"أصبحت هذه الحقيقة حتمية، لأن المنطقة ما زالت تمر بفترة من الثوران والهيجان التي اجتثت النظام القديم، ونقلت حياة عشرات الملايين من الناس إما إلى الأفضل أو إلى الأسوأ". هكذا تحدث تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي في "ندوة سوريف" لعام 2013 التي أقامها "معهد واشنطن" في العاصمة الأمريكية حول التحديات التي تمر بها منطقة الشرق الوسط. واستعرض من خلال خطابه أن هناك تغيرات غير مسبوقة في المنطقة، منها تراجع وتفاقم قضية حقوق الإنسان، والصراعات حول الهوية والحدود، وانتشار العنف عن طريق الالتقاء الانفجاري بين النزاع الطائفي، فضلاً عن التباين الاقتصادي والتكنولوجيا. وقد كتب "روبرت كابلان" مؤخراً أن الصورة الأنسب لحاضر الشرق الأوسط هي خريطة ترجع للقرون الوسطى لا تبدو فيها الحدود دقيقة واضحة، وهو ما أسماه ب "عالم من ظلال النفوذ الغامضة والمتداخلة". فلا تزال تمثل الحرب الأهلية السورية محل قلق القيادة الأمريكية، ولا سيما مع انتشار الأحاديث عن أن مخزون الأسلحة الكيميائية والأسلحة التقليدية المتطورة في خطر، فضلًا عن تصاعد العنف إلى خارج حدود سوريا. منظر مضطرب ويشكل دعم إيران لنظام الأسد وحزب الله اللبناني، ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في الخليج الفارسي، وطموحاتها النووية تهديداً واضحاً للولايات المتحدة وإسرائيل وشعوب دول "مجلس التعاون الخليجي" والعالم الأوسع. كما يمثل هذا المنظر المضطرب مجموعة جديدة من التحديات الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، كان الرئيس أوباما واضحاً في تحديد ملامحها، وهي تشمل أمن إسرائيل ودعم حلفاء واشنطن ومحاربة الإرهاب ومنع إيران من امتلاك سلاح نووي ومتابعة عملية السلام بالشرق الأوسط، ولعب دور يحقق الاستقرار مع شركاء الولاياتالمتحدة الإقليميين والعمل على دعم التحولات الديمقراطية في اليمن وشمال أفريقيا ثم في سوريا، ويقول وزير الدفاع الأمريكي: "إن إسرائيل هي الصديق والحليف الأقرب لأمريكا في الشرق الأوسط؛ وسنظل ملُتزمين بتعزيز التعاون الدفاعي والذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة". كما لا يخفى على أحد أن الالتزام الأمريكي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل وقدرتها على صد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات من عناصر متمثلة في دول أو في غيرها، هو أحد المبادئ الأساسية في التعاون الأمني بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ولعل التعاون الوثيق في جهود البلدين في مجال الصواريخ والدفاع الصاروخي بما فيها "القبة الحديدية" و "آرو" (Arrow) و"رافعة ديفيد" (David's Sling)، فضلاً عن التعاون في مجال الصواريخ والدفاع الصاروخي الذي بلغ ذروته عقب موافقة الولاياتالمتحدة على إطلاق حزمة من القدرات الجديدة المتطورة منها الصواريخ المضادة للإشعاع، وأجهزة الرادار الأكثر فعالية لأسطول إسرائيل ونفاثاتها المقاتلة، وطائرة KC-135 للتزويد بالوقود، وطائرة V-22 Osprey أكبر مثالاً حياً على ذلك. تطرف عنيف وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، أدركت القيادة الأمريكية أن العلاقات الأمنية الأمريكية القوية مع الدول العربية -- بما فيها مصر والأردن وشركائها في الخليج - ليست مدرجة ضمن مصالحها الإستراتيجية فحسب، بل ضمن المصالح الأمنية الإسرائيلية أيضاً. وحرصت الولاياتالمتحدة على إقامة علاقات دفاعية عسكرية مع مصر، وذلك ليس من منطلق المصالح المصرية كما يتصور الساذجون، ولكن بهدف