"لماذا سقط الإخوان؟" هو عنوان الكتاب الأحدث للدكتور خالد منتصر الذي ناقشه المقهى الثقافي بمشاركة الدكتور فريد زهران في ندوة جاءت كالملح على الجرح بعد أحداث دامية جعلت الحضور يتفاعل مع محور المناقشة ليبث وجعه بوطن يحترق. في البداية قال الشاعر شعبان يوسف مسئول المقهى الثقافي إن إقامة هذه الندوة واستمرار فعاليات معرض الكتاب رغم التفجيرات الدنيئة، هو أكبر دليل على إصرار هذا الشعب العظيم على الحياة، ومهما بدر من هذه الجماعة الخائنة سنمضي قدماً في تقديم ندواتنا في معرض الكتاب، ولعل الحوادث الأليمة التي جرت في هذا اليوم العصيب تؤكد على أهمية الحدث الذي يستضيفه المقهى الثقافي. فمن خلال كتاب "لماذا سقط الإخوان" قدم المؤلف رؤية ثاقبة في سياسة جماعة الإخوان الإرهابية خلال فترة حكم مرسي وكيف لفظها الشعب المصري، نحن إزاء قامة ثقافية هو الدكتور خالد منتصر أحد الرموز المضيئة التي حاربت قوى الظلام والتخلف من خلال الرؤى المستنيرة والفهم العميق لجوهر الدين الإسلامي المعتدل. أما الدكتور فريد زهران فأبدى إعجابه الشديد بالكتاب الذي طرح سؤالاً قد تبدو الإجابة عليه سهلة للوهلة الأولى، فالسبب الظاهر لسقوط الإخوان هو ممارساتهم التي عانى الشعب المصري منها في سنة سوداء من حكم الجماعة التي لا تعرف إلا الخيانة والعنف والدم، أما الأسباب العميقة التي أوصلت الإخوان إلى حافة الهاوية هي ما يكشف عنها خالد منتصر بمبضع جراح ماهر يعرف مواطن الأورام الخبيثة التي انتشرت في جسد هذه الجماعة وأفكارها. وأضاف زهران: مررنا في السنوات الثلاثة الماضية بالعديد من الأحداث السياسية التي تستوجب النظر والتأمل، خاصة ظاهرة الإسلام السياسي التي زرعت جماعة الإخوان المسلمين في تربة الحياة السياسية فأفسدوا فيها ما أفسدوا حتى كادوا يدمرون المجتمع بأسره. لذا يقدم لنا خالد منتصر في كتابه "لماذا سقط الإخوان" مجموعة مقالات تحمل شهادته الحية عن هذه الفترة الحرجة من عمر الوطن، وللكتاب أهمية فائقة في الكشف عن خبايا المعركة التي خاضها الشعب المصري ضد الجماعة الإرهابية، وإيضاح الرؤية السياسية لكاتب طالما فضح الجرائم التي يرتكبها هؤلاء في حق الشعب متسترين تحت عباءة الدين. وفي كلمته آثر الدكتور خالد منتصر أن يبدأ بموقف شخصي حدث معه أثناء دراسته بكلية الطب ما جعله يكون رؤية لجماعة الإخوان المسلمين توضح إصراره على هذا الكتاب، حيث قال: خدمني القدر عندما جمعني برموز الإخوان المسلمين أمثال حلمي الجزار وعصام العريان أثناء دراستي بكلية الطب، كنت أنا في السنة الأولى وعصام العريان رئيس اللجنة الثقافية في الجامعة، رأيت عن قرب كيف يتعامل هؤلاء مع الآخرين وما الحيل التي يعمدون إليها لجذب الطلاب والطالبات للانضواء تحت لوائهم وعرفت أنه لا علم ولا فن مع هذه الجماعة، أذكر كيف منعوا بعنف حفلاً فنياً كان مقرراً إقامته في الجامعة. تجربتي مع الجماعة وقراءاتي المتعمقة في تاريخها وفي تاريخ الحركات