ونظرا لما تمثله تلك النتائج من منعطف تاريخي هام.. في مسار القضية الفلسطينية وكفاح شعبها.. خاصة بعد معارضة شديدة من الولاياتالمتحدةالأمريكية واسرائيل وغيرهما من الدول الأوروبية علي خوض حركة حماس لتلك الانتخابات دون اعترافها باسرائيل والقاء سلاحها. إلا أن "الواقع الجديد" بعد فوز حماس من خلال انتخابات ديمقراطية يفرض بلا شك تعاملا جديدا مع تلك المتغيرات.. حتي ولو كانت هناك معارضة لايستهان بها من قيادات وقواعد لحركة "فتح" وبعض الفصائل الأخري علي تشكيل حماس للحكومة الفلسطينيةالجديدة ورئاسة المجلس التشريعي الجديد بالاضافة إلي تصريحات المسئولين الأمريكيين والاسرائيلين وما يؤازرهما من الدول الأووربية بمنع المعونات المادية وتجميد مسيرة السلام عن السلطة الفلسطينية إذا لم تعترف حركة حماس.. بدولة اسرائيل وتلقي سلاحها وتقبل بالخطوات السابقة في مسيرة السلام ونتائج مباحثات "أوسلو". وكان من أبرز التحركات الخارجية توجه كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية يوم 28 يناير الماضي للعاصمة البريطانية لمناقشة مستقبل عملية السلام بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الأخيرة وذلك في ظل اجتماعات اللجنة الرباعية هناك.. وكذا تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد لقائها مع إيهود أولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي بالوكالة ثم لقائها مع محمود عباس "أبو مازن" رئيس السلطة الفلسطينية وتعتبر تلك الزيارة هي الأولي لزعيم غربي بعد فوز حماس إذ صرحت أن الاتحاد الأوروبي لايمكن أن يقدم دعما مباشرا لحكومة فلسطينية تضم "حماس" مالم تتخلي عن العنف.. والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود. وإذا كانت إفرازات "الواقع الجديد" الذي فرضته نتائج تلك الانتخابات بفوز منظمة "حماس" يشكل بتلك الخطوات والمواقف السريعة والمتتالية علي المستوي الدولي والخارجي مأزقا لايستهان به إلا أن بعض المواقف الداخلية هناك سواء من الجانب الفلسطيني الذي ينبذ نتائج تلك الانتخابات.. وفي مقدمته قيادات حركة فتح.. والانقسام الواضح في الشارع الفلسطيني يمثل وقوداً يشعل الموقف بما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني من جانب.. بالاضافة إلي أنه يعتبر إضافة تستفيد منها اسرائيل وحلفاؤها من جانب آخر لدعم موقفها وتكريس توجهاتها في أكثر من اتجاه يخدم سياستها ومنظورها في مواجهة مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه. وعلي الرغم من ذلك فهناك بوادر هامة لها دلالاتها قد تفيد في اعطاء بعض المرونة للموقف وتهدهد من تشنجات جميع الأطراف.. لعلها حتي الآن تتمثل في البوادر التالية: 1 التزام الرئيس الفلسطيني (أبو مازن) بالخيار الديمقراطي وإعلانه أنه سيكلف حركة "حماس" بتشكيل الحكومة الجديدة.. رغما عن إعلان قيادات "فتح" مقاطعة أي ائتلاف مع حكومة حماس الجديدة.. كما أعلنت منظمة الجهاد الاسلامي موقفاً مثيلاً إلا أنها طالبت حماس بالاستمرار في مبادئها الثابتة تجاه اسرائيل. 