ليس مهماً أن تشارك "فتح" في الحكومة الفلسطينية التي تحاول "حماس" تشكيلها. المهم أن تسعي "فتح" إلي إعادة تقويم وضعها في العمق كي تشكل معارضة فعالة للحكومة الجديدة، ذلك انه لا بد من أن يرسخ في عقول قيادي "فتح" أن الفساد الذي مورس في السنوات العشر الأخيرة وهي عمر السلطة الوطنية الفلسطينية، ساهم إلي حد كبير في وصول "حماس" إلي حيث وصلت، أي إلي أن تكون قادرة علي تشكيل حكومة فلسطينية بفضل الأكثرية الكبيرة التي تمتلكها في المجلس التشريعي الفلسطيني. بالطبع، لم يكن الفساد وحده وراء وصول "المجلس" إلي الحصول علي أكثرية في المجلس التشريعي الفلسطيني. هناك عوامل أخري لا يمكن إلا أخذها في الاعتبار علي رأسها الحرب التي شنتها اسرائيل علي السلطة الوطنية الفلسطينية التي لم تحسن التعاطي مع التطورات السياسية خصوصاً في مرحلة ما بعد فشل قمة كامب ديفيد صيف العام 2000، واعتقاد الزعيم الراحل ياسر عرفات أن عسكرة الانتفاضة يمكن أن يقود إلي جلاء إسرائيلي عن الضفة الغربية. كان قرار عسكرة الانتفاضة فخاَ وقع فيه ياسر عرفات، كونه لم يدرك أن الضفة الغربية ليست جنوب لبنان بالنسبة الي اسرائيل، وان الاحتلال علي استعداد للتضحية بمئات الاسرائيليين من أجل الاحتفاظ بجزء من الضفة، خصوصاً المنطقة المحيطة بالقدس حيث كثافة سكانية اسرائيلية. كذلك لم يدرك "أبو عمار"، في حينه أن قوي التطرف العربية وغير العربية من اسرائيلية وغير اسرائيلية في المنطقة علي استعداد للذهاب بعيداً في استغلال عملية عسكرة الانتفاضة من أجل المساهمة في تكريس حال اللاحرب واللاسلم في الشرق الأوسط ولا شك أن العمليات الانتحارية التي نفذتها "حماس" ومن علي شاكلتها، لعبت دوراً أساسياً في جعل اسرائيل تجهز علي المؤسسات الفلسطينية. بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني التي كانت قائمة في الضفة قبل الاحتلال الاسرائيلي في العام 1967. لا بد ل "فتح" من دراسة الأسباب التي أدت الي وصول "حماس" إلي الأكثرية في المجلس التشريعي، وقبل ذلك، إلي تحقيقها كل هذه النجاحات في الانتخابات البلدية. نعم لقد نجحت "حماس" بشكل لم يفاجئ سوي الذين رفضوا تصديق أن الانتفاضة الثانية التي بدأت أواخر العام 2000 أدت الي تغييرات جذرية في المجتمع الفلسطيني، لقد أدت الانتفاضة الثانية إلي جعل المجتمع الفلسطيني يتراجع علي كل المستويات بعدما حاصره الاحتلال ومنع عنه أي تفاعل مع كل ما هو حضاري. وليس صدفة أن يكون أرييل شارون أصر علي وضع ياسر عرفات في الاقامة الجبرية كون أكثر ما كان يضايقه في الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني قدرته علي التحرك في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة حيث كان "أبو عمار" يواجه السياسة الاسرائيلية في عقر دارها. لا مفر لقياديي "فتح"، إلي أي جيل انتموا، من أخذ كل هذه الوقائع في الاعتبار لدي قيامهم بعملية مراجعة في العمق للأسباب التي أدت الي الهزيمة، واذا كانوا يريدون بالفعل التحرك من أجل مواجهة "حماس" التي يمكن أن تفرض نمط عيش متخلفاً علي الشعب الفلسطيني، عليهم أن يتذكروا ان التخلف لا يواجه بالفساد وانما بالدفاع عن القيم الحضارية التي ميزت الشعب الفلسطيني وأوصلته الي أن يكون حاضراً علي الخريطة السياسية للشرق الأوسط. وفي مقدمة هذه القيم الانفتاح علي العالم، كل العالم والتسامح تجاه الحضارات الأخري. والتفاعل معها بعيداً عن أي نوع من التزمت، علي أن يترافق ذلك مع السعي إلي اعادة مد الجسور مع أوروبا والولايات المتحدة بدل اعتماد لغة خشبية توصل بالكاد الي موسكو في رحلة قد لا يكون هناك تكرار لها. في هذا المجال، يمكن ل "فتح" ايجاد فارق مع "حماس" التي ستركز علي متابعة تغيير المجتمع الفلسطيني وطبيعته في غياب القدرة علي تحقيق أي تقدم علي صعيد العملية السياسية. هل في استطاعة "فتح" مواجهة تحديات المرحلة المقبلة؟ الكثير سيعتمد علي اختيار أشخاص يمتلكون كفاءة معينة علي الصعيد الاخلاقي أولاً، اشخاص يملكون القدرة علي كشف أن جانباً اساسياً من المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الاسرائيلي هو جانب حضاري له علاقة بمدي ارتباط هذا الشعب بما يدور في العالم. والأهم من ذلك أن تعتمد "فتح" شعار أن التخلف لا يواجه الفساد. بل بتقديم نمط جديد من القياديين يبنون علي الماضي النضالي ل "فتح" وليس علي السنوات العجاف التي تلت قيام السلطة الوطنية الفلسطينية. في تلك السنوات، تكفل الفساد والتصرفات العشوائية للذين هبطت الثروة عليهم فجأة بجعل الناس العاديين يهربون من الحركة ومن كل ما له علاقة بها، مفضلين التخلف والشعارات الفارغة علي الفساد والفاسدين