قال المستشار عادل عبد الحميد وزير العدل إن وجود الفساد وتحوله من ظاهرة عادية إلى مشكلة خطيرة متجذرة، هو أمر يرتبط بالعوامل البيئية التي تسمح بانتشاره، مؤكدا أن قصر علاج مظاهر الفساد بعد اكتشافه لن يؤدي إلى الحد منه أو تحجيمه، وإنما لابد من علاج الأسس والعوامل التي تؤدي إلى وقوعه، باعتبار أن ذلك هو السبيل الأمثل للحد من استشراء الفساد. وأشار وزير العدل في كلمة أثناء الحلقة النقاشية التي نظمتها اليوم اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد تحت عنوان "أهمية الخطاب الديني في مجال مكافحة الفساد" ، والتي حضرها الدكتور محمد مختار جمعه وزير الأوقاف، والدكتور شوقي علام مفتي الديار المصري ، إلى أن الخطة التي تنتهجها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد ، تتمثل في الاعتماد على الخطاب الديني السليم وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول المعاملات اليومية ، خاصة في ما يتعلق التقصير في أداء الواجب الوظيفي أو التربح من العمل وإساءة استخدامه تحت العديد من الذرائع. وأكد المستشار عبد الحميد على دور العلماء المصلحين في تصحيح المفاهيم الخاطئة وإرشاد الناس إلى الصواب ورد العقائد إلى صلاحها، على نحو يتفق مع منهج شريعتنا الغراء في مكافحة الفساد ، والذي يقوم على الوقاية أولا من الفساد ثم علاج ما يتكشف من مظاهره ، علاجا يمثل جبرا لما ضاع، وردعا لم تسول له نفسه إن يعتدي. وقال وزير العدل إن من أهم أسباب انتشار ظاهرة الفساد ، هو ضعف القيم الإيمانية وتدني الأخلاق لدى البعض، موضحا أن رجال القانون تناولوا ظاهرة الفساد باستفاضة واجتهدوا في سن التشريعات ووضع السياسات لعلاج تلك الظاهرة، غير أنها مازالت منتشرة ومستشرية، مشيرا إلى أن الأمر أصبح يتطلب بيان المنظور الديني لعلاجه وتوضيح المناهج التي شرعت للحد منه، حتى يمكن الاستفادة منها في التطبيقات المعاصرة. وأشار إلى أن الهدف من الحلقة النقاشية، هو الجمع بين الرسالة الدعوية والفكر القانوني الوضعي ، واستعراض تلك الظاهرة "الفساد" من الناحيتين القانونية والدينية، وكيف يتولى كل منهما رسالته في التوعية بأهمية مكافحة الفساد.. مطالبا إلى الأئمة والدعاة توجيه الناس بما يشعل في نفوسهم جذوة الحق ومخافة الباطل والنهي عن كل مفسدة أو رشوة أو محسوبية تقوض دعائم التقدم. وأكد المستشار عادل عبد الحميد أن الشريعة الإسلامية حرمت كافة أوجه الفساد باعتبار أنها تحدث ضررا بالناس وبالمجتمع ، فحرمت السرقة والاختلاس وخيانة الأمانة، فضلا عن الرشوة وتلقي الهدايا والتربح والتكسب من الوظيفة ، واستغلال المال العام لإغراض شخصية، بالإضافة إلى المحسوبية والمجاملات الشخصية، وعدم الإتقان العمل والإهمال والتقصير في أدائه، والتطفيف وشهادة الزور. من جانبه، قال الدكتور محمد مختار جمعه وزير الأوقاف إنه ينبغي على العلماء والقضاة أن يكونوا بمعزل عن أي تصنيف حزبي أو سياسي لأنهم فوق كل تصنيف، باعتبار أن القضاة حكم بين الناس في أمور دنياهم، والدعاة حكم بين الناس في أمور دينهم ، وهو ما يتطلب أن يكون الحكم على مسافة واحدة من أبناء الوطن جميعا. وأشار الدكتور مختار جمعه خلال كلمته إلى أن الإسلام حذر من الفساد، مؤكدا أن إقامة الحدود في الردع والزجر منه هو دور القضاة، وأن دور الائمة هو توعية الناس بأن من يستطيع الإفلات من العقوبة الدنيوية فإنه لن يفلت منها في الآخرة، لافتا إلى أنه تم تخصيص خطبة شهرية لتناول كل ما يتصل بقضايا الفساد ، والدعوة إلى القيم والالتزام يشرع الله للمساهمة في تقدم ورقي الوطن. ومن جهته، أكد الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية في كلمته على أهمية تنمية الرقابة الذاتية، وهو ما يقوم على برامج التنشئة منذ الميلاد، وصولا إلى جيل صالح ، ويتبع ذلك دور المنظومة التعليمية، وأوضح أن علاج الفساد يرتبط بالعقيدة، لافتا إلى أن الأمم السابقة فسدت حينما خالفت العقيدة، وأنه على الإنسان أن يعتبر لقصص وعبر الأمم السابقة في تناول قضايا الفساد، مضيفا أن العقاب ليس من حق أحد إنما هو حق الدولة وحدها في سلطتها القضائية، بحكم يحكم به القاضي بدلالات النصوص الشرعية والقانونية، مشددا على أن القانون يعيد التوازن المجتمعي بعد وقوع الجرائم التى لا حل لها إلا بالرقابة الذاتية التى تتطلب برامج متتالية من لحظة الميلاد وتربية الأطفال. وقال المستشار عزت خميس مساعد أول وزير العدل إن الفساد ظاهرة إنسانية يتم مواجهتها بالإصلاح، وهو الدور الذي ينتظره المجتمع من أئمة المساجد باعتبارهم من علماء الأمة القادرين على التأثير في المجتمع ، لأن درجة الثقة فيهم كبيرة، وتأثيرهم بنفوس الناس عال، مؤكدا أن الأئمة هم أولى بأن يكونوا مشاركين في مكافحة الفساد. وأضاف المستشار خميس أن الفساد ظاهرة عالمية تشكو منه كل الدولة، وقد تعالت الأصوات لمكافحتها والحد منها ، مشيرا إلى أن مصر تدرك أبعاد المشكلة، وهو ما دفعها إلى التصديق على اتفاقيات دولية نتج عنها إنشاء اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد ، وإعداد مشاريع قوانين لمكافحة الفساد مثل حماية الشهود، والحق في المعلومات، ومكافحة رشوة الموظف العام.