فاجأ الجيش المصري الكثيرين ببيان صدر أمس الاثنين بعد المظاهرات التي تشهدها مختلف ميادين مصر، وتحدث عن مهلة مدتها 48 ساعة لجميع الأطراف لتحقيق مطالب الشعب وتجاوز الأزمة الراهنة، وإلا فإنه سيتدخل لوضع "خريطة مستقبل" تحت إشرافه، مع تأكيد الجيش في الوقت نفسه أنه لن يكون طرفاً في السياسة أو الحكم، وأن ما سيفعله سيتم دون إقصاء أو استبعاد لأحد. وهذه هي المهلة الثانية التي يعطيها الجيش المصري لأطراف الحكم والمعارضة في مصر من أجل الخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، فقد أعطى الجيش خلال الأيام القليلة الماضية مهلة مدتها أسبوع لكافة القوى السياسية بالبلاد للتوافق والخروج من الأزمة، بيد أن هذا الوقت مضى "دون ظهور أي بادرة أو فعل" - حسبما جاء بالبيان. وإذا كان الجيش بهذا البيان قد أعطى بارقة أمل للمتظاهرين المطالبين برحيل النظام، فإنه في وقت لاحق أصدر بياناً توضيحياً نظر إليه البعض على أنه تراجع ولو كان طفيفاً في المواقف حيث أورد المتحدث العسكري للقوات المسلحة على صفحته الرسمية بياناً نفى فيه أن يكون البيان الذي أصدره أمس يرقى إلى انقلاب عسكري ، مؤكداً أن عقيدة القوات المسلحة المصرية لا تسمح بانتهاج سياسة "الانقلابات العسكرية"، وأوضح أن "بيان القوات المسلحة جاء بغرض دفع جميع الأطراف السياسية بالدولة لسرعة إيجاد حلول للأزمة الراهنة والتوصل إلى صيغة من التوافق الوطنى الذي يلبي متطلبات الشعب المصري. ترحيب ومعارضة وفي هذه الأثناء، تباينت ردود أفعال القوى السياسية المصرية على بيان القوات المسلحة بشأن الأوضاع الراهنة في مصر، إذ رحبت به قوى سياسية معارضة وعارضته قوى إسلامية موالية، في حين تريثت أوساط السلطة في الكشف عن موقفها من هذا البيان أو تقديرها لأهدافه. وسارعت المعارضة بالترحيب ببيان الجيش، سواء كان ذلك عبر المتظاهرين في ميدان التحرير المحتشدين منذ الأحد للمطالبة برحيل الرئيس محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، أو عبر قوى سياسية كانت في مقدمتها حركة "تمرد" التي تصدرت مشهد المعارضة في الأسابيع القليلة الماضية، بعدما قالت إنها نجحت في جمع نحو 22 مليون توقيع للمطالبة برحيل مرسي. وكانت جبهة الإنقاذ الوطنى، أكدت أن بيان القوات المسلحة الصادر من قيادة الجيش المصري عبر عن كل المعاني والثوابت الوطنية الراسخة التي أكدت أن القوات المسلحة لا يمكن أن تتخلى عن حماية الشعب وتاريخه ومستقبله. وقال منسق "تمرد" محمود بدر لموقع "الجزيرة نت" : إن الحملة ترحب جداً ببيان الجيش، وتشكر الشعب المصري العظيم الذي كان له الفضل في عودة الثورة إلى طريقها الصحيح، بعد نزوله بكثافة إلى ميدان التحرير والميادين الرئيسة بالمحافظات للتعبير عن مطالبه. في حين أصدر رئيس حزب المؤتمر والمرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عمرو موسى بياناً رحب فيه بما صدر عن الجيش، ووصفه بأنه "موقف وطني في اللحظة المناسبة"، مؤكداً أن الرئيس مرسي "عليه أن يحقن دماء المصريين ويدرك أن المطالبة بتغييره بعد عام من الفشل ليست كفراً ولا مؤامرة". كما أكد الفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة سابقا ومستشار رئيس الجمهورية للشئون العسكرية سابقا أن بيان القوات المسلحة واضح ولا يحتمل التأويل، كما أكد أن الدم المصري غال ويجب الحفاظ عليه. كما رحب مؤسس التيار الشعبي المصري حمدين صباحي، ببيان القوات المسلحة المصرية