عندما قامت ثورة 25 يناير كان هناك فريقان من الفنانين ، فريق أيد الثورة وأنضم إليها وفريق آخر حسب نفسه من أنصار الرئيس المخلوع وهذا ما تم إدراجه في قائمة العار التي وضعت في ميدان التحرير بأسماء وصور أصحابها وهم الآن أشهر من النار علي العلم . بين الفريق الأول والثاني ظهرت حزمة حاولت تدارك الأمر بتحولها السريع من رفض الثورة إلي تأييدها حفاظاً علي مكانتها ومصدر رزقها الوحيد "التمثيل" ، الثوار في الميدان فطنوا إلي هذه الحيلة فطالبوا بمنع المتحولين من الظهور في وسائل الإعلام والتحدث بإسم الثورة ، ونحن إذ نرصد هنا التبرير المنطقي للتشدد ضد هذه الفئة ونذكّر القارئ العزيز بتاريخها في مداهنة النظام السابق والتدليس عليه ونفاق مبارك شخصياً في المناسبات التي كان الفنانون يدعون إليها من قبل الحاشية ونستعرض وقائع بعينها حتي لا يكون كلامنا مرسل وغير دقيق . في أثناء حكم حسني مبارك تم إنتاج فليمين أشارا إليه بوضوح ، الأول كان جواز بقرار جمهوري ،البطولة فيه لهاني رمزي وحنان ترك وبعيداً عن التفاصيل والأحداث فإن الفكرة العامة دارت حول هيبة المؤسسة الرئاسية ووقع حضور رئيس الجمهورية حفل زفاف إثنان من الشباب في حي شعبي ولم يتعرض الفيلم إلي مثالب الحكم أو الدولة في ذلك الوقت ، بل علي العكس كان المردود الجماهيري إيجابياً والمردودى السياسي والأمني إيضاً ، فقد إستطاع الفيلم المذكور أن يقرب صورة الرئيس الإنسانية من الشعب وهو ما أعتبر مبادرة فنية تصب في صالح النظام والرئيس . الفيلم الثاني الذي أثار ضجة وكان له نصيب أوفر من الدعاية والإهتمام هو "طباخ الريس " وأظن أن رسالته كانت واضحة للجميع فرئيس الجمهورية كما جاء في السياق الدرامي لم يكن يعلم بتجاوزات نظامه ، بينما هو رجلً طيب ومع الشعب قلباً وقالباً وإزاء هذا الطرح صعد أبطاله إلي قمة النجومية وصار الطباخ طلعت زكريا صديق شخصي لمبارك يجالسه ويؤانسه ، وقد صدق زكريا اللعبة فأصبح يتعامل كواحد من طاقم الرئاسة ولم يفرط في حق صديقه وظل يدافع عنه حتي بعد خلعه ! أما غادة عبد الرازق .. النموذج الثاني الصارخ في تأييد المخلوع فلم تكن يوماً طباخة للرئيس أو وصيفة للهانم ومع ذلك فهي من أشد المؤيدين والمتعاطفين ليس لشيئ .. ولكن لله في خلقه شئون، النجوم والفنانين الذين ذكرناهم ليسوا هم وحدهم فقط المتورطون ضد الثورة وإنما هناك من تظاهروا بالحياد في بادئ الأمر ثم انقلبوا بعد إنتصار الثوار إلي ثوريين أشد بأساً ومعارضة وهم من كانوا بالأمس يجلسون في الصفوف الأولي في كل المناسبات الرسمية . أذكر في أحد لقاءات الرئيس السابق بالفنانين والإعلاميين أن وقف الفنان الرومانسي " م – س " لإلقاء كلمة فخطب خطبة عصماء وتغزل في إنجازات المخلوع مؤكداً أنه حول الإقتصاد المصري إلي نمر من النمور الإقتصادية العالمية الكبري وأن ذلك ليس الإنجاز الوحيد ولكن تاريخه حافل بالإنجازات والمعجزات ، وظل يسهب ويبارك المسيرة الحافلة حتي إستوقفه مبارك نفسه فنزل من علي مسرح الخطابة والوعظ ومن يومها أُخذ عليه هذا الموقف وباتت مسألة النمور مدعاة للضحك والسخرية .. هذا الذي يدعي أنه كان من أشد المعارضين لنظام الحكم والحاكم ! علي الجانب الآخر كانت هناك مواقف شجاعة لا يمكن أن نتجاهل أصحابها أمثال الفنان القدير عبد العزيز مخيون الذي ظل علي خصومة مع النظام البائد ورموزه فترة طويلة وكاد أن يدفع حياته ثمناً لمؤامرة دنيئة حين جاهر بنقده للفساد وأشار إلي شخصيات بعينها وأعلن رفضه الكامل لمشروع التوريث ودأب علي المشاركة في كل الوقفات الإحتجاجية والمظاهرات والمسيرات وأدان بعنف المواقف المتراخية والضعيفة مع إسرائيل فيما يخص صراعها مع السُلطة الفلسطينية والفلسطينيين بشكل عام وردود الأفعال الفاترة إبان الحرب علي غزة وحصار شعبها . وبالطبع لم يكن مخيون وحده صاحب المواقف الإيجابية ولكن شاطره كثير من النجوم هذا الشرف .. محسنة توفيق وخالد الصاوي وفردوس عبد الحميد ومحمد فاضل وعزت العلايلي وآخرين عُرفوا بأرائهم الثورية وكانوا نواة الثورة وشرارتها قبل أن تندلع بوقت طويل . ما نقدمه الآن ليس محاكمة لإدانة البعض وبراءة البعض الآخر ولكن الأمر لا يعدوا كونه إستجلاءً للحقيقة حتي لا تغيب ملامحها فيركب الثورة من كانوا ضدها ومن صمتوا صمت الحملان .. التأكيد علي حفظ حقوق الشرفاء في نضالهم وفضح من تقاعسوا وتخاذلوا هو الوازع الأساسي وراء هذه الكتابة وإعادة فتح الملف الشائك مرة أخري ، بالأضافة إلي تصريحات غادة عبد الرازق ضد عمرو واكد وإتهامها له بتأليب الجماهير عليها لإسقاطها عن عرش النجومية ! التصريح كان كوميدياً لأن واكد ليس هو الوحيد الذي شاهد غادة وهي تطوف بسيارتها ميدان التحرير رافعة صورة مبارك من النافذة في تحدي سافر لمشاعر الملايين الغاضبة .