المشهد التاريخي لوصول آية الله الخميني إلي مطار طهران قادماً من منفاه في باريس بعد خمسة عشر عاماً "1964 1978" مازال ماثلاً أمام أعيننا وهو يتكأ علي يد أحد كبار الضباط أثناء نزوله من علي سلم الطائرة.. فتلمس قدماه أرض ايران كأول خطوة فاصلة ما بين عهدين.. بعد سقوط "عرش الطاووس" ليبدأ عهد "ولاية الفقيه" بعد الثورة الاسلامية في عام 1979 تحت ظل وفكر الامام الروحي وملهم الثورة ومفجرها "اية الله الخميني".. ذلك الرجل المتشدد الذي استطاع بفكره وقوته ومؤهلاته الشخصية أن يرسم خريطة الاسلام السياسي علي جغرافية ايران.. ومازالت نزعة التشدد هي السائدة حتي الآن من خلال الجيل الثاني للثورة الاسلامية.. وعلي رأسهم "خامنئي" المرشد الاعلي للجمهورية والموجه الاول للسياسات العامة بمنطق الاسلام السياسي الذي حافظ علي نزعة التشدد في كل مناحي الحياة. وعلي الجانب الاخر.. وعلي مدي ثماني سنوات يحسب للرئيس "محمد خاتمي" أنه أول من تصدر النزعة الاصلاحية.. فهو اول من طالب بتوسيع مفهوم "السلطة الرئاسية" لرئيس الجمهورية من خلال مبدأ المشاركة.. جنباً إلي جنب مع ولاية الفقيه الذي يمسك بجميع الخيوط في شكل تمركز في يد "المرشد الأعلي".. إلا أن عجز "خاتمي" عن تحقيق مايصبو إليه كان ضمن النقاط الجوهرية التي احتسبت ضده من الشعب الايراني.. الذي يتطلع إلي نزعة اصلاحية عظمي.. ما حدا بالشعب الايراني الي فقدان الثقة في حكومة خاتمي التي طالما فشلت في مواجهة آفة البطالة التي تفشت في صفوف الشباب الذي يشكل القاعدة العريضة للشعب الايراني.. والذي تجاوز 60% من مجموع السكان.. ذلك مع وضع هوجة الخصخصة التي قام بها خاتمي مما ادي في نهاية الأمر الي زيادة اعداد العاطلين وفي تقديري أن تلك الخطوة بالذات هي سوء الطالع لمستقبل الاصلاحيين وعلي رأسهم خاتمي.. في ذات الوقت الذي كان فيه "محمود احمدي نجاد" محافظاً بكل قوة علي تشدده في مواجهة الاصلاحيين وفي الاتجاه المعاكس تماماً لنراه قد أظهر تعاطفاً مع الفقرء اثناء فترة تقلده منصب رئيس بلدية طهران.. ليشكل ذلك المنصب قاعدة الانطلاق الحقيقية والقوية لدخوله الانتخابات الرئاسية.. فيسفر ذلك عن فوزه علي "رافسنجاني" المخضرم في جولة الاعادة.. وبفارق أصوات كبير نسبياً. فإذا كان ذلك يمثل جوهر الموروثات التي تواجه الرئيس المنتخب "نجاد" فماذا يا تري أعد لها من مواجهات؟! حيث اجمعت كل الاراء أن الرجل قد وضع في موقع لايحسد عليه.. وكأن المقادير الايرانية ذات التركيبة المجتمعية والتأريخية والدينية المعقدة قد اختارته لتضعه في مركز حلبة الاختبار اللانهائي. رفع مستوي المعيشة فإذا بدأنا من حيث وعد "نجاد" برفع مستوي معيشة الاسرة الايرانية ومؤازرة الطبقة الفقيرة نكون بذلك قد وضعنا ايدينا علي اول المنهج الاصلاحي الذي لم يتنازل عنه الايرانيون.. ذلك إذا وضعنا في الاعتبار أن "نجاد" مدين لشعبه بانجاحه في الانتخابات في مقابل خطة اصلاحية لرفع وتحسين مستوي الحالة المعيشية له.. حتي لايحسب عليه تعاطفه مع الفقراء في فترة ما قبل توليه الرئاسة علي أنه تعاطف دعائي.. ومن هذا المنطلق نحن نري أن علي الرئيس "نجاد" الذي لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب بل قل ملعقة من حديد إن جاز التعبير حيث ولد لأب بسيط يعمل في مهنة الحدادة فيشتهر بين اقرانه بأنه "ابن الحداد".. حسناً.. فلتكن تلك الملاحظة الاجتماعية هي منصة الانطلاق علي الخط الاجتماعي الايراني الطويل.. أما لو ضع نجاد لنفسه هالة رئاسية عازلة تفصل بينه وبين بعض