ظن البعض أنه بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي ستصبح الأمور وردية، ولن يكون هناك تناقض أو معارضة على أي شيء سيصدر من قبل رئيس الجمهورية الحالي، غير أن معظم ما تم من إجراءات وتحولات تم الاعتراض أو التحفظ عليها. وتخيل البعض أنه عندما يتم صدور الإعلان الدستوري الأول، ستلتف معظم الآراء حوله مؤيدة ومساندة له مهما كانت نتائجه؛ لتوقعها ملائمة نصوصه لما حدث في مصر بعد مشاهد عصيبة وأخطاء متكررة. بيد أن بطبيعة تلك البلد المغلوب على أمره، اختلفت الآراء بين القوى السياسية، ففريق مؤيد له، إذ إنه تفادى الكثير من أخطاء الماضي ووضع جدولاً محدداً يبدأ بتعديل الدستور ثم إجراء انتخابات برلمانية، وينتهي بالانتخابات الرئاسية من وجهة نظره، في حين اختلف فريق أكبر بل ورفض ما جاء به، معتبرين أن الإعلان أصدره الرئيس المؤقت "منفرداً" دون التشاور مع القوى السياسية، وأعلنه بمفرده، ومنح لنفسه حق التشريع بشكل منفرد، وكان الأولى للجنة التشريع بمجلس الدولة أن تتولى هذه المهمة في المرحلة الانتقالية. كما شملت مظاهر الانتقاد له أنه جاء إلى تهميش دور رئيس الوزراء، فكان الأولى أن يكون هو القائم والمنفذ، بينما يكون الرئيس المؤقت رئيساً شرفياً من وجهه نظرهم... ووجه البعض انتقادات للإعلان الدستوري بسبب عدم رفضه المحاكمات العسكرية، بل إنه لم يتم الإشارة فيه من قريب أو بعيد إلى هذه الجزئية، بل تم حذف العبارة المتعلقة بحظر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، إلا في الجرائم التي تتعلق بالقوات المسلحة. بداية جديدة كما رفض فريق آخر أن يكون التظاهر وفقاً للقانون، مؤكدين أنه من الممكن أن تكون هناك أدوات لتقييد حق التظاهر، ورفضوا أيضاً عبارة "حرية الإعلام وفقاً للقانون"، معتبرين أن هناك نيات لتقييد الحريات في المرحلة الانتقالية. وقد برزت معظم توجهات القوى السياسية في العديد من وسائل الإعلام تحت عنوان: "لا توافق على الإعلان الدستوري الجديد"، فاختلف فقهاء القانون، والكنيسة تتحفظ، وحركة تمرد تقدم تعديلاتها إلى الرئاسة، إضافة لاختلاف قيادات جبهة الإنقاذ الوطني بشأن تقييم الإعلان الدستوري، حيث اعتبر بعضهم أنه لم يحقق شيئاً من المطلوب، وآخرون رأوه بداية جديدة مدنية حديثة تحتوي كل المصريين. هذا إلى جانب رفض القوى الإسلامية كافة هذا الإعلان، بعد انسحاب حزب الوطن السلفي من خارطة "الانقلاب"، ومهاجمة الإخوان المسلمين له باعتباره "يغتصب سلطة التشريع من مجلس انتخبه الشعب ويعيد البلاد إلى ما قبل استفتاء 19 مارس 2011". كما قالت حركة "تمرد": إنها فوجئت بالإعلان الدستوري، وإنها ستتقدم بتعديلات لمؤسسة الرئاسة، فيما شكك حقوقيون في نوايا الإعلان وقبوله كمؤقت، وطالب سياسيون بتفسير ضبابية الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية. تخبط وانقسام وظن المحللون أيضاً أنه عقب انتهاء حدة الانتقادات للإعلان الدستوري الأول، سيتعلم الرئيس الحالي من أخطائه، ويرضي كافة القوى السياسية. بيد