كان عنوان مقالتي الأخيرة بتاريخ 16/17/2006 سؤال "هل تنتصر الديمقراطية في الوفد؟" و قد ختمتها موضحاً أن نشأة الديمقراطية تؤكد أنها كانت حاجة لادارة الاختلاف بين قوي سياسية متصارعة _ وأن الصراع السياسي صفة إيجابية وضرورية لحيوية الحياة الحزبية سواء بين الأحزاب أوداخل الحزب الواحد. فالصراع السياسي داخل الحزب الواحد ضرورة ودليل علي حيوية الحزب وقدرته علي النمو والاستمرارية طالما أن هذا الصراع محكوم ومضبوط بمعايير الديمقراطية _ ووجهت خطابي لأطراف الصراع مؤكداً علي أن الشارع السياسي والحزبي يتابع عن كسب وباهتمام شديد مسلسل الصراع الدائر وأنه ليس المهم من سينتصر ولكن الأهم هو كيف سينتصر ودرجة نقاء وشفافية الأدوات المستخدمة _ وتساءلت في نهايتها هل تنتصر الديمقراطية في إدارة التغيير والاصلاح في الوفد؟ اجتمعت الهيئة العليا للوفد في18/1/2005 وسوف أغض النظر عن صغائر الأحداث التي واكبت الاجتماع لمرارتها _ واتخذت الهيئة قرارها بفصل الدكتور نعمان جمعه من عضوية الحزب وجميع تشكيلاته و إلغاء قرارات رئيس الوفد السابق الصادرة بالمخالفة للائحة الداخلية و تعيين الدكتور محمود اباظة رئيساً مؤقتاً للحزب وقد صدرت هذه القرارات بأغلبية 33 عضواً في مقابل 13 عضواًً. وبغض النظر ايضا عن الجدل القانوني الدائر بين أنصار الفريقين عن أحقية الهيئة العليا في فصل رئيس الحزب من عدمه طبقاً للائحة الداخلية للحزب _ فإن العرف الحزبي والديمقراطي يلزم جميع الأطراف بالالتزام بقرار الهيئة العليا للحزب باعتبارها أعلي سلطة منتخبة في الحزب . وبغض النظر كذلك عن الأحداث التي أعقبت صدور القرار والقرارات المضادة التي اتخذها الدكتور نعمان _ ثم اللجوء الي جهة ثالثة و هي لجنة شئون الأحزاب- فلتسمح لي قوي الواقع وأيضا قوي التغيير والاصلاح الوفدية بالملاحظات التالية: إن التغيير سنة كونية ولا تستطيع قوة مهما علت أن توقف عجلته _ قد تستطيع في مرحلة ما عرقلتها أوتأخيرها _ ولكن لا يمكن والتجربة الإنسانية تؤكد ذلك منعها من الدوران . وقد طالبت الدكتور نعمان عدة مرات علي صفحات " نهضة مصر" تقديراً مني لدوره الأكاديمي ولتاريخه الوفدي بأن يبادر ويترك منصب الرئاسة لاتاحة الفرصة لتفعيل قيمة التداول السلمي الطبيعي داخل الوفد- تداول يعيد الحياة مرة أخري للوفد - ولكنه لم يستجب- بل اندفع أودُفع إلي اتخاذ العديد من القرارات الأنفرادية الخاطئة التي أوصلته الي هذه النهاية. إن الانفراد بالقرار وأعني هنا عدم الاستماع الي وجهات النظر المخالفة _ أحد أهم أسباب تدهور أي مؤسسة و خصوصاً إذا كانت مؤسسة سياسية. إن الاعتماد علي أهل الثقة و المعارف و الدفعة و الأنساب و الأصهار قد يكون هيكلاً يبدو ظاهرياً أنه متماسك ولكنه في الحقيقة والمضمون كيان هش يسقط عند أول اختبار حقيقي. إن ما آل إليه حال "وفد الحاضر" هو مسئولية ادارة الوفد مجتمعة وإن كان لرئيسها النصيب الأكبر. نعم كانت هناك دائما أصوات تنادي بالاصلاح والتغيير _ لكن كانت لقوي الواقع دائما الغلبة. إن شخصيات عديدة من قوي الواقع التي كانت بالأمس القريب والقريب جدا من المؤيدين و المدافعين عن سياسات الدكتور نعمان رغم خطئها الواضح انقلبت عليه في اللحظات الأخيرة لكي تركب موجة التغيير القادمة. أتمني علي الأستاذ الدكتور نعمان جمعة بعد هذه الأحداث وهو أستاذ الجامعة ورجل القانون و العميد المنتخب لحقوق القاهرة أن يضرب المثل والقدوة في الانصياع للديمقراطية وقرار الأغلبية حتي ولو كان خطأً من وجهة نظره ، كما انصاع من قبل لقرارها بترشيحه لمنصب الرئاسة _ مما يجنب "الوفد" مجاهل لجنة شئون الأحزاب. إن الوفد في حاجة ماسة الآن الي مناخ مصالحة مفتوح علي كل العناصر الوفدية القيمة التي تم فصلها أو اقصاؤها أوتهميشها من أجل أن تعود هذه الكفاءات مرة أخري لممارسة نشاطها والذي بدوره سوف ينعكس علي مكانة الوفد في الشارع السياسي. أرجو من ادارة الوفد المؤقتة رغم اتفاقي مع القرارات الأخيرة بشأن تعديل النظام الداخلي للحزب عدم تغيير أي ارقام أومفردات في المعادلة الوفدية الحالية _ حتي لا يؤول التغيير حتي ولو كان صحيحاً لصالح فصيل دون آخر. والا تمارس أي أساليب اقصاء مع المختلفين معها _ فقد ثبت فشلها سواء علي المستوي الشخصي أوالمؤسسي وأن سياسة الاحتواء واتاحة فرص للتعبير هي أفضل وسيلة للتعامل مع المختلف. وأن تفاعل الآراء وتلاقح الأفكار هي أفضل الوسائل لجلاء الحقيقة. علي أن تبدأ خطوات الاصلاح والتغيير الجذري عقب انتخاب الرئيس الجديد. أن يفتح باب الترشح لرئاسة الوفد وأن يتقدم لهذا المنصب كل من يري في شخصه قدرات هذا المنصب - وأن تتاح صفحات جريدة الوفد لنشر البرامج الانتخابية للمترشحين- حتي يتبين للسادة اعضاء الهيئة الوفدية ( الذين يتمتعون طبقاً للائحة الداخلية بحق انتخاب الرئيس و الهيئة العليا) قدرات كل مرشح من حيث ارائه وافكاره ورؤيته المستقبلية _ بحيث يكون اختيارهم في النهاية تعبيراً وتكريساً لمعيار الكفاءة ... والكفاءة فقط. إن التغيير الذي نبتغيه ليس تغيير أشخاص فقط لكن ما دعونا إليه هو تغيير موضوعي نعيد به "وفد الحاضر" مرة أخري الي "وفد النشأة" بصبغة حضارية مستقبلية تتوافق مع متغيرات ومعطيات الواقع المحلي و الاقليمي والدولي . نريد وفداً ليبراليا بكل ما تحمله الكلمة من معني يؤمن بأن الحرية للجميع رغم اختلاف الرؤي والمرجعيات، نريد وفداً علمانياً بكل ما تحمله الكلمة من معني يؤمن بأن الايمان هو الحرية و أن الدين لله والوطن للجميع، نريد وفداً يتوافق مع المعايير الدولية والنظام العالمي الجديد وقيمه/ نريد وفداً تعلو فيه معايير الكفاءة علي معايير الولاء، نريد وفداً لا تمارس فيه أساليب الاقصاء أو التهميش أوالاستبعاد ، نريد وفداً لسان حاله متاح لكل الرؤي الوفدية حتي التي تختلف مع إدارته. لسان حال يؤمن و ينتمي لمباديء وأهداف الوفد و ليس لرئيسه، نريد وفداً تظل أبوابه مفتوحه لكل داعيه للاصلاح و التغيير. فهل تفرز الديمقراطية وفداً جديداً؟