرية الأمن والحدود الإسرائيلية الآمنة، وتستند هذه الاستراتيجية إلي تفوق تقني هائل واستقلالية. ولعل من الأهمية بمكان استعراض أهم وأبرز المبادئ والمذاهب والخيارات القتالية الاستراتيجية والتي تشكل بطبيعة الحال خلاصة الفكر الاستراتيجي الصهيوني، ومن أهمها: أولاً: مبدأ الحرب الخاطفة، الذي تبوأ مكانة كبري في أذهان القادة الإسرائيليين ومجالات أعمالهم، وتصرفاتهم العسكرية في المنطقة العربية. ثانياً: مذهب الحرب الوقائية (الاستباقية) ويعد من أقوي مذاهب العقيدة القتالية الإسرائيلية وأشدها أهمية في تأريخ الحروب العربية الإسرائيلية. ثالثاً: مبدأ نقل المعركة إلي داخل الأراضي العربية، هذا المبدأ يتبوأ مركز الصدارة بالنسبة لما عداه من المبادئ القتالية الإسرائيلية الأخري، ومرد ذلك هو افتقار إسرائيل إلي العمق الاستراتيجي، وعدم القدرة علي تحمل الضربة الأولي فضلاً عن ضرورة الحسم العسكري السريع تفادياً لخسائر بشرية. رابعاً: ومن المبادئ القتالية الإسرائيلية، مبدأ التقرب غير المباشر، ويشكل رافداً حيوياً من روافد العقيدة العسكرية الإسرائيلية بوجه عام، ويعتمد هذا المبدأ علي الاختراق والتطويق والالتفاف وعدم مواجهة العدو وجهاً لوجه. خامساً: مذهب الخداع والتضليل في الحرب ويعد من صميم المذاهب العسكرية الإسرائيلية، وتم تنفيذه بدقة في حرب يونيو عام 1967علي الجبهتين المصرية والسورية. سادساً: مبدأ مواجهة الجيوش العربية كل علي حدة، وينطلق هذا المبدأ من وحي الضرورات العسكرية المتمثلة في عدم استطاعة الجيش الإسرائيلي مواجهة الجيوش العربية في أكثر من موقع وفي آن واحد، نتيجة للتفوق العسكري من حيث العدد والعتاد علي إسرائيل. سابعاً: خيار الردع النووي، حيث يمثل هذا الخيار مكانة متميزة لدي إسرائيل، ويستند تبني المعادلة الحذرة التي تدعي إسرائيل بموجبها علناً أنها لا تملك السلاح النووي وليس في نيتها امتلاكه في المستقبل، بينما تسعي في ذات الوقت إلي اتهام الدول العربية وإيران بطرق غير مباشرة بأن لديها عشرات القنابل النووية الجاهزة للاستخدام الفعلي. ثامناً: ومن الخيارات المهمة التي تعتمد عليها إسرائيل في استراتيجيتها، خيار الاعتماد علي حليف دولي كبير وقوي. الخيار النووي يعود تطوير القدرة النووية الإسرائيلية إلي اعتبارين أساسيين في التصور الإسرائيلي: الأول، أن ميزان القوي العسكرية، ولاسيما العنصر البشري منه، سيكون في مصلحة العرب بمرور الوقت، ووفقاً لتطورهم العلمي والتقني. والثاني، أنه طبقاً للتجربة التاريخية لا يمكن الاعتماد علي الضمانات الدولية للمحافظة علي الكيان الصهيوني. ومن الناحية العلمية، يجمع الباحثون في مجال الطاقة بأن إسرائيل تمتلك حالياً سبعة مفاعلات نووية، أهمها مفاعل ديمونة الذي أسس له أول رئيس وزراء إسرائيلي ديفيد بن جوريون في العام 1957، في منطقة صحراء النقب بالاتفاق مع فرنسا. سياسة الغموض إن السلاح النووي وسياسة الغموض الإسرائيلي بهذا الخصوص يشكلان مصدر قلق لجميع الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط وعلي محيط دائرة واسعة تصل إلي باكستان شرقاً وشمال أفريقيا غرباً. ما يعني صعوبة التوصل إلي سلام شامل مع بقاء الترسانة النووية الإسرائيلية. من جانب آخر، فإن الدولة العبرية مازالت إلي الآن ترفض الانضمام إلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الهيئة الدولية المعنية بالإشراف علي المفاعلات النووية ومراقبتها، وبالتالي فان منشآتها النووية غير خاضعة للتفتيش الدولي