مكافحة التطرف العنيف وضمان أمن الحدود المصرية ومنطقة سيناء والالتزام بمعاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل ودعم التحول الديمقراطي في مصر. وعن المملكة الأردنية الهاشمية فهي شريك رئيسي آخر للولايات المتحدة في المنطقة، ودائماً ما تؤكد أمريكا بأنها ملتزمة بتحقيق استقراره وتعميق تعاونها الدفاعي والتخطيط المشترك للطوارئ مع الجيش الأردني، وذلك لتعزيز الأمن الحدودي للأردن ومجابهة قدرات الأسلحة الكيماوية. أما عن الدولة الفارسية، فتعمل الولاياتالمتحدة في قيادة كافة الجهود الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية الدولية للضغط على إيران، كي تتخلى عن سعيها للحصول على سلاح نووي، والوفاء بالتزاماتها الدولية، حيث أوضح الرئيس باراك أوباما أن السياسة الأمريكية تهدف في الأساس إلى منع إيران من الحصول على سلاح نووي، ولم يستبعد أي خيار من الطاولة لضمان تحقيق تلك النتيجة. وللتصدي للتهديدات الإيرانية، تحرص أمريكا على تطوير شبكة دفاع تعاوني، تزيد من القدرات العسكرية لدول الخليج الذين يشاركونها في مخاوفها بشأن إيران والتطرف العنيف في شبه الجزيرة العربية. ولعل الاتفاقيات المتبادلة بينها وبين دول الخليج خير مثال للتأكيد على هذا القول، أبرزها إبرام اتفاقيات لمد قواتهم الجوية بقدرات جديدة هائلة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتعهد السعودية بشراء 84 طائرة بوينغ مقاتلة من طراز F-15SA، والتي كانت جزءاً من صفقة هامة في عام 2010، ورغبة الإمارات العربية المتحدة بشراء 25 طائرة من طراز F-16 صقر الصحراء، والتي ستعمل على التعزيز الإضافي لقدرتها في المشاركة في عمليات التحالف مثل تلك الموجودة في ليبيا وأفغانستان.. ذلك إلى جانب الجهود الأخرى المبذولة مع دول الخليج في مجالات مثل الدفاع الصاروخي، والتدريبات المشتركة -- بما فيها سيناريوهات البر والبحر والجو-- التي تسمح للولايات المتحدة وجيوش دول "مجلس التعاون الخليجي" على البقاء على أهبة الاستعداد. أولوية قصوى وعلى الرغم من تقلص عدد القوات الأمريكية في المنطقة منذ نهاية حرب العراق، إلا أن الوجود العسكري الأمريكي القوي في الخليج الفارسي لا يزال يمثل أولوية قصوى بالنسبة لوزارة الدفاع الأمريكية، حيث تبذل أمريكا جهوداً مضنية مثل تلك المتعلقة بالدفاع الصاروخي والتجهيزات البحرية لردع إيران والرد على الاحتمالات الأخرى -- مثل طائرات F-22 المقاتلة وسفن الدفاع المضادة للصواريخ الباليستية والرادارات المتطورة وتجهيزات كسح الألغام والاستخبارات المتقدمة وطائرات الرصد والاستطلاع... كما أنها قد أبقيت على تواجد عسكري أمريكي كبير في الكويت. علاوة على التعاون في المجال العسكري، تدرك الولاياتالمتحدة أن دورها الأمريكي في الشرق الأوسط هو الاستمرار في المساعدة في التأثير على الأحداث وتشكيل مسارها من خلال استخدام الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية والاستخباراتية والأمنية. ختاماً، تبقى النقاط سالفة الذكر سواء التحدي النووي المتمثل في إيران، أو حالة عدم الاستقرار الخطيرة في سوريا، أو التهديد المستمر من تنظيم القاعدة، أحد أبرز الهواجس التي تنتاب الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي سبيل مواجهتها، تعزز وزارة الدفاع الأمريكية تواجدها العسكري في عدد كبير من دول المنطقة (قواعد عسكرية في قطر)، فضلاً عن زيادة القدرات العسكرية لحلفائها والتعاون العسكري بينها وبينهم (إسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة).