تابعت باهتمام بالغ كغيري من الصحفيين ما حدث مما سماه الإعلام «اقتحام الصحفيين» وتأكدت حينها أن الليلة ما أشبهها بالبارحة، فشعرت أن نفثة مصدور تراودني وتعتصر قلبي عصرًا، وزفرة مكلوم تجثم على صدري جثمًا، وعَبرة مهموم تفيض من عيناي فيضًا، رأيت وطنًا يتفسخ، تتقاطع توجهات أبنائه فتعجز قواهم عن إعادة بنائه، وتتصارع رغبات الطامعين فيه وتقعد عن نيل المعالي همم بنيه، وتُعمل معاول الهدم فيه سواعد قاطنيه. هذه نفثة مصدور وزفرة مكلوم قد يشم منها رائحة كبد تحترق. وقديمًا قالوا شر البلية ما يضحك فتذكرت حينها رغم فجاجة ما حدث طرفة قديمة كانت متفشّيةً في أوساطنا نحن القرويين، وذلك أن رجلاً علت به السنون، وانقطع لخدمة المسجد والقيام عليه، ودخل ذات ليلة المسجد ليتهجد ويراعي المسجد، فوجد فاسقًا يفحش بامرأة عند المنبر؛ فذهل الرجل وجعل يبصق على الأرض مُحَوْقِلاً متأذيًا، فسمع الفاسقُ الرجلَ باصقًا، وقال للمرأة متضررًا: انظري إلى الرجل الكافر يبصق في المسجد! فأي ذنب اقترفته «الداخلية» حين أرادت تنفيذ القانون بضبط مطلوبين (أيًا كانت تهمتيهما)، لا فرق فهما مطلوبان، سواء أكانا عضوي نقابة أم كان أحدهما فقط؟ ففي دولة القانون التي ننشدها ونبغاها لا فرق بين كبير وصغير أمامه، لا فرق بين غني ولا فقير. لا فرق بين أن يحتمي المجرم أو المطلوب أمنيًا في بيته (وله حرمة كبيرة أيضًا)، وأن يحتمي في مسجد أو كنيسة أو مستشفى أو حتى في دار مسنين، ما فعله مجلس نقابتنا يكشف عن حجم العوار الذي أصابه خلال دورته هذه، حيث لم يقدموا فيها أي إنجاز على الأرض، فرأوا الفرصة سانحة لمزيد من البروباجندا قبل بدء انتخابات التجديد النصفي المقبلة، وللتشويش على إنجازات زائفة ووعود كاذبة لم يحققوا منها شيئًا، وساعدهم في ذلك المغرضون والمأجورون من الإخوان المسلمين وذويهم والاشتراكيين الثوريين ومحبيهم وساندهم كذلك صحفيو المكاتب القطرية والتركية، وما أكثرهم. منذ متى ومباني النقابات لها حصانة، وما معنى الحصانة والقدسية كما يزعمون، وإذا افترضنا جدلاً بما يقولون فهل سينطبق الأمر وستكون لنقابات الأطباء والمهندسين والتجاريين والمعلمين نفس الحصانة؟ وماذا عن الفلاحين ونقبائها ونقاباتهم العديدة والمنتشرة والمتفرقة؟. ألا تتذكرون ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يرسخ دولة القانون قولاً وفعلاً فأقسم: وأيم اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. ماذا تفعل الجهة التنفيذية إزاء لص معتصم أو قاتل محتمٍ بنقابة أو مسجد أو ديوان وزارة حتى، وماذا تقولون عن التستر على المطلوبين وعقوبته شرعًا وقانونًا، فشرعًا قال رسولنا الكريم: لعن الله من آوى محدثًا، وينطبق هذا الحديث على حالتنا هذه شكلاً وموضوعًا. أيها العقلاء اصمتوا يرحمكم الله فالعرب تشتتوا وتفرقوا، لا تضيعوا الوطن فقد كادت أرجاؤه أن تتفسخ أكثر من مرة لولا عناية الله وحفظه، وعلى الجميع التوحد والاصطفاف بدلاً من التفرق والتشرذم كما على الجهات القضائية أن توجه تهمة التستر على المطلوبين أمنيًا إلى مجلس النقابة إعلاءً لدولة العدل والقانون فإن كانوا على علم بوجود مطلوبين أمنيًا وتم التستر عليهما فتلك مصيبة وإن لم يكونوا على علم فالمصيبة أعظم.