الإسلامية التي نشأت في العالم العربي جعلتني أكتشف جوانباً خفية في أفكار هذه الجماعات والمبادئ التي تعتنقها. وأضاف منتصر: في كتابي حاولت أن أجيب على سؤال "لماذا سقط الإخوان" كفكرة وليس كتنظيم، هذا هو السؤال المحوري الذي يجدر بنا كمثقفين الإجابة عليه. فتفكك الإخوان كتنظيم يمارس العنف لا يهمني بقدر ما تهمني الأفكار التي تمثل وقود هذا العنف وغذاءه، لأن الخطورة الحقيقية تكمن هنا في انتشار هذه الأفكار وتوارثها من جيل إلى جيل وعدم القدرة على السيطرة عليها، وإذا أردنا الإجابة على هذا السؤال سنجد أنفسنا أمام خيوط كثيرة متشابكة توصل جميعها إلى النتيجة التي سطرها الشعب في ثورة 30 يونيو. وأكد أنه دأب في كتابه على توثيق تفاصيل الجرائم التي ارتكبها الإخوان المسلمين خلال فترة حكم محمد مرسي وما قبلها إلى يوم 30 يونيو، لأن آفتنا الحقيقية في "ذاكرة السمك" التي نعاني منها، أحداث كثيرة تسقط من ذاكرتنا تؤدي إلى فقدان الوعي السياسي. يواصل: أذكر أن أكثر مشهد هزني هو مشهد "مينا فيليب" الذي سحله الإخوان أمام الإتحادية، يُسأل وهو ينزف ما اسمك فينسى اسمه من هول ما رآه من تعذيب. وقلت في كتابي أن انهيار وطن بأكمله يساوى هذا المشهد الذي أظن أنه أخطر من تفجير مديرية الأمن، لأنه يمثل الانهيار التام للوجدان. وغيره من المشاهد واللقطات السريعة التي جمعتها لتؤرخ هذه الحقبة السوداء من تاريخنا. هناك ثلاث أسباب رئيسية رأى منتصر أنها دفعت الشعب المصري إلى الانتفاضة على نظام الإخوان المسلمين، أولها فقدهم لأدنى درجات الشعور بالوطنية والانتماء إلى هذه الأمة المصرية وتفريطهم في حق المواطن المصري لحساب المواطن الحمساوي، وكفاحهم في سبيل طمس الهوية المصرية وهو ما يتضح من خلال محاولتهم تسيير الوجدان المصري على كتالوج متزمت مظلم. ما جعل المصريين يشعرون أن هذه الجماعة جسم غريب دخيل عليهم. أما السبب الثاني فهو فقدهم الإحساس بالقانون تجلى ذلك في حملات الهجوم العنيف التي شنها أعضاء الجماعة وحلفاءهم على القضاة ومحاصرة المحكمة الدستورية. فضلاً عن فقدهم الشعور بالزمن ربما نتيجة الفترات الطويلة التي قضاها أعضاء الجماعة في السجون. وأكد منتصر أن الغوص في فكر الإخوان المسلمين يكشف لنا أبعاداً خطيرة في طريقة تنشئة العقل الإخواني، فالفكر الذي يقوم على أساس التعالي الديني واحتكار الإسلام وتكفير الآخرين واحتقارهم لعدم إيمانهم بأفكار الجماعة، هو ما أنتج لنا أفراد على أتم الاستعداد لتفجير أنفسهم في سبيل الأوهام التي يعتنقونها، وأظن أن وصول العنف إلى هذه المرحلة يضعنا في معركة حقيقية فاصلة تستوجب منا تغير استراتيجية التعامل مع هذه الجماعة، فالتعامل الأمني وحده لايمكن أن يكبح انتشار ثقافة العنف والدم. التصعيد الإرهابي يجب أن يقابله تصعيد ثقافي نخوض فيه معركة ثقافية تعليمية شاملة لمواجهة الأفكار الظلامية التي تغذي الإرهاب. وأضاف: للأسف تتعامل الدولة مع الجماعة الإرهابية وفق