لانه منبر الجامع الرماح، والرمح في الفصيح والعامية صنو للحركة والانطلاق، وهو ضد الوقوف، فنقول في الصعيد فلان رمح، اي جري، فقرر المنبر ان يعبر عن عدم رضاه من التناقض بين لقبه وبين الوزارة التي يتبعها المسجد الذي يسكن فيه، فقرر المغادرة، ويرحم من هذا التناقض اللغوي، الذي لا يستطيعه منبر مثقف مثله، لكن هناك من فهم أن العملية تمت في إطار سرقة لأثر. هذا في رأي التفسير المنطقي، لأحدث سرقة لقطعة أثرية، في مسلسل الاستيلاء علي آثار مصر، وهي منبر مسجد قانباي الرماح الأثري، والتي تم اكتشافها بعد شهر من السرقة .طبعا اذا سألنا: كيف لم تكتشف السرقة إلا بعد شهر، فهناك من سيقول لنا : " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، ففسرنا ذلك علي أن المسجد مغلق منذ شهر، ومتوقف عن استقبال المصلين، أو أن المنبر في قيد التخزين ولا يستخدم، أما اذا كان المسجد يستخدم كل يوم لإقامة الصلوات الخمس، والمنبر ليس في غرفة منفصلة للتخزين، فليس أمامنا، إلا أن نصف المصلين وخادم المسجد بأنهم ربما فاقدي البصر، ولولا ثقتنا في ورعهم وتقواهم، لقلنا من باب الدعابة التي يتميز بها المصريون في مثل هذه المواقف، انهم مساطيل، لا يعون بما حولهم، كما فعلها يوسف ادريس في إحدي قصصه، عندما سجد الامام والمصلون وظلوا علي حالهم ساعات، حتي تخلصوا من تأثيرالحشيش، الذي تسرب دخانه من إحدي الغرز المجاورة للمسجد .لكن سيكون الموقف أكثر عبثية، إذا كان المسجد يستخدم لصلاة الجمعة، فإذا لم يلاحظ المصلون، فلماذا لم يلاحظ الشيخ، غياب المنبر الذي يقف عليه كل أسبوع لخطبة الجمعة.وزير الثقافة حمّل مسئولية سرقة المنبر علي وزارة الاوقاف، التي استلمت المسجد بعد ترميمه، ووقعت علي أن كل محتوياته الأثرية عهدة لدي الوزارة، والدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار، صرح غاضبا بأنه لن يسلم وزارة الأوقاف أي مساجد أثرية بعد اليوم، لكنه عاد فقلل من حدة تصريحه عندما أكمل قائلا : "إلا عندما تضع وزارة الأوقاف المصرية حدا نهائيا لسرقة المساجد الأثرية " . معني كلام الدكتور حواس أنه توجد سرقات كثيرة سابقة، وأنهم في المجلس الاعلي للآثار طفح بهم الكيل، وحان وقت الغضب، " وهي الحالة، التي نرجو أن يتبعها الدكتور حواس، بتقرير صحفي رسمي، كإحصائية بالمسروقات التي تمت من المساجد الأثرية في مصر، وما أثمرته جهود الأجهزة المعنية في ضبطها وعودتها إلي مساجدها .في رأيي ان وزارة الثقافة التي هي معنية باللغة، اخطأت عندما لم تأخذ في الاعتبار التناقض اللغوي، بين الرماح الذي هو اسم المسجد، والأوقاف التي هي اسم الوزارة التي سيتبعها المسجد، وكان يمكنها لهذا الإشكال اللغوي ان تعترض علي تسليم المسجد بمنبره للأوقاف، حتي من باب التلكيك او الفزلكة الروتينية وربما دونت في التاريخ المصري، علي انها المرة الوحيدة التي احدثت الفزلكة والتماحيك الروتينية شيئا جيدا، وهو المحافظة علي المنبر من السرقة عندما يكون في أيد غير أمينة في وزارة الاوقاف، لكن حتي لا نبالغ في قدرات وزارة الثقافة، علي حماية الاثار والمقتنيات الفنية، نتساءل عن آخر اخبار لوحة الخشخاش؟