ليلة الجمعة الماضى ودعنا شهيداً آخر من رجال الشرطة الأبطال.. الشهيد هو نقيب شرطة محمد عادل السولية الذى لفظ أنفاسه أثر انفجار عبوة ناسفة فى إحدى المدرعات بمحيط مدرسة بدائرة قسم ثانى العريش نقيب محمد عادل السولية من ضباط إدارة البحث الجنائى بشمال سيناء.. وهو من أنقذ قسم ثالث من الانفجار حيث أقدمت سيارة انتحارى لتفجيره فأطلق النار عليه ليلقى الإرهابى مصرعه عقب استشهاد السولية بساعات هاتفنى.. خبير المفرقعات النقيب محمود النوبى .. بدا حزينا.. غاضبا.. ثائراً.. لم أندهش.. السولية.. مواطن مصرى.. ضابط شرطة اسقط ضحية الإرهاب الأسود .. إذن يحق للنوبى أن يحزن.. ان يغضب.. أن يثور.. هذا حالنا جميعا مع سقوط أى شهيد سواء نعرفه أو لا نعرفه. كان القضاء على الإرهاب قضيته الشخصية..؟ سألته فى دهشة: هل تعرفه..؟! نقيم فى نفس الغرفة..!! ألجمت المفاجأة لسانى.. واصل: بدأت فى كتابة قصيدة عنه.. بمجرد أن تنتهى سأرسلها لك.. النوبى بالفعل شاعر.. ولديه قصيدة طويلة خلد فيها شهداء مصر الذين ضحوا بحياتهم لاستئصال الإرهاب.. ومعظم انتاجه الشعرى عن الشهداء لهذا لقبه زملاؤه بشاعر الشهداء خلال حوارى معه حكى قصته مع الشعر والتى بدأت حين كان فى السابعة من عمره عندما شجعه مدرس المسرح بالمرحلة الابتدائية على إلقاء الشعر والقصائد المعروفة لبعض الكتاب مثل أحمد شوقى وحافظ إبراهيم ولكنه بمرور الوقت شعر بأنه لابد وأن تكون له كتاباته الخاصة حتى يحسها حين يقوم بإلقائها فكتب بعض الأشعار البسيطة ثم توسعت كتاباته وأصبحت أقوى وحصل على المركز الأول فى الإلقاء على مستوي محافظة الأقصر ثم حصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية فى سن الثالثة عشرة وعن قصته مع الشرطة. وأخذ حبه لكتابة القصائد والقاؤها تتوغل بداخله لتصبح جزء لا يتجزأ من حياته الشخصية. وعن متى بدأ يكتب قصائد يرثى بها زملاءه الضباط من شهداء الواجب يروى النقيب محمود النوبى أنه عندما سمع لأول مرة باستشهاد الشهيد الرائد ضياء فتحى على أثر تفكيكه قنبلة ناسفة بمنطقة الهرم تساءل بداخله: لماذا يحدث هذا أولو كان طبيباً أو مهندساً أو أى شىء آخر هل سيكون هذا مصيره، وأخذ يمسك بقلمه وينعى زميله الذى ليس شرطاً أن يكون يعرفه معرفة شخصية كى يخلد ذكراه فى بضع كلمات تنزل على صدر والديه بشىء من الصبر والرضاء بقضاء الله. وعن دور وزارة الداخلية فى رعاية موهبته ومدى تحفيزه يؤكد النوبى أن الوزارة وعلى رأسها اللواء مجدى عبدالغفار والمركز الإعلامى برئاسة اللواء أيمن حلمى تقدم له كافة أشكال الدعم وتشجعه على ممارسة موهبته وتسخر إدارة المونتاج والفيديو لتسجيل قصائده على اسطوانات. وأكد النقيب محمود النوبى ضابط المفرقعات والملقب ب «شاعر الشهداء بأنه انتهى من ديوانه دماء اختلطت بالنيل «الذى حمل 40 قصيدة وهى مرتبات ل 40 ضابطا من شهداء الواجب الوطنى «محمد أبو شقرة، ضياء فتحى، أحمد حجازى، البديهى، باسم فاروق، واسلحيلى، وأيمن الدسوقى، ومحمد سمي، فادى سيف، مازن سالم، أحمد وحيد، أحمد حيدر، محمد محمود عبدالعزيز، شريف عتمان، محمد أبو حليقة، رامى الجنجيهى، حسام بهى، محمد أبو غزاله، مصطفى شمس، وليد عصام، أحمد حسين فهمى، محمد صفوت حرب، كريم فؤاد، جاويش، محمود أبو العز، أحمد الفقى، أحمد أبو