بعد كل الذي جري في "منتجع" دهب السياحي منذ أيام قليلة مضت، والذي تكرر حدوثه من قبل في "منتجع" طابا السياحي مساء السادس من أكتوبر 2004، وكذلك في "منتجع" شرم الشيخ السياحي فجر يوم 23 يوليو 2005، كان من الضروري علي الجميع ان يفتشوا عن اجابات شافية لأسئلة حائرة، تدور كلها حول محاولة فهم أسباب ودوافع تكرار تلك الحوادث الدامية المفجعة، والتي كانت محافظة جنوبسيناء وحدها هي المسرح المشترك دائما لأحداثها المأساوية. وإذا جاز لي أن أصنف الكتابات والمقالات والتحليلات التي اهتمت بهذا الموضوع الشائك، فإنه يمكنني ترتيبها تحت عنوانين رئيسيين، اهتم الأول منهما بالجانب أو الشق الأمني، في حين ركز الثاني علي المعالجة السياسية للموضوع، وعلي الرغم من قناعتي بأهمية العنوانين السابقين، إلا أنني أتصور ان لكل الذي حدث رغم بشاعته وفداحته أصولا اجتماعية واقتصادية يمكننا إذا رصدناها وفهمناها، أن نوظفها للتوصل إلي الاجابات الشافية للأسئلة المطروحة علي الساحة المصرية حاليا، وبالطبع فإنني لا ادعي هنا قدرتي علي الإحاطة بكل الجذور المتعلقة بالمسألة، فهذه يمكن أن تكون مهمة فريق بحث متكامل ومتعدد التخصصات، ولكن ما سوف أركز عليه في محاولتي واجتهادي المتواضع بهذا الخصوص، فإنه يمكن أن يطال ثلاثة أمور، أعتقد في أهمية الحديث عنها وتسليط الضوء حولها.. أولا: السياحة في مجتمع قبلي إذا أمعنا النظر في بعض تصريحات السيد اللواء محافظ جنوبسيناء، والمنشورة في "نهضة مصر" بتاريخ 26/4، والتي تتعلق أساساً بالعنوان السابق مباشرة، فإننا سنجد أن سيادته قد أقر بعدم وجود أي خلايا أو بؤر إرهابية في منطقة سيناء، لأننا لمسنا من خلال تعاملاتنا معهم (يقصد أهل سيناء طبعا) أن لديهم الوعي الكافي والكامل بالنسبة لكل شيء... كما أنهم يدركون تماما أنهم أصبحوا أصحاب مصالح ومقتنعين وعن يقين بأن مصدر دخلهم يمكن أن يكون من السياحة والنشاطات المرتبطة بها. من ذلك يتضح ان مفهوم المخالفة لما ذكره السيد المحافظ، إنما يشير إلي تحفظ أو عدم اقتناع لا أقول كل ولكن أقول غالبية أهالي سيناء بقضية السياحة كنشاط اقتصادي رئيسي يمكن أن يدر عليهم دخولا قد لا يرغبون فيها أو يطمئنون لها!! قد يصدم البعض استنتاجي السابق، لذلك فإنني اذكر هؤلاء المصدومين بطبيعة سكان سيناء الأصليين والأصول الاجتماعية للمجتمع البدوي هناك، فبعضهم ينتمي إلي سلالة المصريين القدماء، أما غالبيتهم العظمي فهم قبائل عربية بدوية نزحت من شبه الجزيرة العربية من نجد والحجاز بعد الفتح الإسلامي، وعاشوا في قبائل عديدة، اشتهرت منذ القدم بالشجاعة والكرم والنجدة والأخذ بالثأر والافتخار بالنسب وعزة النفس وحب المساواة حيث كان ولا يزال لكل قبيلة سمة خاصة بها، ومنطقة محددة لنفوذها، وتعتبر "روح القبيلة" من اهم أشكال التراث الحضاري والثقافي لها، حيث يبدو عنصر التماسك والاتحاد واضحا بين اسر القبيلة الواحدة، كما يخضع أبناء القبيلة مطلقا لشيخ القبيلة ومعاونيه، أما فيما يتعلق