التصريحات التى أدلى بها الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع يوم 11 مايو الحالى فى تفتيش حرب الفرقة التاسعة هى أخطر ما صدر عن القوات المسلحة منذ ثورة يناير حتى الآن..كلامالقائد العام للجيش تصور البعض أنه احباط للمعارضة ولجبهة الإنقاذ تحديداً التى كانت تعول كثيراً على أن يقوم العسكريون بإنقلاب يزيحون فيه مرسى ويتم تشكيل مجلس رئاسى يحكم البلاد لعامين تعاونه حكومة توافق وطنى وتجرى بعدها انتخابات رئاسية جديدة .. لكن عندما أعلن السيسى أن الجيش لن ينقلب "ومش حنشيل حد" تراجع الذين كانوا يراهنون على توقيت الإنقلاب وكيفيةانتزاع السلطة من غاصبيها وإعادتها للشعب أو هكذا تصوروا.. وفهم كثيرون كلام السيسى على أنه تصالح مع الإخوان وتأييد للرئيس وشرعيته.. بل وذهب البعض إلى التساؤل عن ماذا جرى للجيش ولماذا غير وزير الدفاع اللهجة المتشددة التى تحدث بها فى ذكرى تحرير سيناء عندما قال "يمكن أن نقبض على أعضاء الجماعات الإسلامية فى عشر دقائق فقط" ..والحقيقة أن الرجل لم يكن يقصد الإخوان وقتها بل كان حديثه موجهاً للتنظيمات الجهادية فى سيناء والإرهابية التى تسعى لتخريب مصر .. السيسي لم يتراجع عما سبق وقاله ، بل على العكس لقد كرره عندما أكد أنه لن يتأخر ثانية واحدة عن الأخذ بالثأر ممن قتلوا جنود حرس الحدود فى رمضان الماضى وأعلن "والله لو نعرفهم ما يبقوا ثانية على وجه الأرض , ولن نتأخر ثانية واحدة حتى نأخذ بثأرهم ولن ننسى من قتلنا , وأقول للجيش المصرى فى حال خروجى من الخدمة: لا تنسوا من قتل ابناءكم" إذن الثأر للشهداء سيتوارثه القادة العسكريون.. وسينتقمون من الفاعل أياً كان ومهما كانت درجة تحالفه مع السلطة بمصر. كلام القائد العام واضح ، وهو أن العقيدة القتالية للقوات المسلحة لا تتغير بمن يتولى الرئاسة.. فمن قتلنا غدراً وخسة سنقتله ولو بعد حين .. وفهمت من كلامه أنه لن يكون هناك استئذان فى القبض عليهم لو عرفهم ومحاكمتهم أمام القضاء العسكرى ..المعارضة المصرية همها الأول هو الإطاحة بالإخوان الذين فشلوا فى إدارة البلاد وعادوا بالاقتصاد لنقطة الصفر ، ولكنهم لا ينظرون إلى مصلحة مصر التى تقتضى فى الوقت الراهن إيجاد صيغة تفاهم لأن البديل خطير جداً..على الجانب الآخر اسعدت تصريحات السيسى قيادات الإخوان وطمأنتهم بأن الجيش لن "ينقلب على أحد ولن يشيل أحد".. وزادهم هذا التصريح غروراً ونشوة معتبرين أن الجيش لا يمكن أن يدخل فى مواجهة مع الإخوان حرصاً على الدم المصرى.. ولكن فاتهم أن هذا الحرص ينطلق من باعث وطنى فقط فقد كان كلام القائد العام للقوات المسلحة محدداً وهو يقول "الجيش نار فلا تلعبوا به أو معه.. الجيش نار لكن ليس على أهله.. ولابد من إيجاد صيغة تفاهم بيننا ،لأن البديل سيكون خطيراً جداً فالجيش لو نزل الشارع يبقى خلاص ونحن أصحابه ونعلم قدراته جيداً ومحدش يفكر يحل المسائل بالجيش"..رسالة واضحة لا يخطئها عاقل .. وجه كلامه للمعارضه عندما قال "لا تلعبوا به" وللإخوان قال "لا تلعبوا معه" .. الجيش نار وليس مطية فى يد أحد .. الجيش لن يسمح لأحد أن يستغله لتحقيق مطامعه فى السلطة .. كما أنه وبنفس القدر لن يسمح لأى كان أن يلعب معه سواء عن طريق بالونات الإختبار أو التعريض بقادته أو الانتقاص من قدراتهم ..أيضاً لم يترك وزير الدفاع كلام حازم أبو إسماعيل وسخريته منه بأنه "ممثل عاطفى يتذلل للشعب" يمر مرور الكرام ، فقال إنه شرف له أن يكون ذليلاً للشعب وتابع قائلاً" لكن أى أحد يسيىء للقائد العام فهو يسىء للجيش كله" .. الرسائل ولا يخطىء المراقب عدة رسائل هامة أراد القائد العام للقوات المسلحة توصيلها للجميع وتركزت فى عدة نقاط: الأولى:أن وجود الجيش فى الشارع لمدة 18 شهراً كان له تأثير سلبى على كفاءته وذلك عندما قال "نسابق الزمن حتى تستعيد هذه القوات كفاءتها وتعود أفضل مما كانت عليه قبل 28 يناير".. الجيش لم ولن يفكر فى السلطة.. فقد تحمل الكثير فى الفترة العصيبة السابقة ، وسمع وشاهد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ويستحيل أن يعيد الكرة أبداً..