الجماهير المتعطشة للاصلاح سيكون بذلك قد رسم لنفسه اول خطوط وحدود الفشل الداخلي.. والتي قد تعجل بسيناريو النهاية.. وبأسرع من سيناريو نهاية "خاتمي" الاصلاحي! أما علي الجانب الآخر للنهر.. فهناك شباب العاطلين الذين اصبحوا يشكلون بؤر تفرقة في الشارع الاجتماعي الايراني.. تلك البؤر المحشوة بالغضب.. والتي تنذر بالانفجار في اي لحظة نفسية وضاغطة.. وعند تلك النقطة بالذات نقول ان الوعود لا تفي بالغرض.. بل يجب الاعلان عن خطة طموحة من اجل تشغيل الشباب واستغلال طاقاته في البناء.. وعدم اهدارها في حشود المظاهرات.. فالمسئوليات الجسام لاتبني علي الوعود والامنيات والعواطف.. بقدر ما تقام علي اعمدة الفكر "البراجماتي" لو صدقت النوايا! المرأة أما عن أحد الملفات الجوهرية والحيوية والتي تمثل أرفع التحديات للرئيس "نجاد" فهو ملف "المرأة الايرانية".. فإذا كانت المرأة منذ القرن الماضي هي احد الاهتمامات المحورية علي مستوي العالم فإن الاجراءات التشددية في مواجهة المرأة الايرانية والتي سار علي نهجها الرئيس نجاد "منذ توليه رئاسة بلدية طهران والتي تمثلت في اجبار المرأة العاملة في البلدية علي ارتداء الزي الايراني التقليدي فنحن نري من جانبنا ان مثل ذلك الاجراء وما سوف يتلوه من تشدد شكلي في مواجهة وضع المرأة في ايران لايخرج عن كونه من أساليب الوصاية التقليدية.. وأحد الموروثات المتناقلة جيلاً بعد جيل.. والتي يجب التخفيف من غلواء ذلك الموروث. الذي سوف يشغل مساحة مناسبة من أجندة الرئيس نجاد.. سواء في اطار متشدد او اصلاحي.. فالمهم في النهاية ان ملف المرأة الايرانية سوف يفرض نفسه وبصرف النظر عن كل الاعتبارات.. وهذا ما يجب ان يضعه في الحسبان الرئيس "نجاد" نفسه.. لماذا؟!.. لأنه في حالة مواصلة الرئيس نجاد خطة تشدده فإن ذلك سوف يفرز في النهاية علي ساحة المرأة الايرانية نوعاً ما من الاستهجان.. في حالة لو قورنت المرأة الايرانية بشقيقتها المسلمة الكويتية مثلاً.. والتي فتح امامها الطريق من أجل المشاركة الفعالة في الانتخابات البرلمانية.. وتقلدت كرسياً في الأمة الكويتي.. رغم اتباع اساليب الوصاية ذاتها علي المرأة الكويتية في الماضي.. ولعل ذلك التطور يكون بمثابة رسالة حية إلي الرئيس "نجاد" من أقرب دول الجوار الخليجي.. من أجل استيعاب التجربة الكويتية!.. فالمطلوب اذن هو منح القدر المعقول من أجل توازن الذات للمرأة الايرانية.. والمتمثل في شخصية المحامية الدولية "شيرين عبادي".. والناشطة الدولية في مجال حقوق الانسان.. والتي اثبتت بجدارة فشل كل النظريات المتشددة او النظرة المجتمعية الضيقة والجامدة لطبيعة المرأة المسلمة بصفة عامة والايرانية بصفة خاصة! الملف النووي نعتقد اننا بذلك نكون قد فرغنا من القاء الضوء علي أهم ملامح الموروثات.. الايرانية ذات الخطوط العريضة.. وهي التحدي الاول والصعب للرئيس "نجاد".. لننتقل بعد ذلك إلي ملف "المستجدات" علي الساحة الايرانية.. والمرتبطة بالطبع بالسياسة الخارجية لجمهورية ايرن الاسلامية فيبرز امامنا اهم تلك المستجدات علي الاطلاق.. وهو "الملف النووي" الايراني الذي تسعي امريكا لعرضه علي مجلس الامن.. بنية امريكية امبراطورية مبيتة لايران من اجل تكرار السيناريو الامريكي في العراق.. وامريكا العظمي قد كشرت عن انيابها وبسرعة غير متوقعة.. بمجرد فوز "نجاد" برئاسة الجمهورية.. فمجمل التصريحات القولية سواء علي لسان "بوش" أو "رامسفيلد" تؤكد عدم الرغبة الامريكية في الزحزحة قيد أنمله عن موقفها تجاه ايران. وتندرج