من أحد الأحياء الراقية خرجت مجموعة من الشبان وقد ترجلوا من سياراتهم الفارهة، منهم من يمسك حبلاً ملوناً منقوشاً بأحلي نقش، مربوطاً في رقبة كلب تقطر من بدنه العافية. وآخر يحمل بين يديه قطة بيضاء سمينة منفوشة الشعر لا تكاد تبين ملامحها لامتلائها بالشحوم واللحم، والاستحقارات المنبعثة من عينها لما حولها من قطط مشردة بائسة جاءت من أحياء بعيدة باحثة عن الطعام والزاد في الأحياء الغنية. أخذ الشبان يتجولون في الحي بالكلب والقطة المدللين ساعتين من الزمن وبعد صولات وجولات.. توقف شباب الأمة ذوو المظهر المتفرنج والقصات الهلامية لأن الكلب (جون) والقطة (بوسي) تعبا وجاعا يا حرام ولابد من تناولهما للطعام.. تحرك أحد الشبان بحيوية وحماس وحنان منقطع النظير، فاتحاً باب (الهمر) وأخرج أصنافاً من أطايب الطعام قدمها للكلب (المدلل) والقطة (اللعوب) اللذين أخذا يلتهمان الطعام سوياً وكأنهما أخوة لأم واحدة. غريبة وعجيبة أين ذهبت العداوة الأزلية بينهما? سبحان مؤلف القلوب وبينما هما يأكلان، كانت قطتان بائستان مشردتان تنظران إليهما من بعيد والجوع يأكل كبديهما. ووسط استغراق الشبان في إطعام ومراقبة (جون وبوسي) مر عامل بسيط بالحي يطلبه أحد سكانه لإصلاح شيء ما، فوقف هذا العامل وأخذ يراقب الوضع من بعيد واستمر بعدها ماشياً وهو يصفق كفاً بكف في استغراب وذهول مما رأي ويري ويقول (إحنا مش لاقيين ناكل يا ناس). لك حق أيها المواطن البسيط المتوسط الحال، أن تتعجب ويملأ وجهك الدهشة مما رأيت ولك العذر أيضاً، لأنك رأيت بشراً مرفهين يطعمون الكلاب والقطط أغلي أنواع اللحوم.. بينما هناك بشر لا يتذوقون اللحم إلا مرة في الشهر، بل هناك من لا يذوقها إلا من السنة للسنة. نحن لا ندعو هنا إلي تعذيب الحيوان أو تركه يموت جوعاً، لا والله، فقد أمرنا الدين الحنيف بالرفق بالحيوان.. ولكن ليس إلي حد الإفراط والتفريط وعلي حساب من لا يجد لقمة العيش الكريم ولا من يمدها لهم?! سبحان الله هناك من يغالي في العناية بالحيوانات ويرفق بها، ويموت الإنسان أمامه ولا يبالي، بل ربما كان جاره جائعاً وهو يتسلي بإطعام الكلاب والقطط من أطيب الطعام. أنشأ الغرب جمعيات الرفق بالحيوان وتدليله، بينما هم يدوسون فقراءهم وفقراء العالم الثالث، ويغتالون الكرامة والإنسانية تحت نعالهم. ومما يدمي هذا القلب هنا أننا في بلاد الإسلام ومعقل الرسالات السماوية، نري بعض شبابنا.. نراهم وقد تركوا المعالي والعلا، وصبوا بتفكيرهم وعواطفهم في أشياء غريبة، وتوافه لن تعود عليهم ولا علي أمتهم بفائدة، حتي القلوب تحجرت وماتت العاطفة، فلم يعد للإنسان قيمة وباتت قيمة الحيوان لدي البعض أغلي وأرقي من قيمة الإنسانية. لقد أحزنني جداً منظر أولئك الشبان وهيئاتهم وحركاتهم وإسرافهم، لوتجولوا بسياراتهم الفارهة خارج حدود احيائهم الغنية ودخلوا دهاليز أحياء أخري معدمة لرأوا العجب العجاب، إلا أن مناظر الشبان الغريبة وميوعة البعض تجعلنا نتألم ونقول أين الرجولة?! وكذلك حال بعض الفتيات المسترجلات اللواتي صدقن بأنهن رجال فأصبحن يحاكين الرجال في حركاتهم وسكناتهم وملابسهم وكلامهم ولم ينقصهن إلا الشوارب واللحي ليكتمل عقد رجولتهن. عالم غريب متناقض يعيشه الشبان والفتيان والأهل عنهم في سبات عميق? هل هؤلاء الشباب هم أمل الأمة ومن ستعتمد عليهم في نصرتها أوت قدمها، هل سينضم مثل هؤلاء المترفين إلي جبهات القتال لمساعدة جنودنا البواسل لدحر العدوالغاشم ومن يتربص بالوطن. لماذا لا يتم تجنيدهم إجبارياً لكي يعرفوا أن الله حق? حقاً هل يشعر امثال هؤلاء الناعمين المتأنثين بأحزان البائسين وأكبادهم تحترق جوعاً وقهراً? حقاً في هذا الزمن الموبوء إما أن تغدو دجالاً ولا مبالياً أو تصبح بئراً من الأحزان. يارب أعط قلوباً للذين لا قلوب لهم ليحسوا ويشعروا بعذاب المحروقين الجائعين نفسياً وجسدياً.. اللهم تقبل دعواتنا.. آمين!