أوصت هيئة مفوضي الدولة في تقريرها الصادر عن دائرة الاستثمار برئاسة المستشار محمد الدمرداش نائب رئيس مجلس الدولة ببطلان بيع شركة النصر للملابس والمنسوجات في الدعوي المرفوعة برقم 19291 لسنة 66 ق.والتي اختصمت كلا من:رئيس مجلس الوزراء " بصفته " .،و وزير الاستثمار" بصفته " .واحالة الدعوي الي المحكمة الدستورية العليا وقد جاء بصحيفة الدعوي ؛ أن شركة النصر للملابس والمنسوجات "كابو " كانت من ضمن الشركات المصرية للشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس وكانت احدي الشركات الرائدة في هذه الصناعة ، إلا أنه في ظل برنامج الخصخصة وبيع مصر وشركاتها وعمالها قامت الشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس في 11/6/1997م ببيع غالبية الأسهم في تلك الشركة وأصبحت لا تمتلك سوي 7% فقط من أسهمها ، وقد تم هذا البيع بمبلغ 198 مليون جنية فقط علي الرغم من أن الشركة كان بها مخزون من الإنتاج قيمته 129 مليون جنية وكان لها بالبنوك وديعة مالية قيمتها 29 مليون جنية فضلا عن ثمن الأرض والمباني التي قدرت حينها بمبلغ 240 مليون جنية ، وعندما تمت عملية البيع بدا المستثمرون في عملية ممنهجه لهدم أركان الشركة وقاموا بطرد العمال ، وحيث أن ما تم منذ بداية عملية بيع الشركة حتى اليوم هو حلقة من حلقات الإضرار بالاقتصاد القومي ويكشف عن مخطط محكم لإفقار مصر وأعد المستشار أسامة الجرواني مفوض الدولة تقريره بالرأي القانوني في الدعوي المقامة وانتهي فيه إلي : أولا وبصفة أصلية : وقف الدعوى تعليقيا وإحالتها بحالتها بغير رسوم إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدي دستورية ما تضمنته المادة الأولي والثانية من القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014م بتنظيم الطعن علي عقود الدولة ، وبصفة احتياطية : بعدم قبول الدعوي لرفعها من غير ذي صفة . واستند التقرير في إحالة نصوص القانون قم 32 لسنة 2014م بشأن تنظيم بعض إجراءات الطعن علي عقود الدولة إلي المحكمة الدستورية العليا إلي مخالفة نصوصه للمواد ( 22 ، 33 ، 34 ، 53 ، 97 ) من الدستور المصري الصادر في 2013م كما يلي : أولا : مخالفة نصوص المواد ( 32 ، 33 ، 34 ) من الدستور . ومن حيث إن النصوص الدستورية المشار إليها ( 32 ، 33 ، 34 ) ولئن نصت صراحة علي التأكيد علي حماية الملكية العامة ، إلا إنها لم توضح وسائل تلك الحماية ومن ثم فإن المصادر الأخرى للقانون قد تكفلت بسداد هذه الثغرة أخذا بالمبدأ العام بضرورة اطراد سير المرافق العامة وعدم قابليتها للتصرف فيها – بيد أن وسائل الحماية هذه وإن كانت تسري لردع تعدي أفراد المجتمع علي المال العام – فإنها تسري أيضا لمواجهة تصرفات الدولة الخاطئة إذا أبرمت تصرفا زال معه مضمون الحماية الدستورية التي كفلها القانون له – وتتحقق أوجه الحماية في هذا الصدد بتقرير قاعدة عدم جواز التصرف في المال العام بحيث إذا ما تم ذلك التصرف عدا باطلا ويشمل ذلك التصرف بمقابل كالبيع أو بدون مقابل أي مجانا بطريق الهبة – باعتبار أن المال العام ليس مملوكا للدولة بذات السلطات التي يمتلكها الأفراد بالنسبة لما يملكونه لأن المال العام خارج إطار التعامل بموجب تخصيصه للنفع العام ويد الدولة عليه أقرب إلي يد الأمانة والرعاية منها إلي يد المتصرف . وتتحقق وسائل حماية الملكية العامة في مواجهة تصرفات الدولة بحق الأفراد أصحاب الصفة والمصلحة الأصلية والأصيلة في التجائهم إلي القضاء – فحق التقاضي في تلك الحالة هو وسيلة لغاية أسمي وأهم مناطها الحفاظ علي الملكية العامة من ناحية – ومن ناحية أخري تفعيل دور الرقابة الشعبية ضد مظاهر اعتداء الدولة ذاتها علي الملكية العامة إذا ما أساءت التصرف والإدارة علي نحو مخالف للقانون أو يهدد حقوق المجتمع – ومن ناحية ثالثة إقامة نوع من التوازن بين سلطات الدولة في إدارة المال العام وبين حق الأفراد في الدفاع عن الملكية العامة وما يقتضيه ذلك الحق من مراقبة تصرفات الإدارة المسئولة والقوامة علي إدارة المال العام وهذا الحق إنما هو مشتق من مضمون النصوص الدستورية والتي تؤكد علي هذا المعني حال استنباطها الهدف من خلال ما تقره تلك النصوص من مبادئ دستورية استقرت وعلت وتأكدت طبيعتها حتى لو لم ينص عليها الدستور صراحة فهي مبادئ انبثقت من أصل الحق وطبيعته ومدي ارتباط النصوص الدستورية بنصوص أخري أكثر قوة في عباراتها ومن خلالها يمكن تخريج واستنباط المعني من خلال الدلالات القانونية وما يعنيه ترتيب النصوص الدستورية استنادا إلي وحدة الموضوع ونوع الحق المنصوص عليه ويفهم من ذلك ؛ انه ومن أجل استخلاص هدفا معينا ومقصد بذاته في نص من النصوص الدستورية إذا كانت عباراته حمالة لأوجه متعددة فإنه يمكن البحث عن الهدف في نصوص أخري قاطعة الدلالة علي مراد المشرع الدستوري متى كانت النصوص ذات ارتباط عضوي وموضوعي أو متصلة بذات الهدف – ولبيان ذلك فإن الدستور وإن كان في نصوصه 32 ، 33 ، 34 لم يشر إلي حق الأفراد في حماية المال العام مثلما فعل في دستور 1971م و 2012م إلا أن هذا الحق هو حقا يستفاد ضمنيا من طبيعة الملكية العامة وما قصده المشرع في تلك النصوص من إخراج هذا المال من دائرة التعامل وعلة إخراجه منها باعتبار أنه مال مملوك علي الشيوع لكل أفراد الشعب لذلك فهو مفهوم مستقر وثابت ولا يتغير بتغير النصوص الدستورية سواء تم النص عليه أم لم يتم لأنه مشتق من أصل الحق ومضمونه . ولما كان ذلك وحيث أن المادة الأولي من القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014م وفقا لما جري عليه نصها فإنها لم تستبعد الملكية العامة والأموال العامة من دائرة التصرفات التي يمكن أن ترد ضمن عقود الدولة ، بحيث انه وبموجب هذه المادة أضحي من حق الدولة أو أحد أجهزتها العامة التصرف في الملكية العامة أو أحد أصول الدولة وهو الذي يعد في حد ذاته مخالفا لأحكام الدستور ، فالمخالفة هنا لا تتعلق بتحصين عقود الدولة أو حتى إدراج شروط معينه بقدر ما تتعلق بنوعية المال محل التعامل وعدم استبعاد الملكية العامة والمال العام من دائرة التصرفات واحترام الحماية الدستورية لتلك الأموال وما يستتبعه ذلك من غل يد الدولة عن التصرف في الملكية العامة . ثانيا : مخالفة نص المادة 53 من الدستور . ومن حيث أن المادة الأولي من القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014م قد حظرت الطعن علي العقود الإدارية التي تبرمها الدولة أو أحد أجهزتها الاعتبارية العامة علي النحو المبين بها بما في ذلك الطعن علي القرارات السابقة علي إبرام تلك العقود في مخالفة صريحة لمبدأ المساواة في المراكز القانونية المتساوية ، ذلك أن من المفترض أن جميع المتناقصين والمتنافسين منذ إعلان الجهة الإدارية رغبتها في التعاقد متساوون في الحقوق والواجبات وتلك القاعدة أوجبتها طبيعة العقد الإداري ، وبالتالي فشبهة عدم الدستورية في تلك المادة إنما يرتكز بصفة أساسية علي أن القرار بقانون قد ساوي بين القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد والسابقة علي عملية إتمام التعاقد وبين العقد ذاته ، فحينما يكون الطعن علي العقد بين طرفيه أمرا مقبولا إعمالا لمبدأ نسبية آثار العقد فإن تلك القاعدة لا تستقيم بالنسبة للقرارات الإدارية السابقة علي إتمام التعاقد ، ففي تلك الحالة يكون لكل ذي مصلحة شخصية ومباشرة من المتنافسين بشأن الفوز بإبرام العقد أن يطعن علي تلك القرارات استقلالا استنادا إلي دعوي الإلغاء إذا ما تراءي له ان تلك الإجراءات قد تمت بالمخالفة لأحكام القانون ، وبالتالي فإن حظر الطعن علي كليهما إلا من أطراف العقد دون الاعتداد بأصحاب المصلحة الشخصية والمباشرة في الطعن علي القرارات الإدارية السابقة علي عملية التعاقد يعد مخالفا لمبدأ المساواة بين المتنافسين وأصحاب المراكز القانونية الواحدة . ثالثا : مخالفة المادة (97) من الدستور . ومن حيث أن المادة الأولي من القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014م بتفسيرها الواضح الجلي وفهم مدلول عباراتها الواضحة قد مست أصل الحق المنصوص عليه دستوريا وتناقلته الوثائق والمبادئ الدستورية ردحا طويلا من الزمن بحيث أضحي مبدأ دستوريا معترفا به ولو لم ينص عليه الدستور صراحة والمساس بأصل الحق هنا والذي عصفت به تلك المادة إنما يتفرع منه أمرين : الأول وهو إنكار حق أفراد الشعب في الملكية العامة وما يرتبط به من وسائل الرقابة والحماية للمال العام ، والثاني وهو مصادرة حق التقاضي وإن كان في صورة تنظيم له حيث أغلقت طريق الطعن في العقود الإدارية التي تبرمها الدولة عن صاحب الصفة الأساسية في مراقبة الدولة فيما تبرمه من تصرفات تتعلق بإدارة الملكية العامة أو المال العام أو من طرفي العقد وجعلت نطاق الطعن مقصورا علي أصحاب الصفة الفرعية ممن لهم حقوق شخصية أو عينية علي المال موضوع التصرف ، في مخالفة صريحة لمفهوم الملكية العامة وخروجا بها من نطاق التعامل نصا وروحا وإهدارا لحق أفراد الشعب في مراقبة تصرفات الدولة وتقويم اعوجاجها سواء كانت في صورة مباشرة أو في صورة غير مباشرة ، فضلا عن تفويت حق الالتجاء إلي القضاء عن أصحاب الصفة والمصلحة المباشرة من المتنافسين في الطعن علي القرارات السابقة علي عملية التعاقد عن طريق تحصين تلك العقود من الطعن عليها . وحيث لا يقيل هذا النص من عثرته الدستورية ما تضمنه من فتح باب الطعن علي عقود الدولة إذا ما صدر حكما جنائيا في احدي جرائم المال العام وتم إبرام العقد استنادا إلي تلك الجرائم ، فمن الواضح وفقا لتلك الصياغة أن المشرع قد خلط بين إبطال العقود الإدارية لمخالفتها للقواعد والإجراءات التي بينها القانون لإبرام تلك العقود وبين حالة إبطال تلك العقود استنادا إلي إبرام العقد كنتيجة لإحدى جرائم المال العام ، فالبين بينهما شاسع ومختلف ، كما أن تعليق دعاوي إبطال عقود الدولة علي صدور أحكام جنائية في احدي جرائم المال العام لا يستنزف اختصاص مجلس الدولة باعتباره صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات المتعلقة بالإجراءات السابقة علي العملية التعاقدية بالمعني الفني الدقيق ، والتي تقوم علي أساس ولايته في دعاوي الإلغاء ، أخذا بعين الاعتبار أن الاختصاص القضائي لمجلس الدولة والاختصاص الجنائي للمحاكم الجنائية مستمد كلاهما من أحكام الدستور بيد أنه ينبغي دائما تطبيق أحكام الدستور علي نحو يحقق التناسق والانسجام بينها وهو ما فتئت المحكمة الدستورية العليا علي تأكيده ، ومن ثم فإن القرارات الإدارية التي تسبق عملية العقد بالمعني الفني الاصطلاحي ، إنما هي من الأعمال الإدارية التي تباشرها جهة الإدارة في هذا المقام ، وليس في اضطلاع الجهة الإدارية بهذه الأعمال أو في الرقابة القضائية علي سلامة قراراتها الصادرة في هذا الشأن ما يعني مساسا باختصاص المحكمة الجنائية أو انتقاصا لسلطاتها إذا ما تعلق الأمر بجريمة من جرائم إهدار المال العام ، كما أن الفصل في سلامة القرارات الإدارية الصادرة في شأن الإعداد للعملية التعاقدية – بالمفهوم الفني الاصطلاحي الدقيق لهذه العملية – هو في الأصل اختصاص قضائي لا يفترق عن غيره من الاختصاصات القضائية فلا تنأي القرارات الصادرة في هذا الشأن عن الرقابة القضائية أو تنسلخ عنها ، وإذا كان قاضي المشروعية المهيمن دستورا علي كافة مناحي المنازعات الإدارية ، حريصا علي اختصاصه نزولا علي أوامر النصوص الدستورية ، فإنه لا يقل حرصا علي ألا يتجاوز اختصاصه تطاولا علي اختصاص تقرر لجهة أخري ، فقاضي المشروعية يلزم نفسه قبل غيره بأن يكون معبرا صادقا عن إرادة المشرع ، في مختلف مدارج التشريع دستورا كان أو قانونا ، فيمارس اختصاصه كاملا ولا يتعداه ، انحناء لصحيح حكم المشروعية ، ونزولا علي اعتبارات سيادة القانون . ولما كانت المادتين الأولي والثانية من القانون سالف الذكر هما الواجبتين التطبيق علي النزاع الماثل ، الأمر الذي يتعين معه وقف الدعوى الماثلة تعليقيا وإحالة الأوراق بغير رسوم إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدي دستوريتهما في ضوء النصوص الدستورية سالفة الذكر .