عمري ما أنكرت أنني بلا قافية – شخص يتغذي على الأوهام . طبعي كده . حد عنده مانع ؟ أفطر بها كل يوم مع قهوة الصباح ، ولا تخلو منها في الغداء مائدتي ، ولا يداعب النعاس جفني إلا بعد تناول الجرعة الليلية . التشخيص الطبي لحالتي هو : إنسان مقطوع الصلة بالواقع . إنسان يعيش في الوهم .طوال الأسابيع الثلاثة الماضية ، أخذت أغني : الليلة عيد ! على الدنيا سعيد ! بالرغم من أن العيد لم يأت بعد . لكن الحياة علمتني أن الأعياد هي عندما يفرح القلب . تلك هي الأعياد كما أتوهم . ولم أتوقف عن الغناء حتى هذه اللحظة .حدث هذا الأول مرة في المكروباص ، فراح السائق والركاب وعسكري المرور يرددون الأغنية خلفي ، كما لو أنهم يحفظونها عن ظهر قلب . ولم يكونوا يضحكون . الحكاية على مايبدو أعجبتني ، فإذا بي أغنيها أينما ذهبت . الجميع كانوا يرددونها خلفي بكل حماس حتى على أرصفة العتبة . مؤخراً ، توهمت أن الناس في إمارة كاندهار ، رابعة العدوية سابقاً ، يستغيثون من المستوطنين البرابرة وأن أحداً لا يبدو أنه سمع أو رأى مايجري في هذه الأرض المقتطعة من تراب الوطن . توهمت أن النسخة المكررة آلاف المرات من أحمد سبع الليل في البريء ، تقضي الحاجة في الحدائق أو على الإسفلت ، وأن القيادات التي تضحي بالبسطاء لتضمن خروجاً آمناً تعتقل الفلاحين الذين كدسوهم داخل الأتوبيسات من الأقاليم ،انتزعوا بطاقتهم لكي لا يتمكنوا من الخروج . الأمر الذي دفعني ، كما توهمت ، إلى مطالبة من يتمسحون في الدين بإقامة الحد على من قاموا بسرقة سيارتي التليفزيون المصري ، ليبثوا من خلالها إلى الجزيرة التي فقدت نهائياً الإحساس بالخجل .ولم يكن قد مضى الكثير من الوقت على توهمي أن الأخ محمد مرسي قال انه حريص على أرواح الخاطفين الذين اضطروا إلى الإفراج عن سبعة من الجنود المصريين تحت التهديد من جانب القوات المسلحة باستخدام القوة ، وأن الفيديو القصير الذي صوروه لهم جاء مهنياً لكرامة مصر . وعلى مدار السنة من 1 يوليو 2012 حتى 30 يونيو 2013 ، ازدادت حالتي سوءً بشكل يبعث على القلق . توهمت أن الأسعار باتت تشوى الكافة ، باستثناء الملتحين الذين يستولون كالجراد على كل شيء ، وأن التيار الكهربائي ينقطع بالخمس أو الست مرات في اليوم ، وأن طوابير السولار أو البنزين أصبحت تسد الشوارع . توهمت أن تليفزيون الحكومة أصبح إخوانياً أكثر من الشاطر ، وأن المرشد وجماعته ومرسيه ، لا يتوقفون عن التحريض على العنف ضد القضاء والإعلام والمرأة والأقباط والقوى الوطنية ، وأن هناك من يكرهون الإبداع ، ولا يتورعون عن التهديد بإهدار الدم لمن يمارسون خطيئة التفكير ، وأن حقوق الإنسان ليست سوى جزء من ثقافة الغرب المادية الكافرة . استبد بي الوهم الفظيع بأن مليشيات الإخوان تغتال أنقى شباب البلد على قارعة الطريق ، وأن الآلاف من الذين أشعلوا ثورة 25 يناير أصبحوا خلف القضبان ، بينما القتلة يجوبون الطرقات كمصاصي الدماء ليروعوا الشعب ، وأن سماسرة الجماعة يلقون بلحم الوطن الحي برخص التراب لكلاب السكك . أوهامي كلها من النوع البعيد تماماً عن الواقع المعاش . كلها . فلا المواطن ، كما أتوهم ، ظل حتى طوفان 30 يونيو يشكوا من الزحمة أو ضيق ذات اليد أو كسرة النفس.لا أحد يعاني ، كما أتوهم من البحث عن شقة تلمه أو هدمة بسعر متاح لطفلين أو ثلاثة يتعلقون برقبته .قيادات الإخوان تنفق الملايين ، بينما لا تجد قوت يومها . وعلى حين أنا أقطع الطريق من نقطة إلى أخرى ، توهمت أن هناك من يتصارعون مع القطط والكلاب من أجل محتويات صفائح القمامة . ولم يكن من قبيل الصدفة أن أحد أشهر عناوين مقالاتي الثابتة هو : هلوسة آخر الليل . حياتي باختصار هلوسة . وقد سألني يوماً واحد من الملتحين جداً عن هذا الذي أكتبه ، فقلت بينما أنا أشرب كوباً ليبرالياً من عصير القصب : خليك في نفسك أحسن يامشيخة ، وهو ما اعتبره خروجاً عما هو معلوم من الدين بالضرورة . كما أفتى على الفور بأن شرب عصير القصب يلهي العبد عن ذكر الله . توهمت أن الإخوان ، أو مستخرجات الإخوان ، على وزن مستخرجات الألبان ، متعطشون إلى الدم ، ولا يؤمنون بالوطن الذي قال عنه سيد قطب : الوطن ما هو إلا حفنة من تراب عفن . هكذا نصاً .حسن البنا هو الآخر ينفي وجود الوطن : لا وطن في الدين . وهو مايفسر لماذا هم لا يقبلون الانتصاب واقفين مع عزف السلام الوطني أو أداء تحية العلم .ذات مرة ، توهمت أن إسرائيل سرقت أرض الشعب الفلسطيني في عام 1948 ، وأن شيئاً بشعاً حدث في 5 يونيو 1967 . كما توهمت أنهم أطلقوا على الأولى : نكبة . الثانية اختاروا لها اسما لطيفاً لا يتناسب مع فظاعتها هو : نكسة . زي تامر يعنى أو نيرفانا . كل واحد حر في تسمية من ينجب على كيفة تلك هي الديمقراطية ....منذ فترة ، تملكتني نوبة الوهم من جديد . تخيلت أن فضائح ونيس والبلكيني ليست سوى عينة ، وأن مكتب الإرشاد من خلال مرسي أسند وزارة الثقافة لمريض عقلي لا أذكر اسمه ، لا لشيء إلا لأنه يكره من كل قلبه . وعلى الرغم من جميع محاولاتي التي باءت كلها بالفشل ، عندما لم أستطع أن أتوهم أنني مجنون . بالعكس على طول الخط ، فلقد توهمت أن هذه الفظائع أصبحت منذ 30 يونيو من الماضي الذي ذهب إلى مزبلة التاريخ ، وأننا كسرنا وراءه زير أضخم من قلعة المقطم .تلك هي أوهامي التي جللت القلب بلون الحداد قبل أن أتعلم معاكسة بنت الجيران .