"المظاهرات حرام؛ لأنها تعد خروجاً على الدولة وعلى النظام وعلى الناس، وميدان التحرير لا يرضى بهذه المظاهرات من أسوان إلى الإسكندرية" .. "المعارضة السلمية لولي الأمر الشرعي جائزة ومباحة شرعاً" .. هذه كانت فتاوى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أو تصريحاته ولكن مع اختلاف التوقيت، فالأولى أطلقها قبيل ثورة الخامس والعشرون من يناير عام 2011، حينما نقل الرئيس السابق حسني مبارك صلاحياته إلى نائبه الراحل عمر سليمان، أما الثانية فأطلقها في هذه الأيام المتزامنة مع دعوات البعض لمظاهرات 30 يونيو المقبل بميدان التحرير المطالبة بسحب الثقة من الرئيس مرسي. ردود فعل متباينة وأثارت الفتوى الأخيرة الخاصة بجواز التظاهرات السلمية وعدم تكفير من يقوم بها، ردود أفعال واسعة داخلياً وخارجياً، فعلى المستوى الخارجي، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: إن حديث شيخ الأزهر أحمد الطيب الأخيرة ، عن إباحة التظاهرات السلمية ضد الحاكم، أتت بمثابة ضربة قاسية للرئيس المصري محمد مرسي، وتجاهل تام من جانب الأزهر الشريف لمؤيدي الرئيس من الإسلاميين المتشددين، الذين وصفوا الداعين إلى احتجاجات 30 يوينو بأنهم "كفار وزنادقة". وأوضحت الصحيفة، أن تعليقات شيخ الأزهر أظهرت مدى الفتور تجاه الرئيس مرسي، الذي سعى إلى حشد المزيد من الدعم من جانب المؤسسة الأكثر اعتدالًا في مصر، من خلال لقاء مع الطيب والبابا تواضروس قبل الاحتجاجات المزمعة في ذكرى تنصيب مرسي رئيسًا لمصر، والتي تهدف إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. بينما وجدتها بعض القوى الليبرالية عنوانًا لوسطية الأزهر واعتداله، حيث قال الدكتور عفت السادات رئيس حزب السادات الديمقراطي تحت التأسيس : إن فتوى الدكتور أحمد الطيب بشأن شرعية التظاهرات السلمية ضرورية في هذا التوقيت الذي تعالت فيه أصوات التكفيرين ومروجي العنف، مضيفاً أن "الأزهر هو منصة الإسلام الوسطي والمعتدل في مصر والمنطقة العربية والإسلامية، ومعربًا عن رفضه لما يروجه البعض أن "موقف الأزهر من تظاهرات 30 يونيو دليل على تشجيعه للمواطنين من أجل الخروج على الحاكم". وعلى صعيد التيار الإسلامي، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين، فقابلت فتواه الأخيرة بحالة من الغضب والاستياء، حيث اتهم وصفي عاشور أبو زيد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين، شيخ الأزهر الشريف بأنه يدعو للعنف من خلال حديثه عن جواز الخروج على الرئيس محمد مرسي، معتبراً الفتوى الأخيرة دعوة مبطنة للفوضى وإراقة الدماء وإحداث فتنة في المجتمع، قائلاً: "أباح الخروج على الحاكم وهو ما رفضه من قبل أثناء ثورة يناير، وكذلك حديثه عن عدم تكفير من يستخدم العنف". وبغض النظر عن حالة الجدل الكبيرة المثارة حول فتوى (الطيب)، ينبغي الالتفات والتطرق لتلك الشخصية العظيمة بحكم موقعه على رأس أكبر مؤسسة إسلامية في العالم العربي والإسلامي ( مؤسسة الأزهر الشريف)؛ وذلك لمعرفة أسباب الخلاف أو على الأقل الاختلاف بينه وبين تيار الإسلام السياسي الرافض لتك الفتوى. بيت العيلة في بداية الأمر، ينبغي الاعتراف بأن محاولات شيخ الأزهر لمواجهة أزمات مصر المتلاحقة داخلياً وخارجياً لم تكن مرة أو مرتين، بل كانت مرات عدة على مدار السنوات التي تولاها، حيث تدخّل في أكثر من مرة لحل أزمات الفتن الطائفية التي بدأت بحادث كنيسة "أطفيح" ب"حلوان"، حين استقبل