ليس نقدنا لوجود القنوات الفضائية الدينية، معناه أننا ضد الإعلام الهادف، ولكن نقدَنا هو من باب السعي إلي الإصلاح، وتنبيه المسئولين أن هناك خللاً مَّا يجب الانتباه إليه قبل أن يستفحل الخلل، وعندها لن نعود قادرين علي تعديل الحال وخاصة ان الفضاء اصبح يزخر بالعديد والعديد من القنوات المسماة بالدينية التي اصبحت قوة اعلامية لا يستهان بها وذات سلطة علي عقول المشاهدين وهذه القنوات في مجملها لا تقدم شيئاً ويكرر بعضها البعض مع اختلاف التوجهات والاهداف طبعاً. واذا نظرنا الي بداية ظهور هذه القنوات الإسلامية في حقل الإعلام الفضائي كان بظهور قناة اقرأ الفضائية في عام 1419ه ثم توالي الفيض الإعلامي الفضائي الديني؛ فظهرت قناة المجد، والرسالة، والناس، والحكمة، والفجر، والرحمة، والهدي، ودليل... وغيرها. وعلي الرغم من حداثة التجربة الفضائية الدينية مقارنة بالقنوات العامة الأخري أو حتي المتخصصة، إلا أنه يمكننا القول: إن الفضائيات الدينية استطاعت أن تسيطر علي عقول المشاهدين بل نستطيع ان نقول ان هناك جيلاً بأكمله تأثر بهذه القنوات وبمن يظهرون عليها مهما كانت اقوالهم واهدافهم ممن نصبوا أنفسهم دعاة وشيوخاً فكانت هذه القنوات سبباً في التشويش الديني الذي اصاب جيلاً بأكمله من خلال فوضي الفتاوي والآراء الدينية الغريبة التي في النهاية تخدم من يقومون علي القناة فكلُ له اهدافه وها نحن نجني ثمارهذا الان . فمهمة الإعلام الديني في مبدأ البلاغ المبين من خلال تقديم كلِّ ما هو موضوعي وصادق بعيداً عن الكذب والخداع. وقد قررت أقلام الخبراء الذين فصَّلوا في أهداف الرسالة الإعلامية الدينية التي تضطلع بها الوسائل الإعلامية الدينية، التوافق مع رسالة الإسلام السمحة؛ لأن الإعلام الديني جزء رئيسي في البناء المجتمعي الشامل؛ ومن هنا فمن أوَّليات الإعلام الفضائي الديني الالتزام بمنهج التبليغ في العرض، واستقطاب الدعاة للدعوة، والتعرُّف علي أساليب التأثير في المتلقي؛ حتي تصل الرسالة الإعلامية بشكل واضح. ورغم تسجيل أن القنوات الدينية لها ايجابيات منها علي سبيل المثال تدعيم الهوية الاسلامية، إلا أن سلبياتها أكثر من أن تحصي، إذ إن غالب هذه القنوات يفتقر إلي الأطر المدربة المتخصصة والدعاة المؤهلين فعليا علي ايدي علماء الاسلام فعليا وليس مرتزقي الفضائيات في المجال الذي تختص القناة بتقديمه للجمهور من جهة أولي، ومن جهة أخري لا أحد يشكك في الهدف الاستثماري لجميع القنوات الفضائية الدينية التي تلجأ عادة إلي مصادر تمويل أو شخصيات لها ثقل اقتصادي غير معروفة الاهداف ، كما تبحث عن أسماء إعلامية دينية شهيرة دون أن تضع بعين الاعتبار توافق ثقافة هذا الإعلامي مع أهداف القناة او حتي تتأكد من انه داعية مؤهل فما يهم هو مدي انتشاره لتحقيق ربح مادي من خلال الاتصالات والاعلانات حتي انه هناك بعض القنوات الغنائية العربية قد تحولت الي قنوات دينية لتحقيق ربح مادي اكبر دون النظر الي التوجه، ومن جهة ثالثة يتم اغفال عناصر الإبهار والتشويق التليفزيونية والمعايير الاعلامية الاحترافية، والاكتفاء بالبرامج الحوارية والمواجهات، وبذلك تكون تحولت من البرامج التلفزيونية إلي البرامج الإذاعية ولذلك نجد ان هناك أشكالاً عديدة للبرامج التلفزيونية الدينية، من أكثرها رواجاً وانتشاراً البرنامج الذي يستضيف أحد الشيوخ أو العلماء أو الدعاة للإجابة عن أسئلة المشاهدين. ولكنك لا تعرف من هو هذا الداعية وهل هو مؤهل لاطلاق الفتاوي وما هي مؤهلاته العلمية وهل هو من خريجي الازهر ام غيره لذا لا بد لهذه القناة ان تقدم السيرة الذاتية للدعاة الذين يطلون علي المشاهد حتي نتأكد من اننا بصدد عالم جليل في مجاله ولا بد ان يفعل ذلك هؤلاء القائمون علي تلك الفضائيات حتي يتمتعوا بالمصداقية لدي المشاهد.