ماذا يقدم الإعلام العربي لمشاهديه؟ سؤال يطرح نفسه هنا ونحن علي أبواب الشهر الكريم.. ولان الأسئلة تظل مفتاح الإجابات, فإن إعادة طرح السؤال بوعي معاصر يمنحنا_ إلي حد كبير- فضيلة الإجابة عن الأسئلة الحائرة في حياتنا اليوم, وما أكثرها. وفي هذا السياق لابد من تنبيه القارئ والمشاهد الكريم لهذا الامتداد الثقافي والجغرافي والتاريخي لهذه الثقافة التي تطل علينا فتكاد تصبح هي القاسم المشترك بين كل وسائل التأثير والتثقيف والتعريف في عالم اليوم.. الامتداد الثقافي يشير إلي خطورة الإعلام الذي بدأ من القرن الماضي في عديد من القنوات التي تصل في مداها العددي إلي قرابة ستمائة(600) قناة فضلا عن قنوات البث الإذاعي التي تزيد علي المائة في وقت تجمع الدراسات المعاصرة( أحدثها دراسة ترجمها مصطفي إبراهيم فهمي عن عالم الأقمار الصناعية لناعومي صقر وصدرت عن المشروع القومي للترجمة) إلي موقف الأنظمة العربية حين أحست بالقلق بوجه خاص من ظهور قنوات أقمار صناعية معينة تذيع بالعربية في أواسط التسعينات من القرن الماضي, ولم يكن سبب هذا القلق هو الامتداد الجغرافي الذي يصل إليه إرسال هذه القنوات فحسب, وإنما كان السبب أيضا قدرتها علي الوصول إلي المتعلمين والأميين معا. وفي حين إن بعض الحكومات كانت لا تزال وقتها تسمح علي مضض بنشر صحف غير حكومية, إلا إنها رفضت تماما التخلي عن التحكم في إذاعة التليفزيون' كان من المفهوم ضمنا من رفضها هذا إنها تدرك أن صور شاشات التليفزيون تصل إلي عدد من الجمهور أكبر كثيرا مما تصل إليه الكلمة المكتوبة تنتشر الأمية في الكثير من بلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا' وهو يتضح بالعود إلي نسبة الأمية الهائلة في المنطقة.. ويجب أن نسارع بالقول هنا إزاء غابة الإعلام التي تتمثل في' كل هذه القنوات' التي تطل علينا في الشهر الكريم لابد أن نعيد النظر في كثير من المعطيات التي تطرح نفسها علينا خاصة في زمن تتكثف فيه غابات القنوات الفضائية وفي الوقت نفسه تتزايد فيه حالات الأمية التي تتناثر حولنا ليس في الأمية الهجائية وحسب وإنما في هذه الأميات التي تتزايد بشكل يلفت النظر: كالأمية الثقافية والأمية الرقمية فضلا عن صعوبة العيش التي تدفع المجتمع_ كما نلاحظ في الحقبة الأخيرة- إلي كثير من المواقف الغريبة علي مبادئنا وقيمنا.. يؤكد هذا الواقع أن الجيل الثاني من أقمار النايل سات_ كما نحتقل به هذه الأيام- يقدم خدمات ثقافية عالية الجودة لكنه يقدم أيضا, أكثر, العديد من قنوات الأغاني وقنوات الأفلام والمسلسلات والقنوات الرياضية وقنوات الإعلانات والمطبخ والنساء والأغاني والأفلام.. إلي غير ذلك مما يشير إلي غلبة المادة التي تقدم ويغلب عليها الطابع الاستهلاكي أو الترفيهي أكثر من المادة التي يغلب عليها الطابع الثقافي والتوجيهي الرشيد.. ولا يكون علينا أن نعود إلي الدراسات التي أقيمت في كثير من بلادنا وجامعاتنا لنقرأ مثلا مثلا_ وهو ما يتردد كثيرا- عن دراسة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة حول' الفيديو كليب' وأثره: فهذه دراسة تقوم بتحليل364 أغنية بثتها6 قنوات فضائية مشهورة بلغت نسبة اللقطات المثيرة فيها77%.... و دراسة أخري بجامعة الزقازيق كشفت عن أن حجم الاستثمارات العربية في صناعة الفيديو كليب, بلغ16.4 مليار دولار.... هل نحتاج لأمثلة أخري.. لا نريد هنا أن نشير إلي قنوات بعينها, فان الجيل الثاني من الأقمار الصناعية عندنا( النايل سات) الذي أطلق أخيرا يحتوي علي عديد من برامج( التوك شو) و(الوصفات الدينية) ما لا يمكن حصره, وليس بعيدا عن المشاهد اللبيب العديد من هذه الأمثلة أخيرا.. نعلم أن القائمين علي البث الإعلامي يسعون إلي تنمية القدرات الثقافية والبشرية; لكن نعلم أيضا أن ما يقدم في الرصد الأخير لا يمكن الرضاء عليه بأية حال, وإلا من يراهن معنا علي أن البث الإعلامي في النايل سات في الفترة الأخيرة يعلو في تأثيره الكيفي فوق مراكزنا أو هيئاتنا الثقافيه حيث يؤدي القمر دوره المثير, ولا نقول الثقافي,وحيث ينير القمر فضاءات بعيدة بشكل يدعو الي التنبه وإعادة النظر.. وإعادة أسئلة أخري.. هل نحتاج إلي أسئلة أخري حقا: *هل نحن في حاجة لإيراد الدراسات والأمثلة لندرك مدي تأثير ثقافة الإعلام عندنا؟ * وهل نحن حقا في حاجة لنسأل كيف سيواجه المشاهد البسيط طوفان المعرفة علي القنوات الفضائية؟ *وهل نحن حقا في حاجة لإعادة النظر إلي ما تعنيه نسبة الأمية الهجائية التي تصل في بلد كمصر فقط ال40 في المائة ؟ * ثم كيف يواجه المثقف المتعلم لدينا حركة البث الكثيرة علي المحطات غير الرسمية التي تقدم لنا مادة مشبوهة؟ *وهل نفهم معني أن ينصرف ما بقي من متعلمينا إلي الثقافة الرقمية التي تحتاج إلي وقفة أبعد؟ *وهل نحن حقا للفت النظر في الألفية الثالثة إلي التطور الرقمي الفائق عبر العديد من ثنائية النت والمحمول إلي غير ذلك من الوسائط المتوالية لدي شبابنا؟.. أليس كذلك؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلي إجابة واحدة. الورقة الأخيرة:. ' ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون'