كانت مصر الرسمية في العهد البائد، تتجاهل رفقاء حزام حوض النيل فى القارة الإفريقية واعني بالتجاهل هنا محور التنمية في هذه الدول، بل وتتعالي عليهم في القمم الجامعة لقضاياهم بعدم التمثيل الرئاسي في أغلبها. وباستثناء الصندوق الفني للتعاون مع إفريقيا والذي انشأته وزارة الخارجية لدعم دول القارة السمراء بالخبرات المصرية في العديد من مناحي الحاجة التعليمية والدينية والصحية الروتينية، فلم يكن هناك شىء يذكر يرفع قيمة العائد التنموي علي شعوب القارة السمراء باستثمارات مصرية حقيقية موجهة رأسا في شكل خطط مجهزة خصيصا لتنمية دول حوض النيل، فكانت المحصلة أن ارتمي معظمها وخاصة أثيوبيا في حضن الكيان الصهيوني. ان شئت الدقة ، فقل وبصريح العبارة ان القاهرة افسحت الطريق وعن طيب خاطر لاختراق إسرائيل لمكمن الداء في علاقة الأولي بأديس ابابا، فلوثته الأخيرة بطرح بناء سد يحجز مياه النهر لتوليد الكهرباء، فيما تمر الحقيقة باتجاه تخطيط صهيوني للسيطرة علي منابع النيل! حين تتابع الموقف الرسمي المصري منذ إعلان أثيوبيا قبل أربع سنوات تقريبا عن نيتها بناء سد الألفية الصهيوني الفكرة، تجد هزلا، تباينت اصداؤه بين تشدد رسمي للرئيس الاثيوبي الراحل ميليس زيناوي بنسف سد النهضة بالسلاح الجوي حال الاصرار علي بنائه، وبين تدليل مفضوح يتلخص في دعوة المنتخبات الرياضية الافريقية وخاصة الممثلة لدول حوض النيل للمشاركة في بطولة ودية لكرة القدم استضافتها القاهرة، لم تبلع معه أديس أبابا “ الطعم “ حين رفضت المشاركة فيها، وأسقط في يد القاهرة التي أدركت ان سطحية الفكرة المصرية لم تنطل علي القرار الاثيوبي الذي أيقن أنه الأقوي !! وحين تفتق ذهن الحزب الوطني الحاكم آنذاك علي بديل آخر لترميم العلاقات المصرية الإفريقية في شكل دعوة سفراء دول القارة السمراء المعتمدين بالقاهرة ، واضافتهم إلي أجندة الوزراء المحاضرين لشباب الجامعات المصرية بمعسكر أبو قير الصيفي بالإسكندرية، وفي المقدمة بالطبع سفير أثيوبيا بالقاهرة، أدركوا المغزي، ورفض أغلبهم الحيلة الجديدة، ودخلت تل أبيب علي الخط بين القاهرةوأديس ابابا وضغطت علي السفير الاثيوبي بالقاهرة لعدم الاستجابة أو المشاركة فيما دعت إليه مصر، فكان ذلك بمثابة غلق كل الأبواب أمام القاهرة، لم تفلح معه محاولات الكنيسة المصرية بالتواصل مع الكنيسة الاثيوبية للبحث عن مخرج بالتراجع مقابل الوعد بإنشاء مشاريع تنموية تعوض دولة المنبع عن بناء سد الألفية الملقب ب" النهضة" فيما بعد !! خياران لا ثالث لهما ، في تقديري، ينبغي علي الدولة المصرية المضي في طريقهما، الأول يتبني سبيل التهدئة ودراسة كافة الأخطار المترتبة علي بناء السد “الأزمة “، خاصة بعد ان تبين وفق التقرير الذي نشرته “ المصري اليوم" أمس الأول منسوبا إلي الحكومة، انه وفي حالة “الملء والتشغيل" للسد ستتم زيادة الانخفاض في توليد الكهرباء من السد العالي ليصل إلي 4500 جيجاوات، أي بنقص قدره 37% مع حدوث عجز كلي في توليد الطاقة الكهربائية ليصل إلي 41 عاما، ذلك خلال المئة عام المقبلة فضلا عما أكده التقرير الذي أعدته لجنة شكلتها الحكومة من 20 خبيرا ومسئولا من وزارات الري والكهرباء وأساتذة الجامعات، يفيد بأن هناك خطورة من إنشاء سد النهضة علي الأمن المائي لمصر، “ لأنه سيحدث عجزا كليا في إيرادات النهر أمام السد العالي تصل إلي 44.7% مليار متر مكعب خلال 4 سنوات “ ، وأن اثيوبيا- بحسب التقرير ذاته- لن تقبل بتقليل إنتاج الكهرباء من سد النهضة لصالح توفير المياه لمصر. هنا نكون وجها لوجه أمام الخيار الثاني وهو المتشدد، وطبيعته متروكة لصاحب القرار السياسي، ما لم تقبل أديس ابابا بالنقاش الودي حول إنشاء سد بسعة تخزينية أقل أو بإنشاء سد له سعة تخزينية كبيرة ولكن في أعالي النيل الأزرق مثل سد “ كارادوبي"، وهو حل منقذ ، يتبعه إنشاء عدد من السدود التي تعتمد علي السريان السطحي وهو ما ينتج عنه نفس كمية الكهرباء دون تأثيرات كبيرة علي دول المصب، وهو ما يتم تنفيذه في معظم أنهار العالم بحسب رأي الخبير الدولي الأمريكي أريس جورج أكاكو أحد الأعضاء المشاركين في اللجنة المصرية لتقييم السد “. بخلاف ذلك، فلا أعرف طبيعة الخيارات أو السيناريوهات الجاهزة والتي لمحت إليها حكومة الدكتور هشام قنديل قبل أيام حال التعنت الاثيوبي وعدم التراجع عن عزمها تعطيش مصر وشعبها، اللهم إلا رسالة القاهرة للسفير الاثيوبي بها:" التزموا بتعهداتكم “، ولا أعرف كذلك ما إذا كانت هذه العبارة تحمل تهديدا جادا بسوء العاقبة وهو ما نتمناه، أم قلة حيلة لا تملك معه الدولة المصرية إلا الرجاء؟! This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.