تلعب روسيا اليوم في الشرق الأوسط دوراً مزدوجاً أحياناً وضبابياً أحياناً أخري رغبة منها في تعظيم مصالحها وتقليص أضرار ابتعادها القسري عن المنطقة ورغبة منها في المحافظة علي مصالحها المتنامية في المنطقة كذلك. فقد بدأت بمحاولة جادة للعودة للساحة الدولية كلاعب رئيسي، فاتسم التحرك الروسي علي المستوي الخارجي بالاستقلالية المتزايدة عن القرار الأمريكي، وظهر أن روسيا تحاول إثبات دورها كقوة عظمي لم يأفل نجمها رغم تراجعات العقد الماضي وأثبتت التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط أن بإمكان روسيا أن تلعب أدواراً أكبر مما رسمته لها الولاياتالمتحدة أو بعبارة أخري أن تستعيد مواقع كانت قد خسرتها في الشرق الأوسط، فبدأت روسيا بمحاولات جادة لإعادة ترتيب أولوياتها. فعلي المستوي الداخلي أعادت ترتيب خطط الإصلاحات وسيطرت علي الانفتاح المالي والاقتصادي فعاد الاقتصاد الروسي إلي الانتعاش بأسرع مما كان متوقعا. وبدأت موسكو تحاول أن تلعب دورا دقيقا في منطقة الشرق الأوسط في إطار معادلة صعبة من التوازن المستحيل من خلال المحافظة علي علاقات جيدة مع دول الخليج العربية وعلي تواجد في العراق وعلي علاقات متوازنة مع إيران. أما علي صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فحاولت روسيا العودة إلي الفعل فكانت خريطة الطريق بوابتها في الشرق الأوسط، فأعلن الرئيس بوتين أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لا تعتبر منظمة "إرهابية"، ووجه إليها دعوة لزيارة موسكو بدون أي قيد أو شرط. من ناحية والملف النووي الإيراني ميدانها الرئيسي في تفاعلاتها الدولية بمنطقة الخليج السنوات الماضية، بنت روسيا علاقات متينة مع إيران في الوقت الذي حافظت فيه علي شعرة معاوية في علاقاتها مع عراق صدام حسين، وأخذت علاقاتها بالتحسن تدريجيا مع دول الخليج العربية، وظهر جليا أن المنفعة الاقتصادية هي المحرك الرئيسي لسياسة روسيا الخارجية، وأن منطقة الشرق الأوسط منطقة حيوية في الاستراتيجية الروسية للسنوات القادمة. منذ أن ورثت روسيا الاتحادية تركة الاتحاد السوفيتي المنحل عام 1991 وهي تسعي جاهدة لتجاوز تركة ثقيلة من المركزية والبيروقراطية والصراعات الداخلية، فهجرت الأسلوب الأيديولوجي وانغمست في لغة المصالح وبدا جليا أن النظام الشيوعي الأول في العالم قد تخلي عن دعم النظم الشيوعية والأحزاب الشيوعية فتبدلت أولويات السياسة الخارجية وظهر أن التوازن الدولي المرتكز حول الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي قد انهار وأن سؤال الحرب الباردة قد حسمت لانتصار النموذج الرأسمالي بزعامة الولاياتالمتحدة دون أن يعني ذلك هزيمة الشيوعية بعد أن خسرت أهم معاقلها في الكرملين. وحاولت روسيا إبان عهد يلتسين أن تندمج في المنظومة الرأسمالية الغربية بأي ثمن منسحبة من مواقعها في آسيا والشرق الأوسط، بينما كان حلف "الناتو" يتمدد إلي حدود روسيا ويسحب أجزاء من منطقة النفوذ الروسي الواحدة تلو الأخري.