وهذا يجعلنا نتساءل عن جدوي هذه الفضائيات وما اذا كان المسلمون في حاجة اليها ونتساءل ايضا عن الصلة بين نبرة الخطاب والغلو فيها وبين الاصرار علي تناول موضوعات بعينها تؤدي الي انتشار الغلو من جانب وانتشار ثقافة رفض الاخر من جانب فهل هذا يخدم الاسلام فمعظمها يحرص علي تقديم الاسلام في صورة ليس من شأنها ان تحمل الخصوم علي اعتباره دين علم وعقل وحوار وسلام فالمتصفح بين القنوات الدينية علي القمر الصناعي قد يصاب بحالة من الاندهاش في ظل تضارب الآراء في الفتوي الواحدة وكل يصر علي رأيه ويحارب من اجله وقد يستغل القائمون علي هذه القنوات الدينية ثقة المشاهد في ان من يظهرون عليها اهل ثقة في ظل مجتمع يضع علماء الدين في مكانة رفيعة للترويج لافكار من شأنها اثارة الفتن في المجتمع أو الترويج لبعض المنتجات لتحقيق ربح مادي من استغلال المشاهدين واحياناً نشر ما هو غير صحيح علمياً او فكرياً او عقائديا بين الناس والضحية في النهاية هو المواطن المسلم الذي يصيبه الضرر من هذه الفضائيات باتجاهاتها المختلفة سلفية او صوفية او وسطية فكلُ له نفس الهدف هو الاستحواذ الاعمي علي عقول المشاهدين لترويج افكار تخدم اهدافهم هم بعيداً عن اهداف الدولة او مصالح المجتمع. وهذا يجعلنا نطرح الآتي لماذا لا يتم اغلاق جميع القنوات الدينية العاملة في مصر والمملوكة لافراد مهما كان انتماؤهم او نفوذهم وليس المقصود هو البث فمعظم هذه القنوات ان لم تكن كلها تبث من خارج مصر ولكن يتم تصوير جميع البرامج في مصر سواء المسجلة او المباشرة علي الهواء فماذا فعلنا نحن وفرنا لهم سبل العمل بطريقة ملتوية نتمني ان نجد اليوم الذي تكون فيه القنوات الدينية تابعة للدولة بمؤسساتها الدينية للسيطرة علي ما يتم تقديمه بدون الالتفات الي المتشدقين بحرية الاعلام وهذه الشعارات التي لا تخدم سوي مصالح اصحابها وهم معروفون طبعاً للقاصي والداني كما اهتم اهل الاعلام الرسمي في الآونة الاخيرة الي كل ما هو يندرج تحت وسائل التسلية وانشاء قنوات تافهة لن تفيد مصر ولا المواطن المصري بمبدأ السبوبة وباستخدام اموال شعب مصر حتي وصلت مديونية تلفزيون الدولة الي مليارات الجنيهات فأي فكر هذا وكل ذلك وهم غير عابئين بما يدور وينخر في اوصال المجتمع لتوجيه رسالة اعلامية مضادة له . ولماذا لا يقوم الازهر بمواكبة التطورالاعلامي للمجتمعات المسلمة وذلك بإنشاء قناته الرسمية فعلياً والتي تعبر عن الفكر الازهري المستنير بحق ونحن علي ثقة ان هذا حلم كل مصري بل وكل مسلم وعلي ثقة ايضاً بأن فضيلة الامام الاكبر باستنارته وسعة أفقه لن يدخر جهدا لجعل هذه القناة تري النور وان الدولة بعد ما ظهر من مظاهر التشدد في المجتمع سوف تؤدي دورها نحو هذا المشروع الذي سيؤدي بدوره الي تراجع دور وتأثير العشوائيات الدينية في المجتمع المصري. ahy272.gmail.com