الذي أكد أنه "يقف في صف الشعب"، مطالبا الرئيس محمد مرسي "بالاستقالة فورا". وفيما يتعلق بالسيناريو المحتمل بعد انتهاء مهلة الجيش، قال صباحي: "على الرئيس أن يحترم إرادة الشعب ويتخلى عن موقعه، ونقترح أن يتسلم رئيس المحكمة الدستورية مهام الرئاسة، وأن يتولى مجلس الدفاع الوطني، وفي قلبه القوات المسلحة، الحفاظ على أمن البلاد". هذا وقد قدم البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، التحية لشعب مصر وجيشها وشبابها، وذلك في ظل الظروف التي تشهدها البلاد من احتجاجات عارمة تملأ ميادين مصر للمطالبة برحيل النظام. وقال تواضروس فجر اليوم الثلاثاء في تغريدة له على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "توتير" "تحية إجلال وتعظيم إلى ثلاثي مصر العظيم: الشعب والجيش والشباب"، مضيفًا: "عاشت بلادي حرة قوية". وسادت أجواء احتفالية في مختلف محافظات مصر، حيث ازدحم المكان والشوارع بالسيارات وبالمواطنين الدين حملوا أعلام مصر. وانطلقت الأغاني الوطنية من مكبرات صوت كبيرة نصبتها المحال التجارية وأخذ الناس في أماكن متفرقة يغنون ويرقصون. ووسط هذه الفرحة والاجواء الاحتفالية تنتاب البعض ملامح القلق وهناك من حمل لافتات كتب عليها "تفاؤل حذر" رغم فرحته ببيان الجيش . الرئاسة تتحفظ وعلى الجانب الآخر، تحفظت مؤسسة الرئاسة على البيان، حيث أعلن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن "البيان الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة لم تتم مراجعة السيد رئيس الجمهورية بشأنه، وترى الرئاسة أن بعض العبارات الواردة فيه تحمل من الدلالات ما يمكن أن يتسبب فى حدوث إرباك للمشهد الوطني المركب". وفي هذه الأثناء، أعلنت المنصة الرئيسة في ميدان رابعة العدوية- الذي يعتصم فيه عشرات الآلاف من مؤيدي الرئيس مرسي- عقد اجتماع مغلق لقيادات "التحالف الوطني لدعم الشرعية" تمهيدا لإصدار تعليق على بيان الجيش. وفي أول رد فعل من جماعة الإخوان المسلمين قال جهاد الحداد المتحدث الرسمي للجماعة: إن خريطة الطريق التي يتحدث عنها بيان القوات المسلحة لا تعني أنها ستضغط على الرئيس لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مضيفاً أنه ربما يكون الضغط على المحكمة الدستورية لسرعة إصدار قانون الانتخابات البرلمانية والدعوة لانتخابات برلمانية وانعقاد البرلمان. أما حزب النور، وهو ثاني أكبر حزب في البلاد، فقد أعرب عن خشيته من عودة الجيش إلى الحياة العامة. وفي تعليق من واشنطن، قالت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" إنها تدرس حالياً بيان الجيش ورفضت التكهن بتطورات الأمور في مصر خلال الثماني والأربعين ساعة المقبلة. وقال الناطق باسم البنتاجون جورج ليتل في مؤتمر صحفي :"نحن داعمون للتحول الديمقراطي في مصر، وهذه العملية تتطلب القبول بالحلول الوسط من كل الأطراف". أحداث متلاحقة ووسط هذه الاتجاهات والمواقف، تسارعت الأحداث المتلاحقة بعد المظاهرات الحاشدة المستمرة منذ الثلاثين من يونيو، حيث قد ستة وزراء في حكومة هشام قنديل استقالاتهم يومي الاثنين والثلاثاء احتجاجاً على طريقة التعاطي مع الأزمة السياسية الحالية في البلاد، إلى جانب استقالة محافظ الإسماعيلية والمستشار العسكري للرئيس اللواء سامي عنان نائب رئيس المجلس العسكري السابق. وأعلنت حركة "تمرد" المعارضة، أنها تمهل الرئيس محمد مرسي حتى مساء اليوم 2 يوليو للاستقالة، وهددت