الثقة هي أول طريق النجاح في الحياة ، ويعتبر الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد وعدم الاطمئنان للإمكانيات والقدرات الشخصية هو بداية الفشل، وكثير من الطاقات أهدرت وضاعت بسبب عدم إدراك أصحابها لما يتمتعون به من إمكانيات أنعم الله بها عليهم لو استثمروها لاستطاعوا أن يفعلوا بها الكثير. انظروا معي إلى قصة الصحابي عبد الله بن الزبير عندما كان يلعب مع أصحابه في أحد طرقات المدينة فمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بالقرب منهم فهرب كل من كان مع عبد الله بن الزبير إلا هو فقد بقي واقفاً في مكانه فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه لماذا لم تهرب كما فعل أصحابك ؟ فقال لم تكن الطريق ضيقة فأوسعها لك ولم أفعل شيئاً فأخافك. من خلال هذه القصة نتعلم معني الثقة ونعرف أن الثقة بالنفس هي تماسك الشخصية ووقوف الشخص وقوفاً سليما دقيقا على واقعه الذاتي دون أن تسيطر على ذهنه مفاهيم خاطئة عن نفسه. وتماسك الشخصية هو أن لا يصيب الإنسان أي تأثيرا داخليا سلبياً فيصاب بالقلق والتوتر والخوف وقصة عبد الله بن الزبير تقدم لنا مفهوما متكاملا عن الثقة من حيث عدم خوفه واضطرابه من أمير المؤمنين وهذا يدل على تماسك شخصيته والأمر الثاني هو وقوف عبد الله بن الزبير وقوفا حقيقيا على واقعه الذاتي حين قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم أفعل شيئا فأخافك وهذه معرفة للواقع الداخلي بأنه لم يخطئ حتى يخاف منه ولم يرتكب ما يعيب شخصه . هكذا كان شباب المسلمين الذين تربوا في مدرسة النبوة وارتووا من نبع الهدي المحمدي الصافي الذي أنتج بعد ذلك رجالا عظماء رفعوا راية الإسلام وفتحوا البلاد من المشرق إلي المغرب وأقاموا دولة الإسلام , كل ذلك لأنهم عرفوا غايتهم واكتملت منظومة الثقة بداخلهم . وإذا أردنا بناء الثقة بداخلنا وجب علينا أن نحقق منظومة الثقة التي تقوم علي المستويات التالية : أولاَ : الثقة بالله : وهي الأساس الذي يعتمد عليه الإنسان لبناء ثقته وهي كذلك الأساس الذي ترتكز عليه مستويات الثقة الأخرى (النفس والآخرون والإمكانيات) والثقة بالله ليست مجرد الثقة النظرية فقط ولكن هي الإيمان بأن الله معك ولن يخذلك والتوكل والاعتماد عليه في كل الأمور والأحوال ، يقول الرسول صلي الله عليه وسلم :(لو أنكم تتوكلون علي الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ) . الثقة بأن الله ناصر الحق (ولينصرن الله من ينصره ) , (والله متم نوره ولو كره الكافرون ) .. الثقة بأن الرزق من الله (وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ). الثقة في وعد الله للمؤمنين (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ). كل ما سبق يبين لنا رابطا قويا بين سلامة العقيدة و الثقة بالله خالقنا بل إن الثقة بالله تعطينا طاقة روحية تدفعنا للعمل وتحقق لدينا الرضا والقناعة بما قسمه الله لنا وهذا من أكبر أسباب سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة . ثانياً: الثقة بالنفس (فضل الله عليك): وهي الإيمان بأن الله قد منحك من الطاقات والقدرات الشيء الكثير لتكون إنساناَ ناجحاً في الحياة لذلك عليك أن تكتشف المواهب والطاقات الكامنة فيك وتسخرها فيما ينفعك وينفع الآخرين . ومن النقاط المهمة في قضية الثقة بالنفس بأن تتعرف على نقاط الضعف فيك كما تعرفت علي نقاط القوة لأنه بذلك تزداد ثقتك بنفسك وتستطيع أن تتعايش مع هذا الضعف الذي فيك فلا يؤثر سلبا عليك أو تحاول أن تعالجه أو تتخلص منه وتذكر قول الله عز وجل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . ثالثاً : الثقة بالآخرين وخصوصا المشتركين معك فى المبادئ والأهداف: وهذه الثقة مهمة من حيث أن الإنسان لا يعيش لوحده بل إنه يعيش مع الآخرين ويتعامل معهم فلذلك لابد أن تكون الثقة هي الأساس الذي نبني عليه علاقاتنا مع الآخرين ومع زملائنا وإخواننا وكل من حولنا وأن لا نقدم سوء الظن في تعاملنا بل إن الأصل هو الثقة إلا إذا ثبت خلاف ذلك يقول الله تعالي : (يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن أثم ) . مما سبق نري أن من أهم الأسس التي تبنى بها الثقة بالنفس هو الاعتماد على الله في كل صغيرة وكبيرة ومن دون ذلك فلا ثقة للإنسان بنفسه أو بالآخرين أو بالإمكانيات بجانب ذلك هناك عوامل مساعدة علي بناء الثقة وهي تنقسم إلي : 1- العوامل المعنوية : ومنها الإيمان بالقدر الذي يعتبر من أهم العوامل المساعدة لبناء الثقة بالنفس لأن الإنسان كلما آمن بالقدر وأن كل ما يحدث له من مصائب وابتلاءات قد كتبها الله عليه فإن هذا يمنع الإنسان من اهتزاز شخصيته بل تظل متماسكة في جميع الظروف والأحوال. 2- العوامل العلمية : تعلم كيف تتكلم فهي الطريقة التي تعبر بها عن نفسك , والإنسان يجب أن يعبر عما في نفسه وما يدور في خلده من أمور , وأن يعطي الآخرين الفرصة للتعبير عن مشاعرهم وآرائهم , كذلك على الإنسان أن يستثمر مواهبه وأن يبحث عن المجالات التي يستطيع من خلالها أن يوظف طاقاته وقدراته , وأيضا عليه أن يتجنب النقد السلبي الذي يعتبر معول هدم الثقة والذي يحطم الشخصية ويضعفها بل يجب عدم تضخيم السلبيات والنظر دائما إلي الايجابيات والجانب المشرق (النصف الممتلئ من الكوب ) , فالإنسان كالأرض له أماكن تثمر و أماكن صالحه للزراعة لم توضع فيها البذور حتى الآن وأماكن غير صالحة للزراعة عليه أن يستصلحها لتنمو نبتة الثقة بداخله وتكتمل أفرع الشجرة وتعطي الثمرة . وأخيراً أيها الإنسان عليك أن تزيد من صلتك بالله سبحانه وتعالى إيماناً وثقة به وتوكلا عليه في كل أمورك , و أن تؤمن بان الله سبحانه وتعالى أبدع في خلقه ومادام قد أبدع فقد أوجد فيك أيها الإنسان الكثير من الخير والقوة التي لو نظرت إليها إيجابياً لوجدتها كثيرة فأحمد الله عليها وتذكر قول الله (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) , وقوله تعالي( ولئن شكرتم لأزيدنكم ). وإذا تحقق كل ذلك فينا فإننا بذلك نكون قد وضعنا قواعد بنيان الثقة والأعمدة الراسخة التي سيتكامل فوقها صرح نجاحاتنا في هذه الحياة . **من مؤسسي حزب الحرية والعدالة بفاقوس محافظة الشرقية