نوعية التصريحات الاستفزازية مما دفع الرئيس نجاد إلي القول بأن ايران لن تعير مثل هذه التصريحات اية اهتمامات.. وخاصة بعد اتهامه علانية بأنه قد شارك في اقتحام السفارة الامريكية في طهران واحتجاز رهائن لمدة 444 يوماً وقد تنبت امريكا ذلك الاتهام استنادا الي بعض اقاويل صادرة من بعض الرهائن الذين عاصروا ايام الاقتحام عام 1979!.. فذلك ان كان يدل علي شئ فهو يدل من وجهة نظرنا علي حالة امريكية خاصة من الفلس السياسي.. فأصبحت الامبراطورية العظمي تلجأ إلي اسلوب فتح الملفات القديمة! وعلي أية حال.. ليس مطلوباً من الرئيس نجاد أن يتشبه بصدام من اجل اثبات حسن النية النووية لايران امام امريكاوالعالم.. ولا أن يتشبه بكوريا الشمالية فيقف موقف المتحدي فهذا أقصي ما تتمناه امريكا من اجل اثارة الرأي العام العالمي ضده. ولكن المطلوب منه في هذه المرحلة الحرجة للملف النووي الايراني وهو أي نجاد دارس للهندسة أن يكون مهندساً سياسياً يستطيع من خلال لعبة "التوازنات النسبية" أن يفتح الملف النووي لاسرائيل" وذلك علي سبيل المقارنة والعدالة النووية وخاصة بعد أن ألمحت اسرائيل مؤخراً بشرعية تدميرها المفاعل "بوشهر" الايراني علي غرار تدميرها المفاعل "تموز" العراقي عام 1981! فالتوازنات النسبية في الشرق الاوسط من شأنها ايضا لو أجادها "نجاد" سد باب المبررات والذرائع لامبراطورية الشر وفي ذيلها اسرائيل الصهيونية ثم الاقتراب بعد ذلك من الخطوط النووية الحمراء للدولة الصهيونية والتي جبن العالم بسبب الضغوط الامريكية من الاقتراب منها وطرحها للنقاش من اجل الامن النووي العالمي.. ذلك بعد منع السيد "البرادعي" من الاطلاع علي ذلك الملف.. او حتي مجرد التبرك بلمس مفاعل "ديمونة" الاسرائيلي في صحراء النقب المقدسة! وعلي سبيل الاستمرار في لعبة التوازنات النسبية والسياسية في مواجهة الامبراطورية العظمي التي تبنت نظرية تغليب الكيان الصهيوني في الشرق الاوسط الكبير من اجل احتواء "المد الاسلامي" الذي تخشاه الامبراطورية الامريكية حتي داخل اراضيها فنحن نري انه اذا كانت امريكا قد تعمدت فتح ملفات ايرانية قديمة و جديدة داخل ايران وخارجها من اجل محاولة برمجة الرئيس "نجاد" اعتقاداً من امريكا انها تمارس ارهاب الدولة في مواجهة رئيس الجمهورية الايرانية الاسلامية من اجل تقديم فروض الطاعة والولاء لامبراطورية القرن الواحد والعشرين.. من خلال تقديم قرابين المحبة الاسلامية لليمين المتطرف الصليبي تكون بذلك امريكا قد ضلت ضلالاً مبنياً.. وعليها الرجوع الي مستشاري الامن القومي لتقديم النصح والمشورة. حيث باتت الامبراطورية المزعومة لاتستوعب الدروس بعد وقوعها في المستنقع العراقي الاحمر او الرمال المتحركة العراقية! أما علي سبيل فتح الملفات القديمة.. فهل نسيت امريكا اجرامها الدولي.. وبالتحديد في 4 يوليو 1988 عندما قام الطراد الامريكي "فينسين" باسقاط طائرة مدنية ايرانية من طراز "الايرباص" في مياه الخليج؟! فقتل بذلك كل ركابها وملاحيها في اكبر اختراق سافر لمواثيق القانون الدولي والبحري.. ونحن لانعتقد ان الرئيس "نجاد" قد فارقت مخيلته تلك الواقعة الاجرامية الامريكية.. ونحن نري ان تبدأ ايران وهي دولة ذات سيادة نري ضرورة فتح ذلك الملف امام محكمة العدل الدولية أسوة بطائرة "لوكيربي" التي سقطت علي ارض اسكتلندا عام 1988.. وذلك علي سبيل المقابلة للاتهامات غير المشروعة لايران بصفة عامة.. والرئيس "نجاد" بصفة خاصة.. ليخرج علي العالم مجددا مايمكن أن يطلق عليه مجازاً "حرب الملفات"!