إن الأولوية القصوى للجيش الان هي الإرتفاع بمستواه القتالى وتدريبه ليحافظ على أفضليته التى احتلها سابقاً ضمن أفضل ستة جيوش قتالية فى العالم (بدون سلاح نووى).. وليحافظ على هذا المستوى فإن لديه عدة اعتبارات يحفظها عن ظهر قلب , وهى استمرار المعونة العسكرية الإمريكية له التى يعتمد عليها كثيراً , كما أنه لا يريد أن تتعرض مصر لعقوبات اقتصادية إذا ما قام بإنقلاب حتى لو كان مدعوماً بتأييد شعبى. الثانية:ما قاله السيسى عن أن ما طلبته القوات المسلحة من ضمانات الأمن القومى تم تلبيتها بالكامل دون تردد.. وهذا يعنى أن الجيش قادر على أخذ ما يريد بالتفاهم مع السلطة دون الإنقلاب عليها ، فقد نالت المؤسسة العسكرية كل ما تريد فى ظل الدستور الإخوانى ، ولم يمس أحد مكاسبها أو استقلالها أو يتدخل فى اقتصادياتها ، وهذه النقطة ينبغى أن يفهمها كل من يردد بغير عقل أن الجيش سينقلب على مرسى.. وأعتقد أن هذا الكلام سيختفى بعد تصريحات السيسي الأخيرة.. الثالثة: أن الجيش مدرك تماماً لأهمية التنمية فى سيناء والحدود الغربيةوالشرقية ملمحاً إلى أن هناك طائرة أسقطت منذ نحو شهر على بعد 1500 كيلو متراً شرقاً.. ولم يعلن الجيش عنها لأنه يعمل دون دعاية أو "طنطنة".. المغزى أن الحدود الشرقية مؤمنة..وهناك تواجد عسكرى قوى وقادر ورادع على كافة الحدود.. وأن نزول الجيش للميادين أثناء الثورة ، لم يجعله يغمض عينيه عن التهديدات وأى أصابع تهدد الأمن القومى.. الرابعة: الجيش لا يأخذ أوامر عند تدمير الأنفاق مهما كان من يشكو من ذلك.. الخامسة:الجيش لا يعنيه الخلاف السياسى فهذا أمر طبيعى بعد الثورات ولكن المهم ألا يجعل المصريون جيشهم عدواً لأحد ، ولا يضعوا أنفسهم كأعداء له. السادسة:وهى الأهم على الإطلاق كانت للشعب وللمدنيين وممثلى القوى السياسية والإعلاميين والفنانين وذلك عندما قال السيسى "انتم قادرون , كما استطعتم تغيير الدنيا مرة واحدة ، تستطيعون تحقيق الكثير بالإتحاد والتفاهم.. وقد فهمتها شخصياً أن الجيش لم يقم بثورة يناير 2011 ولن يقم بإنقلاب.. لكن التغيير دائماً بالشعب لأنه الذى يريد.. الدهاء ولغز متستعجلوش وقد حاول البعض تفسير كلمة "متستعجلوش" التى قالها السيسى بأنها تنبىء بإحتمال تحرك الجيش إذا أحس بالخطر.. وعلق آخرون عليها بأن المقصود بها انتظار ما تسفر عنه الأيام..والحقيقة أن الرجل قالها على "العموم" وهو يجيب عن متى سيتم القبض على قتلة جنودنا فى رمضان الماضى ، ومتى تنصلح الأحوال فى البلاد ومتى سيتم تأمين سيناء بالكامل.. وقد أجاب على السؤال الأخير بأن تأمين أرض الفيروز سيكون بإعادة التنمية الشاملة إليها ومعاملة أهلها كبشر لهم حقوق على الدولة وإذا لم يراع الجيش ذلك سيسقط أبرياء..لكن حل اللغز هو فى العبارة التى قالها "أيهما أفضل تدمير البلاد أم الوقوف 18 ساعة أمام صندوق الانتخابات مع توفير الضمانات التى يمكن تنفيذها"..رسالة السيسي أن الجيش سيحمى الديموقراطية هذه المرة.. لن يتركها تضيع أو يتم التلاعب بها.. يناشد المواطنين الصبر فى الطوابير وعدم الإنصراف حتى لا تتاح فرصة للتزوير أو إغلاق الصناديق مبكراً! إننى أثق فى ذكاء – بل دهاء – القوات المسلحة .. فهم يعرفون أن ثورة يوليو 1952 لن تتكرر لأنها كانت إنقلاب ضد أسرة علوية غير مصرية تحكم من 150 عاماً ، وليس تجار دين مكروهين يحكموا من كام شهر. لقد ترك الجيش الإخوان يأتون بالصندوق وينفذون مايريدون ولا يتدخل فى الأمور الداخلية.. وهم يخربون براحتهم.. والناس تكرههم ويخسروا شعبيتهم التى لم تعتمد على برنامج حقيقى ولكن على الزيت والسكر....يعنى بالصندوق جاب الإخوان عشان يعرفهم للشعب.. وبالصندوق حيشيلهم.. ساعتها لا الضغوط حتحميهم لأنهم "اتخلعوا" بالصندوق.. ولا امريكا ستحميهم لأنها ستجد مصالحها مع غيرهم.. ولا الشعب سيساندهم لأنهم طلعوا دين اللى خلفوه.. وبس خلاص..