الدهب، هشام عزب محمود طه، مصطفى يسرى، مصطفى حجاجى، شادى مجدى، أشرف فايد، أحمد فتحى، محمد جوده، إبراهيم صفا، وقصيدة أم الشهيد، وقصيدة لوحة شرف وقصيدة شكر للشرطة والجيش والقضاء وقصيدة أنا داعش. يجيب «النوبى» بأنه كان يحلم منذ الصغر بأنه يكون ضابط شرطة أو حربية.. وأنه نمى وصقلت قدراته البدنية بتدريبات فى الكاراتيه والمصارعة وقد حصل على مراكز أولى على مستوى المحافظة وعندما بدأت اختبارات الالتحاق فى أكاديمية الشرطة اجتازها جميعا بتفوق وأثناء اختبار كشف الهيئة طلب منه رئيس الأكاديمية فى ذلك الوقت اللواء/ طارق يسرى وبعد سؤاله عن موهبته أن يلقي عن لجنة التحكيم قصيدة من أعماله.. وحين انتهى من إلقاء القصيدة قال له «اتفضل يا محمود وألف مبروك». يقول النقيب محمود النوبى إنه لم تكن ظروف تخرج دفعته عام 2011 عادية كباقى الدفعات السابقة أو اللاحقة نظراً لما كانت تمر به البلاد من فترة توتر وعدم سيطرة على الحالة الأمنية، وشيوع البلطجة والعنف، ونظرة الناس لضابط الشرطة التى تغلفت ببعض الألفاظ الجارحة فى كثير من الأحيان، كل هذا دفعه إلى كتابة بعض القصائد التى تلهب حماس ضباط الدفعة من جديد ما انتابتهم حالة من الفتور واليأس الناتجة عن اهتزاز مكانة وهيبة رجل الشرطة فى نفوس المصريين فى ذلك التوقيت، وبالفعل فى حفل التخرج ألقى واحدة منها، وكان لها أبلغ الأثر على جمهور الحضور من الطلبة الخريجين من الضباط فى يوم تخرجهم والقيادات التى أثنت عليه فى حفل أذيع على الهواء شاهده المصريون جميعاً. ومنذ تخرجه عام 2011 خدم فى محافظة قنا وأثناءها أرسل أربعة فاكسات إلى وزير الداخلية يطلب نقل خدمته إلى سيناء بعدما وجد أن زملاءه الضباط يتم اغتيالهم واحداً تلو الآخر أثناء تصديهم للعناصر المتطرفة، ولكن قوبل طلبه بالرفض، إلا أنه استطاع فى مكانه العمل قدر المستطاع على تحقيق الأمن. لم ييأس النوبى ووجد فرصة أخرى للذهاب إلى سيناء لم يضعها، حين تم نقله إلى مديرية أمن القاهرة وجدد طلبه للمرة العاشرة، وأخيراً تمت الموافقة على النقل، إلى أرض الشرف والكرامة على حد وصفه وحصل على دورة مفرقعات. وعن موقف الوالدين من وظيفته كضابط شرطة ينتظرا فى كل ثانية أن يلقى مصير زملائه فى ظل محاربة الإرهاب الأسود وهل إذا كانوا يطالبوه يترك العمل الشرطى أم لا؟ يبتسم النوبى ويقول لقد علمانى والديا حب الوطن ويعلمان كرهى للخضوع والاستسلام، لذلك فهم لا يملكون لى إلا الدعاء، مضيفاً أنه يتمنى أيضاً أن يكون لديه إبنان أحدهما ضابط شرطة والآخر ضابط بالقوات المسلحة، بل ويستشهدا فى سبيل حماية أمن وسلامة تراب مصر الحبيبة. وعن الإحساس الذى ينتاب ضابط المفرقعات، وهو قادم على التعامل مع قنبلة متفجرة، يقول النوبى.. «أثناء صعود المدرعة للتوجه لتمشيط طريق أشعر بالفخر والثقة فى الله والعزيمة القوية التى تصاحبنى للتقدم لإزالة الخطر عن زملائى الذين سيمرون بعدى، ولكن ينتابنى التفكير فى ماذا سأفعل لو حدثت لى إصابة ولم استشهد فأدعو الله عز وجل أن تكون شهادة فى سبيله، وأثناء التقدم لتفكيك عبوة أشعر بسعادة غامرة تنتابنى لأنى سأدفع ضررا عن زملائى وسأصلح ما أفسدوه، ولا أبالى ولا أهابها ففرحتى بالعمل الذى أقوم به تجعلنى أنسى ما قد يحدث لى فأنطق الشهادة وأشعر بأننى مجاهد فى سبيل الله».