بالدعوة لعصيان مدني وحشد المتظاهرين للاتجاه إلى قصر القبة. ووضعت قوى المعارضة وعلى رأسها جبهة الإنقاذ خططاً وتصورات لمرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو تخلو من وجود الرئيس المصري من خلال إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتشكيل حكومة تكنوقراط وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً شرفياً للبلاد، وتشكيل لجنة لتعديل المواد المختلف عليها في الدستور، ويبدو الفريق الآخر مشككاً في صحة كل هذا السيناريو. ولكن على الجانب الآخر، يرى المعسكر الإسلامي أن المعارضة ليست قادرة على الإطاحة بالرئيس وأن كل ما يمكن أن تفعله هو ملء فترة حكمه بالقلاقل، كما يشككون في الأرقام التي تقول حركات مثل تمرد إنها جمعتها لتنحية الرئيس ويرون أنها لو كانت تمتلك كل هذا التأييد لسعت للتغيير من خلال صناديق الانتخاب. مسارات وآفاق وبعد العرض السابق ومع اقتراب المهلة التي حددها الجيش، نؤكد على أنه من الصعب التكهن بما ستؤول إليه خارطة البلاد على خلفية هذه التطورات المتلاحقة، ولكن سنحاول فيما يلي أن نضع رسماً لبعض السيناريوهات المتوقعة، مع التأكيد في مجملها على إرادة الشعب المصري في تحقيق ما يرغب به وأهميته كأقوى طرف في المعادلة الراهنة. فعلى مستوى المسار الأول يمكن أن يرتب هذا البيان لموقف التوافق بين القوى السياسية المعارضة ومؤسسة الرئاسة بوساطة من الجيش، وبالتالي يقود هذا المسار إلى الاتفاق على خطة قد تكون لصالح الرئيس أو ضده، ولكن هذا المسلسل لا يُتوقع له النجاح خاصة وأن قوى الشارع لن ترتضي بأي خيار إلا برحيل النظام. ولكن إذا توقعنا وقوع هذا المسار، يبقى التساؤل: أين سيكون موقع القوى السياسية التي حشدت ليوم الثلاثين من يونيو في حال نجاحها؟ وهل يؤدي خروج الرئيس منتصراً من هذه المرحلة إلى تعامل أكثر شدة مع المعارضة؟. ويذهب التكهن الثاني، إلى احتمال اشتداد حدة الأزمة بين الرئيس ومعارضيه، الأمر الذي قد يسفر عن أعمال عنف بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه، مما يحتم على الجيش سرعة التدخل وفض الاشتباكات بالقوة، وسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، وإدارة الدولة حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة سريعة. ويعد هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، نظراً لما نشاهده من تشبث الطرفين بموقفهما وعدم وجود أي بارقة أمل لبدء حوار وطني فعال. ويتوقع البعض أن تكون خارطة المستقبل التي تحدث عنها الجيش، هي طرح استفتاء شعبي حول بقاء الرئيس في السلطة من عدمه، وقد يكون ذلك حلاً سلمياً يحد من حالة الغضب المنتشرة بين الطرفين المؤيدين و المعارضين. وربما تتضمن خارطة المستقبل تحديد فترة انتقالية قصيرة، ستة أشهر أو عام واحد، تجرى قرب نهايتها الانتخابات، وتغيير الحكومة تغييراً جذرياً وتشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية محايدة، فضلاً عن تشكيل جمعية تأسيسية من أساتذة القانون الدستوري وفقهائه ونخبة من الخبراء في شتّى المجالات لمراجعة مواد الدستور القائم، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً للبلاد خلال المرحلة الانتقالية. ولكن يستبعد كثيرون أن يعود الجيش إلى الحياة السياسية مرة أخرى رغم الدعوات له بالعودة من قبل التيارات المعارضة، ولكن المؤكد أنه لن يقف مكتوف الأيدي في حالة اندلاع أعمال عنف في البلاد .