يجني المصريون هذه الأيام إحدى ثمار ثورة 25 يناير، التي تتمثل في تخليص احتفالاتنا بانتصار أكتوبر المجيد من عمليات الاختزال التي صنعها إعلام السلطة لتمجيد الحاكم ولو على حساب التاريخ والوعي الوطني. فتمر علينا هذه الأيام الذكرى الثامنة والثلاثين لنصر أكتوبر، وهي تحمل هذه المرة خصوصيات كبيرة ومعاني أكبر لم تكن تحملها طوال عقود مضت. فهي الذكرى الأولى للانتصار بعد الثورة، وبعد تنحي أو بالأحرى خلع الرئيس السابق حسني مبارك، الذي عرف خلال فترة حكمه بصاحب الضربة الجوية، وفي ظل تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة "إدارة شئون البلاد" حسب البيان الشهير الذي ألقاه نائب رئيس الجمهورية السابق. وبمناسبة تعبير "صاحب الضربة الجوية" فإنه عادة ما يلجأ الحكام في النظم الشمولية وغير الديمقراطية عموماً إلى استلهام أو اقتباس أو اكتساء شرعية حقيقة أو زائفة، تبرر لهم تمديد فترات الحكم إلى حين يجيء ملك الموت، بل تبرر لهم التوريث لمن بعدهم. شخصياً فإن خبرتي العسكرية لا تتعدى أسبوعي التربية العسكرية في جامعة القاهرة القرن الماضي، لكنني أحمد الله أن الرئيس السابق جاء من سلاح مقاتل وهو القوات الجوية، وإلا نسب الفضل في حرب أكتوبر لمهام أخرى غير قتالية أو تخطيطية. فلو من الشرطة العسكرية مثلاً لظل الإعلام المصري طوال 30 عاماً يشيد بحسن تنظيم المركبات خلال الحرب، ولو كان الرئيس السابق من الإذاعة لنسب الفضل في الحرب لطريقة إلقاء البيانات العسكرية. ومن قبل كان إعلام السبيعينات يختزل نصر أكتوبر في شجاعة اتخاذ قرار الحرب، وقد كان قراراً شجاعاً بالفعل في ظل المعطيات الراهنة، لكن اختزال النصر فيه أو في "ضربة جوية" تضليل لأجيال وصناعة لفرعون، لا تتناسب مع روح ثورة يناير، ولا مع أي شعب يتطلع للنهوض. اختزال الأمجاد في شخصية الزعيم الأوحد، فضلاً عن كونها نفاقاً سياسياً وتضليلاً إعلامياً، هي أكبر سبب وراء غياب روح فريق العمل لدى أجيال تربت على إعلام يدندن حول هذا الانتصار العظيم ما هو إلا "ضربة جوية" ضربها قائد ملهم فكان النصر! نحن في حاجة إلى محاسبة كل من ساهم في صناعة الفرعون وتضليل الرأي العام، حتى لا يظهر فرعون آخر يبحث له المنافقون عن مجد زائف أو مصطنع، نختزل فيه أمجاد بلادنا. ونتمنى بعد أن ننتهي من تداعيات اختزال الأمجاد في "ضربة" حاكم مستبد، أن ننتهز هذه الفرصة لتصحيح الوعي التاريخي لدينا ولدى أجيالنا القادمة، كي يدركوا أن الانتصار لا يأتي بمجرد ضربة حاكم عسكري برتبة "فريق"، بل الانتصار والنجاح يحتاجان دائماً شجاعة كاملة ل "فريق" عمل! تحية واجبة لكل من ساهم في هذا النصر، وأولهم الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب أكتوبر، صاحب خطة "المآذن العالية"، ولسائر قادة هذا الجيش العظيم، والذي توفي يوم ذروة انتصار ثورة يناير، يوم نزل فيه الشعب المصري يفرح بخلع الريس السابق، الذي أهانه وسجنه لمجرد أنه لم يشد ب"صاحب الضربة الجوية". وهنيئاً للمصريين ولكل العرب احتفالاتهم، ونرجو أن يشاركنا الاحتفال قريباً الشعب السوري الذي شاركنا النصر من قبل، ولم يشاركنا احتفالات هذه العام لانشغاله بإحصاء قتلى وجرحى مواجهات مع أبطال ضربة جوية أخرى!