في ختام عشر سنوات من الشد والجذب ومن دبلوماسية التهدئة والحوار في مقابل دبلوماسي فرض العقوبات بين إيران والقوى الكبرى ، وتحديداً منذ أن رصدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أغسطس 2003 آثار يورانيوم مخصب في "ناتنز" بوسط إيران ، إلى 24 نوفمبر 2013 موعد توقيع الاتفاق النووي المرحلي بين إيران والقوى الكبرى الممثلة في مجموعة "5+1"، الذي خفف بعض العقوبات المفروضة على طهران ، مقابل قيامها بالحد من أنشطة برنامجها النووى ، وفتحه أمام عملية تفتيش دولية أوسع لمدة 6 أشهر، فيما يجرى التفاوض على "حل كامل". وخلال الفترة الممتدة بين هذين التاريخين ، أغسطس 2003 ونوفمبر 2013 ، جرت في الآفاق أحداث وتطورات كبيرة ، ففي كل مرة تعلن فيها إيران عن تحقيق تقدم تقني في مجال امتلاكها للبرنامج النووي ، تقوم على الفور الدول الكبرى بتشديد الخناق عليها من خلال فرض عقوبات اقتصادية تطال معظم قطاعاتها الانتاجية من أجل إثنائها عن المضي قدماً في برنامجها النووي ، ولكن هذه العقوبات لم تجد نفعاً في هذا السياق ولم تزد طهران إلا إصراراً على حقها في إمتلاك برنامج نووي. ورغم تعاقب رؤساء إيرانيين من تيارين مختلفين على سدة الحكم في طهران، إلا أن عقيدة إمتلاك النووي كانت ثابتة وراسخة في منظومة النظام السياسي الإيراني ، وكان الإختلاف الأوحد يتمثل في إدارة هذا الملف مع القوى الكبرى الرافضة له. وفي هذا التقرير يمكن رصد أبرز محطات ومفاصل التطورات التقنية والتكنولوجية التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني ، ومن ثم أبرز العقوبات الاقتصادية الغربية التي طالت إيران في هذا المضمار. أولاً: محطات ومفاصل التطور التقني للبرنامج النووي الإيراني وهي كما يلي: رصدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أغسطس 2003 آثار يورانيوم مخصب في "ناتنز" بوسط إيران. وفي الثامن من أغسطس 2005 وبعد انتخاب المحافظ محمود أحمدي نجاد رئيسًا لإيران، استأنفت إيران نشاطات التخصيب في مصنعها لتحويل اليورانيوم في أصفهان (وسط إيران) ، وفي 11 إبريل 2006، أعلنت إيران أنها قامت للمرة الأولى بتخصيب اليورانيوم (بنسبة 3,5 بالمائة). وفي السادس من يونيو من نفس العام ، طلبت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا، من طهران وقف التخصيب مقابل حوافز (مساعدة لبناء مفاعلات تعمل بالمياه الخفيفة وامتيازات تجارية). ورفضت إيران هذا العرض في 22 أغسطس 2006. وفي السابع من نوفمبر 2007 أعلنت إيران أنها باتت تملك أكثر من ثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي، في مرحلة رمزية تسمح نظريًا بالحصول على كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع قنبلة ذرية خلال عام واحد. وفي 14 يونيو 2008، تقدمت الدول الست الكبرى بعرض جديد لكن الرئيس أحمدي نجاد قال إن الجمهورية الإسلامية "لن تتراجع قيد أنملة". في التاسع من أبريل 2009 افتتحت إيران مصنعًا للوقود النووي ، وفي الخامس والعشرين من سبتمبر من نفس العام كشفت الدول الغربية وجود موقع سري لتخصيب اليورانيوم في فوردو (وسط). ثم في الأول من أكتوبر 2009 استؤنفت مفاوضات بين إيران والغرب