أنه رغم اختياره للدكتور حازم الببلاوي رئيساً لمجلس الوزراء، الذي يصفه البعض بأنه أحد الخبراء الاقتصاديين من الطراز الأول الذي سيهتم بالملف الاقتصادي الذي يؤرق الشعب المصري، طالت تشكيلة حكومته مزيداً من الانتقادات. فظن البعض أنه عقب توليه المنصب، ستتكون الحكومة الجديدة من 16 20 وزيراً فقط ، حسبما صرح مسبقاً) مما أسعد البعض باعتباره يسير نحو خطى الدول المتحضرة، خاصة أنها مرحلة انتقالية، ولكن ما حدث كان بمثابة مفاجأة للكل؛ إذ فوجئنا بالتشكيل الجديد يضم35 وزيراً ما بين قديم وجديد. وطالب المراقبون الدكتور "الببلاوي" بتقديم تبرير لهذا التراجع حتي لا يفسره البعض على أنه إرضاء للقوى والأحزاب السياسية، خاصة أن هناك وزراء عليهم علامات استفهام كثيرة ومرفوضة من العاملين بتلك الوزارات من وجهة نظر البعض، الأمر الذي قد يهدد الاستقرار الذي ينشده الجميع من الحكومة الجديدة. فأين الشفافية والمصارحة في كيفية اختيار هذه الحكومة؟ ردود فعل وتعقيباً على طريقة تشكيل الحكومة وردود الفعل تجاهها، فكانت كما يلي: رفض قاطع من قبل التيار الإسلامي؛ إذ قال "أحمد عارف" المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين: إن الجماعة وحزبها الحرية والعدالة يرفضان المشاركة في حكومة منبثقة عن نظام غير شرعي. كما اعترض حزب النور على حكومة الببلاوي، ووصفها "خالد علم الدين" القيادي بالحزب ومستشار الرئيس مرسي السابق، بأنها حكومة إقصائية انحازت لجبهة الإنقاذ بدلاً من أن تكون حكومة محايدة تمثل جميع المصريين. كما انتقد المرشح الرئاسي السابق "عبد المنعم أبو الفتوح" ورئيس حزب مصر القوية الحكومة الجديدة، ووصفها بأنها مسيسة وغير محايدة، فضلاً عن كونها بلا صلاحيات، كما اعتبر في بيان صدر اليوم أن إدارة البلاد لا تحتمل تكرار الأخطاء التي عانى منها المصريون كثيراً سواء قبل ثورة 25 يناير أو بعدها. ولم تخل الانتقادات من داخل المعسكر المؤيد لها، حيث قال "تامر القاضي" القيادي بتكتل القوى الثورية: إن "التكتل يتحفظ على بعض أعضاء الحكومة، حيث ينتمي بعضهم للحزب الوطني الذي كان يحكم في عهد الرئيس المخلوع مبارك، كما أن منهم من ثبت فشله ولم يحقق إنجازاً خلال مشاركته بحكومات سابق، وقال "مصطفى النجار" الكاتب الصحفي وعضو مجلس الشعب المنحل، في تصريحات صحفية: إن تشكيل الحكومة ليس مرضياً لجميع الأطراف. وفي موقف متذبذب، غاب الموقف الرسمي الواضح لجبهة الإنقاذ التي قادت المعارضة في عهد "مرسي"، في حين أعلنت قوى سياسية من بينها التحالف الاشتراكي وحركة 6 أبريل موافقتها على الحكومة الجديدة، وقالت: إنها تعول خصوصاً على شخصية الببلاوي بوصفه خبيراً اقتصادياً للعمل من أجل تجاوز العديد من الأزمات التي واجهتها البلاد مؤخراً. وبعد عرض معظم المشاحنات التي حدثت منذ تولي منصور قيادة البلاد لفترة مؤقتة، يأتي التساؤل، هل تمثل تلك الانتقادات بادرة لتصحيح الأخطاء، أم بداية جديدة لمرحلة أسوأ من ذي قبل تُرجع البلد إلى دوامات غير محسوبة؟