استوقفتني كلمات للسفيرة مشيرة خطاب مقرر المجلس القومي للطفولة والأمومة خلال احدي الندوات اكدت فيها أن المجلس يسعي جاهدا في الفترة القادمة لاصدار تشريع بتجريم ختان الإناث وفرض عقوبات علي غير الملتزمين وما ذكرته عن ان المجلس استطاع حسم الخلاف الديني حول هذه القضيةبعدما نهي فضيلة المفتي عن ختان الإناث، وجعلتني هذه الكلمات اعود بالذاكرة الي الوراء اكثر من 12 عاما وبالتحديد الي عام 1994 الذي شهد جدلا كبيرا حول ختان الاناث ليس في مصر والبلاد العربية والاسلامية فحسب وانما في العالم كله خاصة بعد قيام شبكة cnn بتصوير فيلم لحلاق في احدي المناطق الشعبية في مصر يجري عملية ختان لطفلة صغيرة في مكان قذر وبأدوات بدائية لا تصلح لاجراء هذه العملية وقد أذيع الفيلم في معظم القنوات التلفزيونية في اوروبا وامريكا بهدف تشويه الاسلام وتصويره بالوحشية والدموية والارهاب والتأكيد علي ان المسلمين يضطهدون المرأة ويعاملونها معاملة قاسية كالحيوانات. وعقب هذا الحادث سارعت كثير من الدول العربية والاسلامية تبرئ نفسها من هذه التهمة وتحاول التأكيد علي انها ترفض ختان الاناث ولا تقره ولا تجريه لبناتها وفي مصر قيل إن ختان الإناث عادة فرعونية او عادة افريقية لا صلة للاسلام بها وطرح ختان الإناث علي موائد المؤتمرات الدولية والمحلية مثل مؤتمر السكان الدولي بالقاهرة ومؤتمر المرأة في بكين وغيرهما من مؤتمرات الاممالمتحدة. واذكر انه في هذا الوقت العصيب وقف الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الازهر السابق رحمه الله علي الجانب الآخر يرد علي تلك الدعاوي والمزاعم ويوضح موقف الاسلام من قضية ختان الاناث واصدر فتواه الشهيرة التي تؤكد ان ختان الاناث شعيرة من شعائر الاسلام وأيده في هذه الفتوي الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي الجمهورية وقتئذ وان كان قد تراجع عن ذلك فيما بعد وقال ان الاحاديث التي وردت في شأن ختان الإناث ضعيفة وعلينا ترك المسألة الي اهل الذكر من الاطباء الكبار ليقرروا ما إذا كان الختان في مصلحة المرأة ام ضد مصلحتها واعلن تأييده لقرار الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الاسبق بمنع ختان الإناث في المستشفيات والعيادات الخاصة. والآن بعد 12 سنة من تلك الواقعة وصلنا الي درجة المطالبة بإصدار تشريع لتجريم ختان الاناث بل ومعاقبة غير الملتزمين من اولياء الامور بالطبع وكأن مصر تخلصت من جميع المشكلات والازمات ولم تعد تواجه غير تلك القضية الهامشية التي لا تستحق ان تسخر لها جهود اجهزة وهيئات كبيرة مثل المجلس القومي للامومة والطفولة والمجلس القومي للمرأة. ان ما يسترعي الانتباه في هذا الشأن هو التعاطي غير الموضوعي مع تلك القضية وعدم وضعها في اطارها الصحيح بالاضافة الي التهويل والتضخيم الذي تحاط به وحرص بعض الجهات علي المبالغة في تأثير الختان علي نفسية الفتاة لاهداف غير معروفة. ولا يفهم من ذلك انني مع ختان الاناث او ضده ولكنني اسجل ما دار علي الساحة حول هذه القضية في فترة تجاوزت عقدا من الزمان واستنزفت جهودا لا تستحقها وبددت طاقات كان من الممكن ان تستغل فيما ينفع اهل مصر في معاشهم ومعادهم. وإذا عدنا الي السنة النبوية وجدنا انها تبين ان الختان في حق الرجال سنة مؤكدة وفي حق النساء مكرمة فقد روي البخاري ومسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر". وورد عن بعض الأئمة قوله تعليقا علي هذا الحديث انه عام في ختان الذكر والانثي، وهذا ما يشير اليه حديث آخر رواه الترمذي والإمام أحمد ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: "أربع من سنن المرسلين: الختان والتعطر والسواك والنكاح". وروي البيهقي ان النبي صلي الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام. وقد اتفق الفقهاء علي أن الختان للذكور والإناث من فطرة الاسلام وشعائره وانه امر محمود وفي فقه الإمام أبي حنيفة ان الختان للرجال سنة وهو من الفطرة وللنساء مكرمة فلو اجتمع اهل بلد علي ترك الختان قتلهم الامام لانه من شعائر الاسلام، ويتفق الشافعي ومالك واحمد مع ابي حنيفة الا ان بعضهم يري ان الختان واجب في حق الرجال. وقد استدل الفقهاء علي ختان الاناث بحديث ام عطية رضي الله عنها قالت: ان امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلي الله عليه وسلم : "لا تنهكي فإن ذلك احظي للزوج واسري للوجه"، وفي رواية اخري تقول ام عطية: عندما هاجر النساء الي المدينة كانت منهن ام حبيبة وقد عرفت بختان الجواري فلما رآها رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: يا ام حبيبة هل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت: نعم يا رسول الله الا ان يكون حراما فتنهي عنه فقال: بل هو حلال فادني مني حتي أعلمك فدنت منه فقال: يا ام حبيبة اذا انت فعلت فلا تنهكي فإنه اشرق للوجه وأحظي للزوج" وفي حديث آخر رواه أبو هريرة يقول صلي الله عليه وسلم : "يا نساء الانصار اختفضن أي اختتن ولا تنهكن". ويؤكد الأطباء أن ختان الاناث عملية تجميلية بسيطة تجري لازالة الجزء الزائد عن الحجم الطبيعي فقط وهذه العملية لا تحتاج اليها كل الاناث وان هذه الاجزاء الزائدة تؤدي عندما يقرب من ثلث الحالات في مصر الي بعض الاضطرابات النفسية والعصبية ويري الاطباء ان الختان يمنع الافرازات الدهنية التي تسبب التهابات في مجري البول وفي موضع التناسل وبالتالي يحمي الفتاة من الاصابة بالامراض الخبيثة إذا كان هذا هو موقف السنة النبوية وموقف الاطباء من ختان الإناث وإذا كانت هذه العملية تجري منذ مئات بل الاف السنين فلماذا كل هذه الجهود التي تبذل لمنعها؟ ولماذا لا تترك المسألة لاختيار الاب والام وحسب رؤية وتشخيص الاطباء؟ وإذا كان الواقع يؤكد ان الام هي التي تحرص اكثر من الاب علي اجراء عملية الختان لابنتها فماذا تقول سعادة السفيرة؟