في جنيف أفضت إلى اتفاق مبدئي على تخصيب اليورانيوم (بنسبة 20 بالمائة) لمفاعل أبحاث طهران، في الخارج. لكن الاتفاق لم ينفذ. وفي التاسع من فبراير 2010، أعلنت إيران أنها بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة في ناتنز، ثم في السابع عشر من مايو في ذات العام، اقترحت طهران مع تركيا والبرازيل مبادلة الوقود النووي الإيراني على الأراضي التركية في مقابل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة. وفي 22 يناير 2011، فشلت محادثات جديدة في أسط نبول بين إيران والدول الست التي استؤنفت بعد 14 شهرًا من توقفها، ثم في الرابع من سبتمبر نفس العام، تم ربط محطة بوشهر النووية الإيرانية الوحيدة بشبكة الكهرباء. وفي 14 إبريل 2012 تم استئناف المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 في إسطنبول ثم في بغداد (24 مايو) وموسكو (19 يونيو) بدون أن تحقق أي تقدم يذكر، وعلى ضوء ذلك الفشل وفي 16 نوفمبر من ذات العام، حذرت الوكالة الدولية للطاقة النووية من أن طهران أنهت تجهيز فوردو وزادت إلى حد كبير قدرته على التخصيب. وشهد عام 2013 بداية الانفراج في أزمة الملف النووي الإيراني، إذ تقدمت مجموعة 5+1 في 26 فبراير 2013 في آلماتي (كازاخستان) باقتراح جديد يطلب تعليق التخصيب، ثم فشلت المحادثات في 6-7 إبريل. ومع تولي الرئيس الإيراني حسن روحاني سدة الحكم أكد في 6 أغسطس 2013 أنه مستعد "لمفاوضات جدية"، وفي 27 سبتمبر الماضي تحدث هاتفيًَا مع أوباما في أول حوار مباشر بهذا المستوى منذ 1979، وفي الوقت نفسه عقد لقاء وزاري لا سابق له بين إيران والدول الست، ساد التفاؤل المفاوضات التي جرت في 15-16 أكتوبر 2013.، ثم استؤنفت هذه المفاوضات في السابع من نوفمبر الحالي واستمرت ثلاثة أيام لكنها لم تسفر عن اتفاق، ثم بعد جولة من المفاوضات الماراثونية استغرقت أربعة أيام متواصلة وفي 24 نوفمبر 2013 تم التوصل إلى الاتفاق النووي المرحلي بين إيران والقوى الكبرى "5+1". ثانياًً : العقوبات الرئيسية المفروضة على إيران من قبل الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي: كما أسلفنا، استخدمت الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة العقوبات التجارية والاقتصادية والمالية وسيلة رئيسية ضد إيران، كما استخدمت مجلس الأمن الدولي في التضييق والضغط على طهران بالإضافة إلى العقوبات التي اتخذت من طرف واحد. وخلال كل ذلك أصبح البرنامج الإيراني موضوعا للتحدي بين إيران والغرب، وهذه العقوبات كما يلي. أ العقوبات الأممية : إذ فرض مجلس الأمن الدولي أربع مجموعات من العقوبات ضد إيران في ديسمبر 2006، ومارس 2007، ومارس 2008 ويونيو 2010. وتغطي المجموعة الأولى المواد النووية الحساسة وتجمد أصول أفراد وشركات إيرانية ذات علاقة بالبرنامج النووي. وتتضمن المجموعة الثانية أسلحة جديدة وعقوبات مالية. وقامت بتوسيع تجميد الأصول لتشمل 28 من الأفراد والشركات الجديدة التي لها صلة ، أو تدعم العمل النووي الحساس أو تطوير الصواريخ العابرة للقارات. وزادت المجموعة الثالثة في العام 2008 القيود المالية والقيود على السفر للأفراد والشركات، ووسعت دائرة الحظر الجزئي على الاتجار في مواد لها استخدامات مدنية وعسكرية معا لتغطي جميع المبيعات لمثل هذه التقنيات إلى إيران. ودعا قرار لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 9 يونيو 2010 إلى تدابير ضد بنوك إيرانية جديدة في الخارج إذا اشتبه في أن لديها علاقة بالبرنامج النووي أو برنامج الصواريخ. ووسع قرار مجلس الأمن المذكور حظر مبيعات الأسلحة ضد طهران، وأضاف إلى القائمة السوداء ثلاث شركات تسيطر عليها الخطوط البحرية بجمهورية إيران الإسلامية و15 شركة تتبع لقوات الحرس الثوري الإيراني. ودعا القرار إلى إنشاء نظام للرقابة على الشحنات. ب العقوبات الأميركية : إذ فرضت العقوبات الأميركية الأولى عقب اقتحام الطلاب الإيرانيين سفارة الولاياتالمتحدة في طهران واحتجازهم دبلوماسيين رهائن عام 1979. ومنعت بموجب هذه العقوبات دخول الصادرات الإيرانية إلى أميركا باستثناء الهدايا الصغيرة ومواد المعلومات والأغذية وبعض أنواع السجاد. وفي 1995 أصدر الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون أوامر تنفيذية تمنع الشركات الأميركية من الاستثمار في النفط والغاز الإيرانيين والاتجار مع إيران. وفي العام نفسه أقر الكونجرس قانونا يجعل الحكومة الأميركية تفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيراني بأكثر من 20 مليون دولار في السنة. وفي أكتوبر 2007 فرضت واشنطن عقوبات على ثلاثة بنوك إيرانية وأطلقت عبارة "ناشر أسلحة الدمار الشامل" على الحرس الثوري الإيراني. ومنذ ذلك الوقت أضافت وزارة الخزانة المالية العديد من المصارف الإيرانية الأخرى إلى قائمتها السوداء. وحددت وزارة الخزانة الأميركية نحو 20 شركة بترولية وبتروكيميائية على أنها واقعة تحت سيطرة الحكومة الإيرانية، الأمر الذي يجعلها غير مؤهلة للتعامل مع قطاع الأعمال الأميركي. وفي 24 يونيو 2010 أقر الكونجرس الأميركي عقوبات جديدة من طرف واحد بهدف الضغط على قطاعي الطاقة والمصارف الإيرانيين. وفرض قانون يونيو عقوبات على الشركات التي تزود إيران بمنتجات بترولية متطورة تبلغ قيمتها أكثر من خمسة ملايين دولار في العام، كما أنه حرم فعليا البنوك الخارجية من الوصول إلى النظام المالي الأميركي إذا قامت هذه البنوك بالتعامل تجاريا مع البنوك الإيرانية أو قوات الحرس الثوري. وفي مايو2011 أعلنت الولاياتالمتحدة عقوبات جديدة ضد شركة بي دي في إس أي الفنزويلية البترولية المملوكة للدولة وست شركات بترولية صغيرة أخرى وشركات نقل بحري لتعاملها تجاريا مع إيران منتهكة الحظر الأميركي الأمر الذي أثار غضب حكومة هوغو شافيز. وفي يونيو 2011 أعلنت واشنطن عقوبات جديدة ضد قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج للمقاومة وقوات إعمال القانون الإيراني وقائدها إسماعيل أحمدي مقدم. وتم بموجب هذه العقوبات تجميد أي أصول تؤول للمستهدفين وتحظر تعامل كل الأميركيين أفرادا أو شركات من التعامل مع الجهات المذكورة. وفي 21 نوفمبر 2011 وصفت واشنطنإيران بأنها "منطقة رئيسية لغسل الأموال"، وهي خطوة كان الهدف منها إقناع البنوك غير الأميركية من التعامل مع إيران. كما قامت الولاياتالمتحدة بوضع 11 جهة متهمة بمساعدة إيران فيما