بنشاطهم الاقتصادي والذي فرضته عليهم الطبيعة الصحراوية لمجتمعهم فإنه يمتد بشكل أساسي إلي الزراعة ورعي الابل والأغنام وممارسة صيد الحيوانات والطيور البرية، بالإضافة إلي نشاطهم المحدود في مجال صيد الأسماك، وبعض الصناعات البدوية البسيطة (محمد عبدالقادر، محافظة جنوبسيناء سلسلة المحافظات المصرية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام 2005). من ذلك يتضح أننا إزاء حالة خاصة لمجتمع خاص يختلف كلية عن مجتمع وادي النيل، حيث القبيلة هي معين الحدث وميقاته، ربما كان الخطأ الأساسي الذي وقعنا فيه بالنظر إلي خصوصية المجتمع القبلي في سيناء أننا أقحمنا فجأة وبدون أي تمهيد حياة المنتجعات السياحية وثقافتها ومرافقاتها علي نسق التنظيم الاجتماعي القبلي في سيناء، ودون أخذ رأي أو مشاركة السكان الأصليين من بدو قبائل سيناء في صياغة القرارات والتوجهات الوافدة عليهم من الوادي، فمنذ عودة سيناء إلي الوطن الأم في 25/ أبريل 1982، ونحن لا نكل ولا نمل من ترديد ووصف سيناء بأنها "البقرة السياحية الحلوب" لنا، فإننا نتفق تماما مع ما ذكره د. عمرو الشوبكي في مقاله بالأهرام بتاريخ 27/4 والذي أكد فيه علي أهمية أن ننظر إلي بدو سيناء باعتبارهم جزءا من الشعب المصري، كما أنه ليس من المنطقي اختزال سيناء وأهلها في المنتجعات السياحية المنتشرة علي طول الشاطئ الشرقي لخليج العقبة. ثانيا : غياب مفهوم المشاركة في التنويه في سياق حديثنا عن سيناء وما يجري فيها، قد يكون من المفيد أن نسترجع الفهم المعاصر للمشاركة الشعبية باعتبارها عقيدة التنمية الحديثة، فالمشاركة تعني أنها وسيلة تقريب الأفراد من العمليات والخطوات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي توثر مباشرة علي حياتهم، وتجعلهم يضطلعون بدورهم ومسئولياتهم تجاه المشاركة في التنمية، والمهم هم تمكين السكان من الوصول الي صنع القرار، فالبعد الأساسي في نموذج التنمية بالمشاركة يعتمد علي الشراكة ما بين السكان والحكومة في التنمية، كما أن المشاركة تعتبر هدفا للتنمية البشرية ووسيلة كذلك لتحقيقها. وإذا كانت المشاركة تمثل الآن خيارا استراتيجيا ومطلبا ضروريا في سياق التطورات والتحديات العالمية، فقد بات من الضروري إيجاد البيئة المواتية للمشاركة وتوسيع الخيارات أمام كل فئات المجتمع خاصة الفقراء والمهمشين منهم، في صناعة القرارات المجتمعية، فتحقيق هذا الهدف يتطلب في الواقع تحقيق التنمية الاجتماعية ايضا (تقرير التنمية البشرية مصر 2003). وفي إطار ذلك دعونا نتساءل بصراحة وموضوعية عن طبيعة علاقة الغالبية العظمي من أهل سيناء بكل الذي يدور ويجري في تلك المنتجعات السياحية؟ واقع الحال يؤكد علي التفاوت المذهل والفجوة الضخمة بين أحوال وظروف معيشة الأغلبية من سكان الصحراء (البدو) والآخرين (القلة) أو المرتبطين بحياة المناطق السياحية في سيناء، حيث احتلت مدينة "شرم الشيخ" المركز الاول علي مستوي الجمهورية بالنسبة لدليل التنمية البشرية بقيمة بلغت حوالي (833.0) كما جاءت مدينة "دهب" في المركز الرابع علي مستوي الجمهورية ايضا، وقد بلغ متوسط نصيب الفرد في شرم الشيخ حوالي 21 الف جنيه من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي، كما بلغ ذلك المتوسط حوالي 19 الف جنيه في مدينة دهب، في نفس الوقت الذي جاء فيه قسم "شرم الشيخ" في المركز العاشر بالنسبة لقيمة دليل التنمية البشرية علي مستوي الجمهورية، بينما جاء قسم دهب في المركز (117) علي مستوي الجمهورية ومن الطبيعي أن يشير ذلك التفاوت الكبير في قيمة دليل التنمية البشرية بين مدن واقسام المحافظة، ومن ثم ترتيب المركزين السابقين إلي مختلف الجوانب السلبية التي تتعلق بظروف وحياة الناس فيهما وتزداد حدة ووطاة الظروف المعيشية الصعبة بالنسبة لبقية سكان سيناء في المراكز والمدن الأخري فقد جاءت مدينة أبو زنيمة مثلا في المركز 110 كما احتلت مدينة رأس سدر المركز 204 أما مدينة سانت كاترين فقد كانت الأسوأ حالا حيث جاءت في المركز 230 علي مستوي مدن ومراكز الجمهورية. إذا فإن الذي يجني ثمار السياحة في سيناء هم المشتغلون والمرتبطون بالمنتجعات السياحية وحدهم وإذا اعتبرنا ان اغلبهم ان لم يكن كلهم هم المهاجرون في الاصل من أبناء الوادي سواء أصحاب المشروعات أو العاملين فيها فإننا نستطيع القول بان السكان الاصليين لسيناء من قبائل البدو - وهم كثر - انما يفترشون الرمال ويلتحفون بالسماء ولا علاقة لمعظمهم بما يدور في المنتجعات السياحية في الحقيقة من قريب أو بعيد. ثالثا: التنمية الشاملة لسيناء كثر الحديث عن مشروعات تنمية وتطوير وتعمير سيناء، إلا أن أهم ما يمكننا رصده في هذا المجال هو تركز الاستثمارات الحكومية والخاصة في المشروعات السياحية دون غيرها من مشروعات استغلال الثروات الطبيعية الزراعية والصناعية والتعدينية الأخري، فإذا كان قطاع التنمية السياحية "وهو القطاع الأقل قبولا للسكان" قد شهد بالفعل طفرة هائلة وتطورا مشاهدا في مدن خليج العقبة، إلا ان هناك العديد من الاعتبارات الامنية والاقتصادية والاجتماعية التي تستوجب إحداث قدر من التوازن في التوزيع القطاعي للاستثمارات الحكومية والخاصة في سيناء بشكل عادل ومقبول. فليس من المعقول ذلك الترف الذي نشاهده ونقرأ عنه الآن في منتجعات سيناء السياحية في نفس الوقت الذي يعاني فيه السواد الاعظم هناك من الاحتياج الشديد لخدمات البيئة الأساسية "مياه الشرب والصرف الصحي والطرق والكهرباء" مع عدم وجود مشروعات انتاجية كثيفة الاستخدام لعنصر العمل البشري، الذي يبدو أنه يتيه الآن في صحراوات سيناء المترامية مثلما يفعل أقرانه هنا في الوادي من السكع في الشوارع والطرقات أو علي مقاعد المقاهي التي نمت سرطانيا في السنوات الأخيرة والعامرة دائما بروادها. ان التنمية الشاملة في سيناءوالوادي قد أصبحت هما وطنيا لا يمكن السكوت عنه كما ان عدالة توزيع ثمارها من الدخول بين أبناء الوطن الواحد أولوية لن نمل تكرار الحديث عنها، او التنبية لمخاطر التغاضي عن الاخذ بها.