قيادات الكنيسة في المشيخة، مجتمعاً معهم في «بيت العيلة» محاولًا فض الأزمة. وامتدت محاولاته لصدع الفرقة في الأمور السياسية، وذلك من خلال تقديمه عدة مبادرات في ظل الحكم العسكري لمعالجة الفرقة والانقسام بين الإسلاميين والمدنيين، فكانت «وثيقة الأزهر» التي أيدها وأشاد بها الجميع خير مثال على ذلك. دائرة الصراع وعلى الرغم من هذه الإيجابيات التي سعى إليها الطيب، إلا أنه دخل في دائرة الصراع المكتوم بينه وبين التيار الإسلامي، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين، حيث ترددت الأقاويل بأن الإخوان المسلمين يسعون للإطاحة به من منصبه، مستغلين عدة أحداث منها (حالة تسمم طلاب الأزهر الشريف الأول والثاني) مؤخراً. واشتدت الانتقادات لهذا الرجل لدرجة أن قيل عنه بأنه أحد أركان الدولة العميقة؛ لأنه كان عضواً في لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي، علاوة على أنه يكره جماعة الإخوان المسلمين، ويرفض ما ينادون به. وقد تعالت تلك الانتقادات بعد وضوح موقفه من الثورة المصرية عام 2011، حيث لخصت الكاتبة "زينب عبد اللاه" موقف أحمد الطيب من ثورة 25 يناير، وكتبت: «حذراً مشددًا على الحقوق المشروعة للشعب في العدل والحرية والعيش الكريم، وفي الوقت نفسه قلقًا ورافضًا أي عمل يؤدي إلى إراقة الدماء وإشاعة الفوضى في البلاد، ففي بيان له يوم 29 يناير، وصف الطيب مطالب المتظاهرين ب"العادلة"، ولكنه حذر من الفوضى، وناشد الجماهير الالتزام بالهدوء، وبعدما أعلن "مبارك" نقل سلطاته إلى نائبه عمر سليمان، حذر الطيب من استمرار المظاهرات التي أصبحت «لا معنى لها» و«حرام شرعاً» بعد انتهاء النظام الحاكم وتحقيق مطالب الشباب، ومن ثم زال المبرر الشرعي للتظاهر. شخصية العام كما قال البعض عنه إنه في حالة صراع بينه وبين النظام الحالي، فيرون أن الطيب يسعى إلى مداوة الآثار السلبية التي يفعلها النظام الحالي سواء قصد أو بدون قصد مع الدول العربية الشقيقة، وذلك من خلال استخدام قوة الأزهر الناعمة في رأب الصدع مع السعودية والإمارات والبحرين، وليس أدل على ذلك سوى ما قام به من زيارات لتك الدول، حيث سافر إلى السعودية والبحرين وأخيراً إلى الإمارات، ليتسلم جائزة الشيخ "زايد" للكتاب ، لاختياره شخصية العام الثقافية على مستوى العالم الإسلامي. هذا عن مواقفه القديمة، أما عن المواقف الحديثة المسببة للخلاف بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، فبرزت مؤخراً من خلال رفضه قانون الصكوك الإسلامية التي تتبناه التيارات الإسلامية، حينما تم عرضه على الأزهر في أكثر من مرة؛ لعدم موافقته للشريعة الإسلامية من وجهه نظر الأزهر. صراع خارجي وعلى الصعيد الخارجي، فلم تكن دائرة الصراع بعيدة عنه، ولا سيما بعد أن تصادم الطيب مع الفاتيكان، حين جمد الأزهر الحوار مع الفاتيكان في (20 يناير 2011) إلى أجل غير مسمى؛ بسبب ما اعتبره نهجاً متكرراً من البابا السابق "بنديكت السادس عشر" على الإسلام؛ نتيجة مطالبته ب"حماية المسيحيين في مصر بعد حادث تفجير كنيسة "القديسين" بمدينة الإسكندرية. وكذلك الأمر بالنسبة لموقفه من إسرائيل، حيث رفض الطيب مصافحة شيمون بيريز أو التواجد معه في مكان واحد، وقال: "معنى أن الأزهر صافح إسرائيل، سيكون ذلك خَصماً من رصيدي، وخَصماً من رصيد الأزهر؛ لأن المصافحة تعني القبول بتطبيع العلاقات، وهو أمر لا أقرّه إلى أن تعيد إسرائيل للفلسطينيين حقوقهم المشروعة".