2 توازن متحفظ في تصريحات مبدئية لقيادات حركة حماس (اسماعيل هنية خالد مشعل سعيد صيام) عن اتفاقهم مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) علي التشاور لتشكيل الحكومة الجديدة وأن حماس إن كانت ستحافظ علي الحقوق والثوابت الفلسطينية إلا أنها ستعزز المشاركة السياسية مع كل القوي الأخري الفلسطينية.. وقد تردد علي أثر ذلك أن تضم الحكومة الجديدة عناصر من "حركة فتح" رغم أي تصريحات تناقض ذلك وأضاف قادتها أنه لايوجد ما يمنع من وجود "مفاوضات" يعاصرها في نفس الوقت "مقاومة" كالنموذج الذي انتهجته حركة "فتح" عندما تولت السلطة بحيث أجرت مفاوضات مع اسرائيل وعادت للعمل العسكري والمقاومة من خلال "مجموعات عسكرية" بجانب ابناء الشعب الفلسطيني عندما تطلب الموقف ذلك فالعالم لايحترم إلا الأقوياء.. ولايمكن استعادة الحقوق الفلسطينية كاملة إلا بذلك علي الرغم من قيام السلطات الاسرائيلية مؤخرا بتجميد المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية بدعوي ألا تصل تلك الأموال والتي تحولها الحكومة الاسرائيلية من رسوم القيمة المضافة والرسوم الجمركية علي المنتجات المستوردة إلي الأراضي الفلسطينية وتمر عبر اسرائيل إلي عناصر يرتكبون القتل ويريدون تدمير اسرائيل. تبلغ قيمة تلك الأموال في دفعة جديدة كان لزاما علي اسرائيل تسليمها حاليا للسلطة الفلسطينية (35 مليون دولار)!! إلا أن بعض الدول في مقدمتها فرنسا ناشدت دول الاتحاد الأوروبي بعدم قطع المعونات المادية من جانبها عن السلطة الفلسطينية حالياً.. وعلي الجانب الآخر ناشدت حركة حماس أيضا الاتحاد الأوروبي بعدم قطع المعونات عن السلطة الفلسطينية والحكومة التي تضم قيادات حركة حماس.. وتفهم أولويات الشعب الفلسطيني. إلا أنه من الجدير بالاشارة وفي اتجاه معاكس تردد أنباء عن قيام مسئولين ورجال أعمال فلسطينيين بتهريب أموالهم وتصفية مشاريعهم مما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني واستعمال مشكلة البطالة وتفشي الظواهر الاجرامية.. خاصة مع مايواكب ذلك من انتشار العناصر المسلحة سواء التي تستخدم أسلحتها أداة في اظهار معارضتها السياسية.. أو في المقاومة المسلحة.. فيما يخرج عن ذلك... وهذا وقد اتهمت حماس مؤخرا وزير الداخلية الحالي في الحكومة الفلسطينية باصدار أوامر لقادة الأجهزة الأمنية بتفريغ مخازنها من السلاح وتسليمها لعناصر موالية ومن حركة فتح. قد تمثل هذه السطور مجريات الأحداث المتواترة والمعلنة منذ إعلان نتائج الانتخابات الثانية للمجلس التشريعي الفلسطيني مؤخراً إلا أن الحس والوجدان قد يستشعران أن هناك وجها آخر "ترتسم صورته".. وغير محدد إطاره فملامح الصورة التي نعيها ونراها ونتلمسها هي فوز "حماس" في الانتخابات.. أما خلفية الصورة ورتوشها وظلها.. هل يجعل منها لوحة جديدة "لموناليزا" أخري.. نراها.. من كل زاوية ننظر اليها بشكل وملامح مختلفة.. فإذ نراها من زاوية تبتسم.. فنتفاءل.. وإذ نراها من الزاوية الأخري تكتئب.. فنتشاءم.. أما إذا نظرنا لها مباشرة نحتار معها.. فهل يمكن أن تعطينا تفسيرا لما يبدعها دون أن نتساءل.. لا أظن!! ومن هنا قد تساعدنا بعض التساؤلات وما تطرحه علي التقرب من محاولات "الوجه الآخر" للموضوع الهام الذي يشكل منعطفا في مسار أهم قضية في الشرق الأوسط. أجمعت غالبية الأوساط السياسية والاعلامية في دول العالم.. والدول العربية.. بل في فلسطين.. بل وفي اسرائيل.. أن نجاح وفوز حركة "حماس".. وتراجع حركة "فتح" أمامها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني.. كانت "مفاجأة" غير متصورة إلي درجة أن العالم العربي أطلق علي الحدث "زلزالا" ثم بعد أيام عندما رصد ردود فعله.. أصبحت "توابعه تمثل مأزقاً "لحماس".. ألا ترون أن إطلاق كلمة "مفاجأة" غير متصورة.. أو غير منتظرة تكررت كثيراً في أحداث انتخابية علي الرغم من اختلاف الدول والمواقع والظروف.. ولكنها ارتبطت جميعا بصفة "واحدة" إما بشخص أو تنظيم له هوية إسلامية متشددة.. بينما نجاحه يرتبط بمنهاج ديمقراطي يحكم اختياره. فالرئيس الإيراني الجديد.. علقت غالبية الأوساط السياسية والإعلامية علي فوزه بأنه "مفاجأة".. وذلك علي الرغم من أن الرئيس الإيراني الذي سبقه بشر بفوزه منذ ترشيحه.. وقبل اجراء الانتخابات وظهور نتائجها بأن صرح جهارة لكل أجهزة الإعلام العالمية.. بأن الانتخابات ستسفر عن مفاجأة... ولم تكن هناك مفاجأة في الموضوع إلا أن ينجح المرشح للرئاسة أحمدي نجاد. وعندما نجح 88 عضوا من الإخوان المسلمين بمجلس الشعب بمصر.. صرح قادة الجماعة أنفسهم أنها كانت "مفاجأة" غير متوقعة.. وبعد أن تأكدت الرؤية... جاءت التصريحات من بعضهم لتردد أنه كان بإمكانهم الحصول علي أكثر من مائة مقعد لولا ظروف الانتخابات. وعندما نجحت "حماس" مؤخرا.. وهي من نفس الفصيل.. عادت كلمة "مفاجأة" !! من جديد... مفاجأة لمن.. وعلي من؟! هل كل الأجهزة المتخصصة العالمية وداخل فلسطين.. واسرائيل.. لم تتوقع أو تتنبأ بهذا الفوز؟! هل تنتظرون أكثر من "مفاجأة" أخري حتي يكتمل "الحزام" ونتفهم إطار الصورة ورتوشها وظلها.. التساؤل الآخر: إذا كانت هذه النتيجة تمثل رغبة "الشعب الفلسطيني" بنجاح حركة "حماس". سواء لأنها رأس الحربة للمقاومة الفلسطينية وأملا في الحصول علي حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في أرضه.. أليست هذه النتيجة أيضا علي الرغم من المواقف المضادة والمثارة والمعلنة لاتشكل مفاجأة لإسرائيل.. بل لعلها تدرجت تكتيكيا للوصول إليها.. استهدافا لتحقيق هدفين رئيسيين. أولهما: أن تنقسم حركة المقاومة الفلسطينية من داخلها.. لتفتيت قواها.. وكسر تحالفاتها. وها هو الصراع بدأ بين كبري حركات المقاومة "فتح" و"حماس" بما سيعكس بالضرورة إن لم تسارع كلتاهما برأب الصدع.. للحفاظ علي كيان السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.. كرفقاء نضال وكفاح.. وسلام أيضا.. وحتي لاتستثمر اسرائيل الموقف لصالحها والتراجع عن كل أو بعض خطوات السلام المتفق عليها دولياً. ثانيهما: تسييس حركة المقاومة "حماس" تدريجيا من خلال الضغوط الدولية والاقتصادية بالاضافة إلي الضغوط الداخلية.. وهو ما سيتبعه إمكانية تسييس حركات المقاومة الأخري وصولا لاعترافها بدولة اسرائيل ونزع سلاح المقاومة. كشرط لكي تحرز حماس نتائج إيجابية. في مجال مفاوضات تشارك فيها مع اسرائيل يرضي عنها الشعب الفلسطيني. وأخيراً فالأمل معقود علي نتائج المباحثات التي ستقودها مصر بين كل الأطراف لتحقيق مايصبو اليه الشعب الفلسطيني الشقيق والدول المحبة للسلام.