منظور ضيق يرى أن الحل الأمني هو الطريق الوحيد للسيطرة على الجماعات المتطرفة، ويغيب دور المثقف الذي يجب أن يكون شجاعا يتبنى موقفاً واضحاً من هذه الجماعة ولا يمسك العصا من النصف، وذلك برده على العقلية المتحجرة بالعقل والمنطق الذي يزعزع أرضية هذه الأفكار المتصلبة ويزيح عنها الخزعبلات ويجذبها إلى ملعب الاستنارة والفهم المعتدل للدين الاسلامي. فالمواجهة الأمنية وحدها تعمق من خطورة هؤلاء، وتمهد الطريق لانتشار ثقافة الإرهاب من جيل إلى جيل. وأشار منتصر إلى وجود عوامل عديدة أدت إلى استفحال الفكر المتزمت داخل هذه العقول، منها إنكماش التيار الصوفي المتسامح داخل فكره وانغلاقه على نفسه، فلو أخذ هذا التيار فرصته في الالتحام أكثر مع المجتمع المصري ما كان لدينا هذا الفكر المتشدد الذي أفرز ثقافة الإرهاب، وتلاشت في سبيل ذلك القيم المدنية في ظل فكر عقيم لا يمكن أن يبني حضارة لأنه يكفر جميع بواعثها، يعادي العلم والفن الذي على أساسه تقوم الحضارات، والدليل أن منهم لم يخرج مبدعاً واحداً، ومحزن جداً أن نرى الإسكندرية التي أنجبت سيد درويش أصبحت مفرخة إرهاب. كذلك لا يتفق المنهج العلمي الذي يعتمد على نسبية التفكير مع التفكير المطلق ومبدأ السمع والطاعة الذي تتبناه تيارات الظلام. واستنكر منتصر تسرب هذه الأفكار إلى العقول، وتساءل هل يعقل أن تتحول مجلة "الأزهر" إلى صوت الإخوان المسلمين، ويرأس تحريرها الدكتور محمد عمارة الذى يبث سمومه بتكفير المصريين علناً؟! هذا هو التناقض الذي نعيشه، فما زالت مناهج الأزهر وطريقة التدريس بجامعاته ومعاهده تنتطوي على فهم ضيق للدين لا يمنع من انتشار الأفكار المتطرفة، رغم أن مهمة الأزهر الأساسية المحافظة على وسطية الإسلام واعتداله. تفاعل الحضور كثيراً مع حديث الدكتور خالد منتصر الذي فتح باب المناقشة مع الجمهور، فسأله أحد الحضور لماذا تهاجم الأزهر الشريف وتعمم بعض الأفكار الشاذة التي تحويها مناهجه على نظامه التعليمي ككل؟. وجاوب منتصر قائلاً: أنا لا أهاجم الأزهر، فهو كان وما زال منارة الإسلام الوسطي. لكني أوضح كيف صودر لصالح تيار معين يحارب التنوير، فعندما تدخل التعليم الأزهري يفرض عليك فكر مقولب يعاني إشكالية عميقة في فهم الدين والنصوص الشرعية. يجب أن يكون أكثر استنارة يسمح بالاختلاف في قراءة الدين والتاريخ الإسلامي، كما يجب أن ينقى من جميع الأفكار الظلامية. وسأل أحد الحضور منتصر عما إذا كان الشعب سيخدع مرة أخرى في جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية بدعوى عدولها عن العنف ومراجعتها لأفكارها؟، أجابه بأن الشعب تلقى الدرس جيداً ولا يمكن أن يلدغ من الجحر مرتين. كما أن هذه المراجعات الفكرية خطيرة جداً لأنها غالباً ما تكون شكلية تشبه الدهان الذي يخفي جدار متهالك، فالجماعة الإسلامية بعد أن تراجعت عن العنف نراها تنخرط في صفوف الإخوان المسلمين وتشهر السلاح في وجه الوطن لأن مصالحهم توحدت في هذه الفترة.