يتصل ببرنامجها النووي على قائمتها السوداء ووسعت عقوباتها لتستهدف شركات تساعد إيران في صناعتها النفطية والبتروكيميائية. وفي 31 ديسمبر 2011 أقر الرئيس الأميركي باراك أوباما قانون تمويل الدفاع الذي يفرض عقوبات على المؤسسات المالية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني الذي يُعد القناة الرئيسة لعوائد النفط. وبموجب هذا القانون ستستبعد المؤسسات التي تطولها العقوبات من الأسواق المالية الأميركية. وفي 13 يناير 2012 فرضت الولاياتالمتحدة عقوبات ضد مؤسسة ذوهاي زهنرونغ الصينية للتجارة في الطاقة المملوكة للدولة التي وصفتها واشنطن بأنها أكبر مزوّد لإيران بالمنتجات البترولية. كما حظرت شركتا كو أويل بي تي إي السنغافورية وفال أويل كمباني ليمتد الأماراتية. ج عقوبات الاتحاد الأوروبي: في 12 أغسطس 2010 شدد الاتحاد الأوروبي عقوباته على طهران، إذ قرر حظر إقامة أعمال مشتركة مع شركات إيرانية تعمل في مجال صناعتي النفط والغاز الطبيعي وأي فرع أو منشأة تقع تحت إدارة هذه الشركات. وتمنع جميع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي تقديم التأمين وإعادة التأمين لحكومة إيران. وتُحظر واردات وصادرات الأسلحة والمعدات التي يمكن أن تسهم في تخصيب اليورانيوم أو يمكن أن يكون لها "استخدام مزدوج". وتمنع العقوبات بيع أو توريد أو نقل معدات الطاقة والتكنولوجيا المستخدمة من قبل إيران لتكرير الغاز الطبيعي وتسييله، والتنقيب عنه وإنتاجه. ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن يزداد تأثير العقوبات بمرور الزمن نظرا إلى أن قطع الغيار الموجودة سيصيبها الإهلاك ولن تعوض. وفي مايو 2011 وسّع وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد بشكل كبير العقوبات وأضافوا مائة جهة جديدة إلى قائمة تشمل شركات وأفرادا، بما فيها جهات تملكها وتديرها الخطوط البحرية للجمهورية الإسلامية. وفي أكتوبر 2011 فرض الاتحاد عقوبات على 29 شخصا في توسيع جديد للقائمة مستهدفا أفرادا ذوي صلة بانتهاكات حقوق الإنسان ليصل العدد الإجمالي إلى 61 شخصا. وفي الأول من ديسمبر 2011 أضاف الاتحاد الأوروبي 180 فردا وجهة من إيران إلى قائمة عقوبات سوداء تفرض تجميدا على الأصول وكذلك حظرا على سفر من لهم صلة بالبرنامج النووي. وفي 23 يناير 2012 فرض الاتحاد حظرا فوريا على جميع العقود الجديدة لاستيراد وشراء ونقل البترول الإيراني الخام ومنتجات البترول مع سماح للدول الأعضاء التي لديها عقود سارية لشراء البترول ومنتجات البترول إلى الأول من يوليو. كما وافق الاتحاد الوروبي على تجميد أصول البنك المركزي الإيراني وحظر الاتجار في الذهب والمعادن النفيسة الأخرى مع البنك والمؤسسات الحكومية الإيرانية الأخرى. هذه هي قصة أزمة الملف النووي الإيراني التي شغلت أذهان العالم فترة عشر سنوات متواصلة، وبات التساؤل المحوري هو: هل يشكل التوصل للاتفاق النووي المرحلي بين إيران والقوى الكبرى بداية النهاية لهذا الملف الحساس، أم تكون بداية مواجهة جديدة للنفوذ والصراع في الشرق الأوسط ، بحكم التداعيات الإستراتيجية والأمنية على إسرائيل وعلى منطقة الخليج وبؤرالتوتر والنزاع في المنطقة برمتها.